الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة العربية والإسلامية

تأثير الفلسفة العربية في الفلسفة اللاتينية

الفلسفة العربية الإسلامية التي ليس من الضرورة أن تُعرَّف حرفيًا أنّها قائمة على الفلسفة الدينية وتفسير النص القرآنيّ؛ بل هي إشارةٌ للعصرِ الذي ولدت به الحضارة الإسلامية التي ضمَّت العلماء والفلاسفة من الانتماءات الدينية والفكرية كافةً [1]، وطوّروا بدورهم العلوم والفلسفة العربية وفسَّروا العديد من الأطروحات الفلسفية الأفلاطونية والإغريقية وأضافوا لها وللنهج المنطقي سُبلاً جديدة لبناء نهج معرفي أكثر اتساعًا، ومع تطوُّر الفلسفة العربية بدأت ترجمة النصوص من العربية إلى اللاتينية وطالت الترجمةُ الموسوعةَ الفلسفيّةَ العربيّة المُتشعبة لكل الانتماءات الفلسفات مثل فلسفة الطبيعة والجمال والوجود والسياسة، وضمَّت ذلك أعمال أهم الفلاسفة مثل الفارابي هنا وابن سينا هنا ويعقوب بن إسحاق الكندي وابن رُشد  هنا النفيس.[2]

وفي تزامن مع الترجمة اللاتينية من الأغريقية في القرون الوسطى، كانت الترجمة من العربية إلى اللاتينية تخوض طريقها لعُمق الفلسفة الغربية اللاتينية، ومع أنه لم تُترجم معظم أعمالهم المهمة مثل "مبادئ الفارابي لمواطني الدولة المثالية" أو تعليق ابن رشد على جمهورية أفلاطون التي تناولت عناصر المدينة الفاضلة ودستورها ورئيسها وخصاله [3]، ومع ذلك كان لهم أثر مباشر في الحضارة الغربية بدرجة  أعلى في الميتافيزيقيا "علم ما وراء الطبيعة" أو ما يطلق عليه في الفلسفة العربية عِلم الإلهيات، بل امتدَّ أثرهم نحو علم النفس والمنطق والأخلاق والرياضيات والإحصاء ومناقشة السعادة الإنسانية على الخصوص، ومن أكثر النظريات العربية التي امتدَّ نفوذها إلى الفلسفة الغربية هي العلَّة الأولى لابن رشد "العلَّة الأولى واجبة الوجود؛ وإنَّ قدرة العقل الفلسفية لإدراك ماهية المعاني والمنطق تنبع من العلَّة الأولى والسبب الأول"

ساعدت الاتصالات المسيحيّة الإسلامية في تصدير هذه الترجمات إلى الغرب اللاتيني، مثل حالة فريدرك الثاني، الذي كان على معرفة مباشرة بالفلاسفة العرب [4]، وأنتجت إيطاليا العديد من الترجمات من العربية في نهاية القرن الحادي عشر واستفادوا من مصادر عربية خلال كتاباتهم اللاتينية وعمل على ذلك المترجم قسطنطين الأفريقي الذي حاول التنكُّر للنصوص العربية على خلاف المترجمين السابقين [6] ولكن سُرعان ما أَخذتِ الترجمة طريقها في النصف الأول من القرن الثاني عشر نحو الغرب اللاتيني؛ إذ أعلنت كلية الفنون الباريسية عام 1255 عن لوائح القراءة الإلزامية للطلاب وقد ضمّت الفلسفة العربية، وهذا ما دعم شروحَ ابن رشد وتعليقاته ليكون مادّةً رئيسةً في الجامعات اللاتينية، وبعد أن توقفت الترجمة عام 1300 استُؤْنِفَت من جديد عام 1480 من قِبَل اليهود الإيطاليين من خلال ترجمتهم للنسخ العربية إلى العبرية، وترك ذلك -إضافةً إلى ما ذُكر سابقًا- أثرًا كبيرًا في عصر النهضة وجعل من الترجمات العربية جزءًا من النبض الفلسفي للجامعات اللاتينية، وفي القرن الثالث عشر عُدَّتِ الفلسفةُ العربية مؤثرةً في الغرب اللاتيني بما يخص علم ما وراء الطبيعة وعلم المنطق والنفس وفلسفة الطبيعة وفلسفة الأخلاق.

تقسيم العلوم:

أثَّر التقسيمُ العربيُّ للعلوم في الغرب اللاتيني تأثيراً رئيساً بواسطة مقالة "تقسيم الفلسفة" [5] لدومينيك غونديسالفي، وهو فيلسوف ومُترجم من العربية للاتينية في القرون الوسطى يقدّم في ترجمته الكثير من المواد الفلسفة العربية مثل "إحصاء العلوم" للفارابي، وكان لها مركز مؤثر في "المدخل الأدبي للمجهول" لطلاب الفنون في الغرب اللاتيني في القرن الثالث عشر، ويُشار لغونديسالفي باسم "الفرابيوس" ببعض الأحيان، وإنّ تقسيم الفرابي في "إحصاء الأقسام السبعة للنحو والصرف، والأقسام الثمانية للعلم الطبيعي، والأقسام السبعة للرياضيات، وتقسيم المنطق إلى ثمانية أجزاء" كان له أثر جليّ في جامعات الغرب اللاتيني ومنهجهم البحثي، واستخدمتْ أيضًا موادَّ رئيسةً لابن سينا في تقسيم العلوم ومثَّلت المعيار الأساس للتفريق بين العلوم وأنواعها، وامتدَّ هذا التقسيم المستمد من الفلسفة العربية إلى الموسيقا والتقسيم المنهجي الذي حلَّل نصوص أرسطو أيضًا.[2]

علم المنطق:

يعدّ تأثير الفلسفة العربية على علم المنطق أخف تأثيرًا مقارنةً بالمجالات الأخرى، وهذا يعود لقلَّة النصوص المُترجمة بمجال المنطق، ومع ذلك كانت ترجمة إيساغوجي (لفظ يوناني يعني المدخل أو المقدمة) من كتاب "الشفاء" لابن سينا، والجزء الأول من كتاب "مقاصد الفلاسفة" لأبي حامد الغزالي، الذي تناول به إعادة صياغة منطق ابن سينا؛ الأكثر تأثيرًا في علم المنطق، إضافةً إلى أجزاء من أعمال الفارابي التي ذُكرت سابقًا مثل إحصاء العلوم قد كان لها أثر كبير في علم المنطق، وكانت ترجمة هيرمانوس أليمانوس، وهو كاتب ومُترجم أوروبي، لشروح ابن رُشد "تلخيص خطابة" ذات أهمية كبيرة لأنها بقيت المصدر الوحيد للخطابة الأرسطيّة وتراثه المنطقي في العصور الوسطى.[2]

علم النفس:

أثر المؤلفات العربية في الغرب اللاتيني في علم النفس كبير ومُمتدّ حتى القرن السادس عشر، فيقدُّم أشد فيلسوفين تأثيرًا "ابن سينا وابن رُشد" وظيفة علم النفس وفقًا للإرث الأرسطي مع إثرائها بمذاهب الطب الأغريقي، ويظهر الأثر الواضح لتقديم ابن سينا "النفس النباتية، الحواس الباطنية والظاهرة، القوة المحركة، العقل العملي والعقل النظري" في الدراسات والبحوث اللاتينية في الفنون واللاهوت، وبقيت هذه القوّة لفلسفة ابن سينا معيارًا اساسيًا في الأطروحات الفلسفية اللاتينية لوقت طويل.[2]

يقول د.داغ نيكولاس هيسه، وهو فيلسوف ومحاضر ألماني في الفلسفة العربية والإسلامية وتاريخها في جامعة فورتسبورغ، وقد قدَّم ورقة بحثية بعنوان "تأثير الفلسفة العربية على الغرب اللاتيني" هنا. في موسوعة ستانفورد للفلسفة [7]: 

"[..] العلماء العرب لم يكونوا مجرَّد ناقلين لعلوم الأغريق، مثلما أن علماء الأغريق لم يكونوا مجرَّد ناقلين لعلوم بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة في الفلك والهندسة، كل العلماء بنوا على أعمال من سبقهم، إلا أن الفرق بينهم يكمن في الجودة والآصالة، وفي هذا الصدد نجد الكثير من العلماء العرب الكلاسيكيين مثيرين جدًا للإعجاب في جودتهم وآصالتهم وتأثيرهم [..]"

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا

6- هنا

7- هنا