علم النفس > الصحة النفسية

الاكتئاب: إضاءة زواياه المظلمة (الأفكار الضارة: وطن الاكتئاب الأم)

ذكرنا في الجزء الأول -من سلسلتنا هذه- مسببات الاكتئاب المصنفة في فئتين رئيستين، هما: العوامل البيولوجية والعوامل النفسية.

وبالنظر إلى أن ما من شيء كثير الذي نستطيع فعله حيال الجينات التي ورثناها، ولكنّ هناك عديد من الأشياء التي باستطاعتنا فعلها للتغلب على الاكتئاب أو حتى منعه. 

فسوف نتطرقُ في هذا المقال إلى شرح عديد من أساليب التفكير الضارة (غير المفيدة) التي قد تكون سببًا رئيسًا يولّد الاكتئاب.

- ما أساليب التفكير الضارة (Unhelpful thinking styles)؟

عندما يختبر شخص ما مشاعر ضارة (كالاكتئاب أو القلق)، فغالبًا ما تُسبق بعديد من الأفكار والتقييمات الذاتية الضارة أو غير المفيدة، وغالبًا يوجد نمط لمثل هذه الأفكار الذي يُسمى بـ"أساليب التفكير الضارة".

وقد لوحظ أن الناس يستخدمون أساليب التفكير الضارة أو غير المفيدة بعدِّها عادة تلقائية (Automatic habit) وتعد شيئًا يحدث خارج إدراكنا.

وعلى الرغم من ذلك فإنه عندما يستخدم الشخص هذه الأنماط من التفكير على نحو دائم ومستمر، فهو غالبًا ما يسبب لنفسه قدرًا كبيرًا من الضيق العاطفي.

نذكر من أساليب التفكير الضارة:

· التصفية الذهنية (Filter) Mental)):

يتضمن هذا الأسلوب من التفكير عملية "التصفية إلى الداخل" (Filtering in)، و"التصفية خارجًا" ( Filtering out).

وعادة ما يعني هذا النظر إلى الأجزاء السلبية للموقف والتركيز عليها، وتجاهل الأجزاء الإيجابية أو نسيانها.

(أخطأتُ في حل السؤال الأخير في الامتحان، فأنا غبي.)

· إضفاء طابع الشخصية (Personalization):

يتضمن لوم نفسك على كل شيء خاطئ أو قد يكون خاطئًا حتى عندما تكون مسؤولًا على نحو جزئي فقط أو لست مسؤولًا على الإطلاق.

· التهويل\ الكارثة (Catastrophising):

يحدث التهويل عندما "نضخّم الأشياء خارج تناسبها (blow things out of proportion)، ونرى في حينها أن الموقف مروع ورهيب، على الرغم من أن المشكلة بحد ذاتها في الواقع صغيرة جدًا.

· التفكير الأبيض والأسود (Black & white thinking):

يتضمن أسلوب التفكير هذا رؤية واحدة: أن تصنّف الأشياء إما خاطئة أو صحيحة، وإما جيدة أو سيئة، فما من منطقة وسطية.

(إن لم يكن كل شيء مثالي؛ هذا يعني أني فاشل كليًا)

· العبور إلى الاستنتاجات (Jumping to conclusions):

هو خلق التأويلات السلبية وتفسيراتها من دون دليل فعلي؛ إذ تتصرف كقارئ للعقول (لا بدّ أنه يعتقد بأنني مثير للشفقة)، أو كعرافة للحظ (سأبقى عالقًا في هذا العمل معدوم الأفق إلى الأبد).

· التصنيف (Labeling):

نصنف أنفسنا أو الآخرين عندما نصنع تعبيرًا معممًا\شاملًا (Global statements) مبنيًا على خطأ أو عيب في موقف معين حتى عند وجود عديد من الأمثلة التي تتعارض مع هذا التصنيف: (أنا فاشل، أنا أحمق، أنا خاسر... )

· مبالغة تعميم (Overgeneralization):

هو التعميم من تجربة سلبية واحدة كقول: (لقد كان لقاءً سيئًا، لن أجد الشخص المناسب أبدًا)

فعندما نقول: (دائمًا) (الجميع) أو (أبدًا)، فغالبًا ما نقع في مبالغة التعميم.

· تصنيف يجب ولا يجب (‘Shoulds’ and ‘should-nots):

وهو أن تقوم بأسر نفسك بقائمة صارمة بما (يجب ولا يجب) عليك فعله، وجلد ذاتك إن لم تعش وفقًا لقوانينك.

(لم يكن يجب عليّ إجراء مقابلة من أجل هذا العمل، أنا أحمق لاعتقادي أنه يمكنني الحصول عليها)

· الاستنتاج العاطفي (Emotional reasoning):

يتضمن أسلوب التفكير هذا رؤية الموقف أو نفسك بناء على الطريقة التي تشعر بها والاعتقاد بأن هذا الشعور يعكس الواقع.

(أشعر بأنني فاشل، فبالتأكيد أن الجميع يضحكون عليّ!)

 

والآن، تخيل نفسك تسير إلى حفلة ما وتشعر بالقلق، فقد تسأل نفسك (بماذا أفكر؟)، وقد تصل إلى تعريف فكرة مثل (لا أريد الحضور هنا)، فإن كنت تمتلك هذه الفكرة فقط، لكنتَ لن تواجه شعورًا قويًا غالبًا، ولكان قلقًا معتدلًا فقط.

أما في حال وجود استجابة شعورية قوية لهذه الفكرة، فهذا ربما يشير إلى أن هناك أفكار أخرى كامنة وراء هذه الفكرة، ولذلك فكرة (لا أريد الحضور هنا): هي فكرة مبدئية، وسوف تحتاج إلى اكتشاف الأفكار الأخرى الضارة التي سببت كتلك الاستجابة الشعورية القوية.

- كيف تكتشف أفكارك الضارة؟

عن طريق طرح عدد من الأسئلة على نفسك تستطيع كشف أي أفكار ضارة كامنة خلف الفكرة المبدئية: تُسمّى هذه الأسئلة "أسئلة اكتشاف الأفكار" (Though Discovery Question)، ومن أهمها:

· " ما السيئ في ذلك؟"

· "ما الذي أراه يحدث في هذا الموقف؟"

· "ماذا أستنتج عن نفسي أو عن الآخرين في هذا الموقف؟"

· ".... وهذا سيئ بسبب... "

· " .... ماذا يخبر هذا عني؟... "

لنعود إلى مثال الذهاب إلى الحفلة لتعريف الأفكار الضارة الكامنة خلف الفكرة المبدئية:

" لا أريد الحضور هنا"

" لا أريد الحضور هنا بسبب..."

".... الناس سوف ينظرون إلي ويعلمون بأني مكتئب"

".... وهذا سيئ بسبب...."

" سوف يعتقدون أنّ هناك شيئًا خاطئًا فيّ "

"... وما السيئ في ذلك؟.... "

".... سوف يعتقدون بأنني مجنون!"

".... وماذا يخبر هذا عني؟"

"... لا بدّ من أنني مجنون."

مهمتك الآن أن تصبح خبيرًا في اكتشاف الأفكار الضارة وتعريفها، ومن الأفضل أن تكون دقيقًا قدر الإمكان، وحتى إن بدت بعض أفكارك الضارة ساذجة أو مخجلة عندما تفكر بخصوصها.

والخطوة الآتية هي أن تفهم كيفية تحديد مشاعرك والأفكار المتعلقة بموقف معين وخاصة تلك التي واجهت فيها مشاعر سلبية وضارة.

فعندما يواجه شخص ما مشاعر ضارة، فإن ذلك قد يؤدي إلى رد فعل جسدي قوي في الجسم؛ كالضيق في الصدر عند القلق، وارتفاع ضغط الدم عند الغضب أو شعور بالثقل عند الاكتئاب. 

فالمشاعر كالاكتئاب والذنب والخوف والغضب والقلق قد تؤدي إلى سلوكيات ضارة تجاه نفسك والآخرين أيضًا، وتسهم في خلق صعوبات طويلة الأمد كارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والمشكلات الشخصية والمشكلات النفسية.

لذلك فإن تعلم اكتشاف أساليب التفكير الضارة وتحليلها وتقليصها سوف يؤدي إلى مزاج أفضل وشعور أفضل وبذلك حياة أفضل.

 

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا