كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية "امرأة بطعم التوت": حين ينهار حاضرنا أمام طيَّات الماضي

إنَّ الزمن كفيل بتغيير كل ما فينا؛ هويتنا وما نملك من قِيَم، وكل شيء قد يحتل كياننا الهارب من تاريخه، كحبة التوت الشهية الحلوة المذاق في بداية تناولنا لها إلى أن تصبح ذات حموضة لاذعة.

بدأت رحلة ريم بين بلاد الخليج ومصر أمِّ الدنيا، فقد ولِدت في الخليج لإحدى الأسر العربية التقليدية التي اتَّسمت بطابع تشدُّدي، وبدأت حياتها خاضعةً إلى قيم المجتمع الشرقي المُحافظ؛ وكان أكثرها تأثيرًا في حياتها هو قرار العائلة بالابتعاد عن الصديق العزيز والحب الطفولي الأول (عبد الصمد)؛ لأنه لا يجوز للفتاة مصادقة الفتيان في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد المتشدِّدة، وذلك تبعًا لنهجٍ تربوي صارم عانت منه وترك في حياتها بصمةً قد أخذتها بعيدًا عن مسقط رأسها.

 ومضت الأيام الوردية؛ أيام بيكاتشو وبرامج سبيس تون، وزمن البراءة والصفاء الذي يُشارك فيه الأطفال مشاعرهم البريئة حتى يأخذ العمر مجراه وتتغير معالمهم الفكرية والجسدية، وهكذا، تغيَّرت معالم ريم مع الزمن لتزورها مراحل النضج الجسدي، فتبدأ ريم -تزامنًا مع ذلك النضج- بقصص حبٍّ آثمة من بعد تحطُّم قصة حبها الأول، حينما عنى سفرها من الخليج للعودة إلى رحاب مصر لحظةَ الوداع الأخيرة لعبد الصمد.

وتصبح حينها آلاء الصديقةَ العزيزة الجديدة، وعائلتها الثانية، والتي قدَّمت يد المساعدة أولًا، وانطلقت بنهج غرامي يتجاوز قِيَم المجتمع المُحافظ، إلى أن تتشارك الصديقتان قصص حب مختلفة تملؤها الخطيئة في نظر المجتمع والفضيلة في نظرهما، وما هي إلا فترة قصيرة حتى يزول الغطاء كاشفًا عن كل تفاصيل القضية، حينما تصبح ريم الابنة والشقيقة والصديقة عارًا؛ لكونها فتاةً تخلَّت عن عفَّتها الجسدية.

وهكذا، أزالت العفَّة معها -حسب تسمية المجتمع الذي وُلِدت فيه- أيَّ انتماء إلى أسرة مُحبَّة أو صديقة عُدَّت مخلصةً سابقًا، ومجتمعٍ حكم بالنفي الأبدي على فتاة وقعت في شرائك الحب المُزيف، فتنطلق ريم مع زوال كل ارتباط إلى البلاد الأمريكة مُنهزمةً بسبب ماضيها لتتبعَ صديقها روبرت الذي تعرَّفت إليه عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، ليغدو صديقها الأقرب، وقد ربطت حياتها معه مدىً اعتقدت بأنه سيكون دائمًا. 

ولكنَّ الماضي يعود مجددًا لينال مُستحقَّه من الأيام التي كانت فيها ريم متديِّنة ومُحافظة، والأيام التي أصبحت فيها أقرب إلى فتاة تمتلك جسدها، فتراهن به بحريتها الكاملة وتتحمِّل نتائجَ المراهنة؛ ذلك الماضي الذي شاركت به عديدًا من الشخصيات في مواقف غريبة لم تتوقَّعها يومًا.

"ذاكرتنا ليست مُلكًا لنا… هي رهينة للأمس الذي يقاضينا.. يذلُّنا في حاضرنا تاركًا الغد رماديًّا كفاية لنشقى."

ويعود الماضي مُحمَّلًا برجل مجهول الهوية ليستحوذ على قلب ريم في سرعة قياسية، فتبدأ قصة حب جديدة يحكمها النقاء هذه المرَّة، وحمل الماضي ضدَّ هشاشة الحاضر حتى غدا خيار المواجهة حتميًّا، وأصبح روبرت عندها شيئًا لا بدَّ من تجاوزه من أجل المُضيِّ قُدُمًا.

"روب كان الأفضل فيما يتعلق بالمُضيِّ قُدُمًا..شعاره في الحياة يعود إلى فيلم لروبرت دي نيرو (Heat) حين قال في مشهد مميز: "لا تدع نفسك تتعلق بأيِّ شيء لن تستطيع التخلِّي عنه في ثلاثين ثانية."

وكانت نهاية روبرت تبدأ بجملة "بحق المسيح الذي أحببناه معًا" كما وصفت ريم ذلك عندما تركت رسالتها التي تُنهي جزءًا من ماضيها:

"عزيزي روبرت..

آن لي أن أفعل كما فعلت مع عصافيرك.. عصفورتك ستطير الآن خارج قفصك الجميل.. تمنَّ لي تحليقًا سعيدًا.. بالمناسبة، لقد استلزمني الأمر أكثر من ثلاثين ثانية لتركك.."

ويكشف الرجل الشرقي عن هويته أخيرًا مُساندًا ريمًا في معركة الماضي، وهو الرجل الذي استقدمته رسالةٌ تملؤها رائحة أعواد الكبريت، لتبدأ مخططات العودة إلى مصر ولقاء الإخوة من بعد حُكم نفي طويل.

إنَّ رواية امرأة بطعم التوت للكاتبة المصرية (حلا المطري) هي  العمل الروائي الثالث لها من بعد كلٍّ من رواية "كانت لي"، ورواية "عريا الروح"، والذي انطوى تحت باب الــ231 صفحة 63 فصلًا؛ إذ إنَّ العمل الأدبي كان قد بُنِي على أسلوب سردي بسيط للأحداث مُتنقلًا بين الزمنين الماضي والحاضر مُستخدِمًا المنظور التقليدي في السرد الروائي (منظور الكاتب) مع الميل إلى استخدام المفردات اللغوية السهلة، ويتطرَّق إلى المقارنة تطرُّقًا أساسيًّا بين كلٍّ من عادات الشرق والغرب أيضًا، ويصف حال المرأة الشرقية، فيحاكي حياة الإنسان بمراحلها منذ الطفولة حتى النضوج، ولا سيما مرحلة المراهقة وتبعاتِها ليوضِّح عقدةَ ربط بين جوهر الثقافتين. 

معلومات الكتاب:

الكتاب: رواية امرأة بطعم التوت

الكاتب: حلا المطري

عدد الصفحات:231 صفحة.

تاريخ النشر: 2017.

دار النشر: تويا للنشر والتوزيع