علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

قراءة جديدة في أهمية الذكاء العاطفي

 الجدال القائم بين أحقّية العقل أم العاطفة في الحكم الذاتي النابع من الشخص نفسه ما زال موضع جدلٍ بين العلماء، فعندما كان من المفترض تفوّق العقل على العاطفة -الخاضعة بدورها للعقل- حتى القرن العشرين، باتت النظرة إلى أن العقل هو المصحّح لما تفسده العاطفة بتوجيها فى الحكم واتخاذ القرارات، وبالنتيجة ترسيخ الاعتقاد بأن الرجال يتّسمون بعقلانيةٍ وحكمةٍ أكثر من السيدات اللاتي  تطغى عليهنّ العاطفة. وأتى دانيال جولمان "Daniel Goleman" في كتابه "Why It Can Matter More Than IQ" ليصوغ فهماً مختلفاً لمفهوم الذكاء، وتحديد العلاقة بين العقل والعاطفة؛ فأشار إلى أن الذكاء العاطفي يعني القدرة على الإدراك الدقيق للمشاعر والعواطف التي يختبرها الفرد، واستخدامها لتعزيز عملية التفكير وإثرائها، وهكذا فإن العاطفة من وجهة نظره تُعدُّ حليفةً للفكر والعقل، لا خصماً لهما.

 إضافة إلى أن الذكاء العاطفي يتضمّن فهم الفرد لمشاعره الخاصّة والتعامل معها بطريقةٍ إيجابية، ما يسهم فى التواصل الجيد مع الأقران عن طريق فهم ما يواجهونه عاطفياً، الذي كان السبب فى سلوكٍ ما صدر عنهم، وهذا الفهم يُثري علاقاتنا ويعزّزها.

 ولا شكّ في أن زيادة الذكاء العاطفي والعقلي لدى الفرد، يزداد نجاحه في الحياة؛ ففي هذا الجانب أثبتت الدراسات مدى أهمية الذكاء العاطفي وفعاليته في حياة الشخص الاجتماعية، وتأثيره في أدائه الدراسي وإنجازه ضمن بيئة العمل، ولكن فيما يبدو أن الذكاء العاطفي مكوّنٌ رئيسيٌّ لجوانب أخرى محتملةٍ من حياتنا.

في ما يأتي نظرةٌ مختلفةٌ لعلاقة الذكاء العاطفي بجوانب أخرى من حياتنا:

 الأزمات والكوارث:

 أُنشئ مكتب الأمم المتّحدة للشؤون الإنسانية نتيجةً للكوارث الطبيعية التي تشهدها بلدانٌ كثيرة. وإن مجموعةً من الخطوات تُسهّل عملية الإستجابةِ للكارثة، ومساعدة المتضرّرين، وأُدرِجت هذه الخطوات تحت مسمّى دورة البرنامج الإنساني كسلسلةٍ متتابعةٍ من الخطوات المتّبعة تساعد فى إدارة وتوصيل الاستجابات الإنسانية للمتضررين من الأزمات والكوارث، والتنفيذ الناجح لهذه الخطوات يعتمد على عوامل تمكين. وعلى الرغم من عدم إدراج الذكاء العاطفي ضمن هذه العوامل لكنه يُعدُّ إمكانيةً مهمةً يجب تطويرها بالكامل واستخدامها في معظم المؤسسات الإنسانية، وخاصةً تلك العاملة فى مجال الاستجابة للكوارث الانسانية. 

 فالذكاء العاطفي يتكوّن من سماتٍ من الضروري وجودها في الأفراد العاملين فى هذا المجال:

1- الوعي الذاتي. 

2- الوعي الاجتماعي. 

3- إدارة الذات.

4- إدارة العلاقات مع الآخرين.

وسنخصُّ بالذكر الوعي الذاتي والوعي الاجتماعي أو التعاطف. ونتناول كلّاً منها على حدة:

الوعي الذاتي يعني أن تدرك مشاعرك الخاصة وكيفية تأثيرها في تفكيرك وتصرّفاتك، وأن تعي مواطن قوّتك وعيوبك، وأن تمتلك الثقة بالنفس. ويناقش البعض كيف بدأت المنظّمات الإنسانية إيلاء الأهمية لصفات الوعي الذاتي والقدرة على التكيّف، بوصفها أهمَّ الصفات الواجب على الموظّفين التحلي بها. وينظر إليها البعض الآخر بأنها أهمَّ السمات الشخصية التي يلزم تطويرها وتنميتها لدى القادة، وأشار آخرون إلى أن الفريق الناجح هو الذي يتمتّع أعضاؤه بثقةٍ عاليةٍ بالنفس، ويعكسون وعياً عاطفياً عالياً، وقدرةً كبيرةً في التحكّم بمشاعرهم.

أما الوعي الاجتماعي فيعني إدراك مشاعر الآخرين واحتياجاتهم ومخاوفهم وتفهّمها، ويساعد الوعي الاجتماعي في المجال الإنساني على تمكين روابط الثقة والاحترام مع المتضرّرين، ويقوّي العزيمة، ويعزّز من روحهم المعنوية، ويخفّف من وطأة الأزمة والتوتر الانفعالي لدى أولئك الذين يعملون جنباً إلى جنبٍ لمساعدة المتضرّرين. فكيف يمكنهم أن يؤدّوا دورهم بفاعليةٍ ما لم يتمكّنوا من وضع أنفسهم مكان الضحايا؟! ولهذا نجد أن الوعي الاجتماعي يبني علاقاتٍ مثمرةً بين العاملين، وبين بعضهم، وبينهم وبين المتضرّرين من الأزمة.

الصحّة الجسدية:

وثّقت الدراسات وجود ارتباطٍ قويٍّ بين الذكاء العاطفي والصحّة الجسدية، إذ أشارت إلى العلاقة بين سمات الذكاء العاطفي وسلوكيات الفرد المنوط بها تعزيز صحته، ولا سيما أن صحة الفرد سواءً كانت الجسدية أم العقلية تتأثر بسلوكياته التي قد تُسبِّب مرضَه، أو أبعد من ذلك تتسبّب في وفاته نتيجة الإجهاد المزمن، أو نمط الحياة غير الصحي، أو السلوكيات المدمّرة للصحة كالتدخين وإدمان الكحوليات.

وقد ذُكِر أن الذكاء العاطفي يرتبط إيجاباً وبقوةٍ بالصحّة الجسدية والنفسية والعقلية؛ إذ إن الأفراد ذوي الذكاء العاطفي أكثر التزاماً بممارساتٍ وسلوكياتٍ صحّيةٍ كممارسة التمارين الرياضية بانتظام، واتباع نظامٍ غذائيٍّ صحي، والنوم لفترةٍ كافيةٍ، وكلُّ هذا يدلُّ على أن الذكاء العاطفي يشجّع على الممارسات الصحية الإيجابية.

العلاقة الزوجية والرضا الجنسي :

ويبدو أن للذكاء العاطفي تأثيراً في كثيرٍ من جوانب حياتنا، وخاصّةً الحياة الزوجية. وقد توصّلت الأبحاث التي جرت على الذكاء العاطفي والرضا الجنسي إلى أن هناك علاقةً إيجابيةً ومهمّةً بينهما؛ لأن الرضا الجنسي عامّةً  يتطلّب مهارات اتّصالٍ جيدةٍ بين الزوجين، إضافة إلى الاهتمام بالمشكلات والقدرة على التعاطف مع تجارب الطرف الآخر، فضلاً عن تفهّمهم احتياجات بعضهم؛ ولهذا يحقُّ لنا القول أن الذكاء العاطفي شريكُ نجاحٍ فى الحياة الزوجية؛ إذ يُقدّر أن 80% من الصراعات التي تنشب بين الزوجين تعود في أصلها إلى نقص التوافق والرضا الجنسي بين الزوج والزوجة، الأمرُ الذي أدّى إلى ارتفاع معدّلات الطلاق. ولهذا يرضي الحفاظ على نشاطٍ جنسيٍّ مستمرٍّ كلا الطرفين، ويؤدي دوراً ضرورياً في الحفاظ على استقرار الأسرة وتوازنها.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا