الفيزياء والفلك > فيزياء

ميكانيكا الكم في الأبعاد الكسرية

يبدو في بعض الأحيان أنَّ التعامل مع الفيزياء على  مقاييس الجسيمات دون الذرية يأخذ طابعًا فلسفيًّا أكثر من كونه علمًا، وغالبًا ما تبدو الأسئلة التي يطرحها أكثر إرباكًا من أجوبتها. وقد أُجِيب مؤخرًا عن سؤالٍ من هذا النوع في دراسة بحثت في سلوك الجسيمات الكمومي الشاذ دون الذرية عند ترتيبها في منظومات هندسية تُعرَف بـالفركتلات (Fractals).   

تُعَدُّ الفركتلات من أكثر مفهومات الرياضيات جمالًا وغرابة! وهي ببساطة أشكال تتَّسم بصفة التشابه الذاتي عند التقسيم إلى أجزاء أصغر؛ بمعنى أنك مهما بالغت في تقسيم هذه البِنيَة -في أي جزء أردته منها- سيحافظ هذا الجزء على شكل البنية الأصلي نفسه.

ونرى في الصورة المرفقة مثالًا على البِنى الفركتالية:

وعمليًّا هي صفة تقريبية لكثير من الأشياء الموجودة حولنا، نراها في الشتاء في ندف الثلج، ونراها في أشكال المجرات مثلًا.

وإحدى أهم خصائصها وأكثرها غرابة هي الأبعاد التي تشغلها؛ إذ يُمكِن لأبعادها أنْ تأخذ قِيَمًا حقيقية، على خلاف البنى الهندسية التي نعرفها، التي تأخذ أبعادها عادة قيمًا صحيحة؛ بمعنى إما أن تكون أُحادية البعد كالمستقيم، وإما ثنائية البُعد المستطيل والدائرة، وإما ثلاثية البعد كالكرة والمخروط وغيرها. أما الأجسام الفراكتالية فيمكن لِأبعادها أن تأخذ قيمًا بين الواحد والاثنين مثلًا، أو بين الاثنين والثلاثة؛ مما يجعل من الصعب تخيُّلها، على الرغم من أنَّ النظريات تفترض وجودها الرياضي.

على سبيل المثال؛ مثلث سايربينسكي (Sierpiński triangle) هو أحد الفركتلات الذي يُنشَأ بتقسيم المثلث إلى أربعة أقسام متساوية وإزالة القسم المركزي وتكرار هذا الإجراء لكل جزء تباعًا، ومن الممكن إثباته رياضيًّا أنَّ له أبعادًا قرابة 1.58 بصعوبة. 

ولكن كيف ستتصرف الإلكترونات لو وضعناها في بِنى هندسية فراكتالية؟ من المعروف أن خصائص الإلكترونات التي تظهر بواسطة تابع الموجة الخاص بها تتغير حسب الفضاء الذي توجد فيه (أحادي البعد أم ثنائي البعد أم ثلاثي البعد)؛ وهذه مسألة تُعرَف بالتقييد الكمومي quantum confinement.

 السؤال الطبيعي الذي من الممكن أن نطرحه إذا ما أردنا دمج البِنى الفركتالية وغرائب ميكانيكا الكم؛ هو: كيف يتصرف الإلكترون عندما تُقيَّد حركته في بنية هندسية فراكتالية؟

إنَّ الحصول على بنية هندسية فراكتالية تمامًا أمرٌ مستحيل في الطبيعة؛ إذ يقتضي ذلك أن تستمر البنية الهندسية في عملية التشابه الذاتي إلى حدود متناهية في الصغر، والأمر الممكن فيزيائيًّا هو الحصول على بنى شبه فراكتالية، بمعنى أنَّ الشكل الهندسي يبقى نفسه عند إجراء عملية تقسيم واحدة. 

هذا ما فعله فريق من الباحثين؛ إذ أظهرت نتائجهم أنه عند وضع الإلكترونات في شكل فراكتلي تقريبي -كمثلث سايربينسكي- فإنها ستتصرف كأنها تتحرك في فضاء بُعده يساوي 1.58، وليس في فضاء أحادي أو ثنائي أو ثلاثي البعد. وحدث ذلك عمليًّا عن طريق التحكم بتموضع جزيئات أحادي أكسيد الكربون على السطح البلوري للنحاس عن طريق التلاعب الذري بواسطة مجهر المسح النفقي STM، والشكل الهندسي لجزئيات الكربون مع الشكل المصمم على ذلك السطح؛ إذ يُشكلان حواف شبه فراكتالية تقيِّد حركة الإلكترون لنحصل بذلك على بنية هندسية شبه فركتالية. ومن ثم مَثَّل الفريقُ الدوالَّ الموجية الإلكترونية عند طاقات مختلفة باستخدام المجهر الماسح النفقي والتحليل الطيفي.

وحقيقة أن الطاقة المكممة في ميكانيكا الكم تقتضي بأن الإلكترونات لا تستطيع أن تكون إلا في مستويات طاقة محددة فقط، واستخلص الباحثون توابع موجة الإلكترونات المقيدة في البنية الهندسية الفركتالية تلك، وبعد ذلك دُرِسَت خواص التوابع الموجية للإلكترونات المقيدة وذلك عند مستويات مختلفة للطاقة، وحسبوا أبعاد تلك التوابع، ووجدوا شيئًا مثيرًا للاهتمام! لقد اكتسبت الإلكترونات النمط العام نفسه؛ أي أبعاد كسرية وأصبحت تتصرف وكأنها تعيش في عالم فركتالي؛ عالم ذو بُعد 1.58 في حالة مثلث سايربينسكي المدورسة. وتعد هذه النتيجة من الناحية النظرية مهمة جدًّا كونها تفتح آفاقًا جديدة من الأبحاث؛ فقد تغني دراسة الفركتلات على المقاس الكمي تطبيقاتنا ويكون لها أثرٌ مهمٌ في عديد من مجالات الأبحاث العلمية.

المصادر:

هنا

هنا هنا;

هنا

رابط المقال الأصلي:

هنا;

روابط من مقالاتنا السابقة:

هنا