الكيمياء والصيدلة > مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة

مضادات التعرق ومزيلات الرائحة؛ ما هي، وهل علينا القلق من استخدامها؟

لم يبذل الجنس البشري في معظم تاريخه جهودًا كثيرة للحد من الرائحة غير المستحبة للجسم، وجل ما فعله هو إخفاء تلك الروائح باستخدام العطور القوية الرائحة، لكن منذ ما يقارب المئة عام ومع انطلاق ثورة مزيلات رائحة العرق ومانعات التعرق تغير الأمر؛ إذ اختلفت هذه المستحضرات عن العطور في كونها لا تخفي رائحة العرق الكريهة فحسب؛ إنما تقلل إنتاجه أيضًا. وهي تحظى بشعبية كبيرة في أيامنا هذه، إذ تصل مبيعاتها السنوية إلى ما يقارب الثمانية عشر مليار دولار عالميًّا.

ما الفرق بين مزيلات رائحة العرق Deodorants ومانعات التعرق Antiperspirants؟

تضم مزيلات رائحة العرق في مكوناتها موادًا مطهرةً عادة، تقتل أو تثبط عمل البكتيريا التي تعيش في منطقة الإبط، إذ تشكل طبيعة تلك المنطقة الرطبة والدافئة بيئةً مثالية لنمو البكتيريا من نوع الوتدية الخناقيَّة وغيرها من العضويات الدقيقة التي تتغذى على العرق الُمفرَز من الغدد الإبطية، منتجة مخلَّفات كريهة الرائحة أهمها الحمض العضوي المدعو 3-ميثيل -2-هيكسانوئيك، وهو المسؤول الأساسي عن الرائحة غير المستحبة المميِّزة للعَرَق البشري.

وفي حين تعمل مزيلات الرائحة على قتل الكائنات المتورطة في إنتاج الرائحة الكريهة؛ تثبط مانعات التعرق إنتاج العرق عن طريق تشكيل "سدادة" مؤقتة داخل قناة العرق، فتوقف تدفق العرق إلى سطح الجلد مما يحرم العضويات المسؤولة عن الرائحة الكريهة من الغذاء فلا تظهر رائحة كريهة تذكر، ونلفت الانتباه إلى أن كلا المنتجين يضمان القليل من العطر مكملًا لعملَيهما.

فضلًا عن ذلك؛ فقد تضم مانعات التعرق بعض المكونات المقاومة للبكتيريا أيضًا، ما يعني أنها تملك  تأثيرًا مشتركًا لمزيلات رائحة العرق ومانعات التعرق معًا.

تاريخيًّا:

قُدِّمت براءات الاختراع الأولى لمزيلات رائحة العرق في ستينيات القرن التاسع عشر عقب اكتشاف عوامل مطهرة حديثة مثل كلوريد الأمونيوم وبيكربونات الصوديوم  وغيرها. وغزا أول مزيل رائحة تعرق والذي حمل العلامة التجارية Mum® سوق الولايات المتحدة الأمريكية عام 1888، وكانت مادته الفعالة أكسيد الزنك الذي لا يزال يستعمل استعمالًا واسعًا في مزيلات رائحة العرق.

وتختلف مكونات مزيلات الرائحة الحالية اختلافًا كبيرًا عن السابق، فقد تضم صادات حيوية أو زيت السترونيلا أو غيرها من المواد التي تهدف إلى السيطرة على النمو البكتيري.

إن الطيف الواسع للمواد الفعالة التي يمكن استخدامها في مزيلات الرائحة يقابله ضِيق كبير في طيف تلك المستعملة في مانعات التعرق. فقد اعتمدت مانعات التعرق منذ اكتشافها على أملاح الألمنيوم فقط لوقف إفراز العرق، وبدأ التقدم للحصول على براءات الاختراع لها للمرة الأولى في أواخر القرن التاسع عشر، وأُطلِقَ أول مضاد تعرق مسجل كعلامة تجارية باسم Everdry® في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1903، و كانت المادة الفعالة فيه هي كلوريد الألومنيوم، واستخدمت فورمات  الألمنيوم وكلوروهيدروكسيد الألمنيوم ورباعي كلورهيدرات الألمنيوم الزركونيوم كمكونات فعالة في مانعات التعرق لاحقًا.

مكونات هذه المستحضرات وأشكالها:

بصرف النظر عن المواد الفعالة؛ فقد تطورت طريقة تطبيق هذه المستحضرات تطورًا واضحًا منذ اكتشافها، وتطورت مكوناتها من مذيبات أو مواد مساعدة أخرى أيضًا.

وفيما يتعلق بمانعات التعرق كانت المواد الفعالة مسبقًا تعلَّق في الكحول أو في مُحِلَّات حمضية، وتطبق على الإبط موضعيًّا بمسحها بقطع قطنية، لكنها كانت بطيئة الجفاف، مهيِّجة للجلد، وتخلف ضررًا على الملابس. بينما كانت تحضر مزيلات رائحة العرق على شكل كريمات تطبق على الإبط يدويًّا، لكنها بدورها كانت تترك أثرًا دهنيًّا على الجلد وتنتقل منه إلى الملابس مسببة بقعًا غير مرغوبة.

وفي أربعينيات القرن العشرين؛ وبأخذ الفكرة من أقلام الحبر نوع ballpoint؛ صُنِعت مزيلات رائحة العرق على شكل لفَّات (رول)، وفي العقود التالية صنعت القوالب Sticks والهلاميات Gels والمرذَّات المعبأة بالضغط Aerosols، وقد حسنت الأشكال الجديدة لمزيلات الرائحة ومانعات التعرق من جمالية التطبيق وسهولته، على  أن الابتكار الأكبر للمكونات المساعدة فيها جاء في سبعينيات القرن العشرين، عندما أحدث طرح السيكلوميتيكونات السريعة الجفاف والمعروفة باسم ميثيل سيلوكسانات ثورة كبيرة في سوق هذه المنتجات.

وتحتل المُحلَّات من نوع سيكلوميتيكون مكانة مميزة في سوق مستحضرات التعرق لأنها لا تخرش البشرة، وتتطاير بسرعة مخلِّفة وراءها مواد المستحضر الفعالة دون آثار دبقة أو دهنية، لكن تجدر الإشارة إلى أن السيكلوميتيكونات تخضع للمراقبة التنظيمية في أوروبا بعد استعمالها على نحو واسع في مستحضرات التجميل المختلفة من كريمات اليدين وبلاسم الشعر والمكياجات والمستحضرات الأخرى الموجهة للعناية الشخصية، وذلك لعدها من المواد التي تتراكم حيويًّا في البيئة.

وقد ظهر التوجه إلى كبسلة المكونات الفعالة لهذه المستحضرات ضمن أغلفة بوليميرية مؤخرًا، تضبط هذه الأغلفة تحررها بحيث تستمر الفعالية لوقت أطول بعد التطبيق. ويجري العمل أيضًا على تطوير بعض الإضافات التي تعمل على تثبيط الإنزيمات البكتيرية المسؤولة عن تحويل العرق العديم الرائحة إلى آخر ذو رائحة كريهة غير مستحبة.

وابتُكِرت مواد قد تساعد على نحو واضح في تسويق مستحضرات التعرق، وهي تلك التي تكون جزيئاتها مشابهة بنيويًّا للمواد المسؤولة عن الرائحة الكريهة للعرق؛ بخلاف أنها ذات روائح ذكيَّة، فتَشْغَل المستقبلات الحسيَّة الأنفية لدى الأشخاص المجاورين عند تطبيقها عن تمييز رائحة العرق الأساسية، وبينت التجارب المجراة  عليها أنها تمكنت من خداع أنوف الرجال أكثر من النساء.

هل من الممكن أن تكون مانعات التعرق سببًا في أمراض مستقبلية؟ 

بدأت الشكوك تُثار مؤخرًا عن الألمنيوم الموجود في مانعات التعرق، فاتُّهمَت المستحضرات الحاوية عليه بكونها ترتبط بداء ألزهايمر، وتخوف كثير من الناس من استعمالها بحجة تسببها بسرطان الثدي، فما صحة هذه الادعاءات؟

أثيرت المخاوف المتعلقة بالعلاقة بين مانعات التعرق وداء ألزهايمر في سبعينيات القرن العشرين، ولكن أدت نتائج الدراسات المجراة عن هذا الموضوع إلى اعتراف جمعية داء ألزهايمر الأمريكية وهيئة الغذاء والدواء FDA التي تنظم شأن مانعات التعرق، بأن العلاقة بين الألمنيوم في مانعات التعرق والتنكس العصبي في داء ألزهايمر هي مجرد اعتقادات خاطئة.

أما فيما يتعلق بسرطان الثدي فإن المخاوف المرتبطة بتَسَبُّب هذه المستحضرات بأذية ناجمة عن قرب منطقة تطبيقها من مكان الإصابة، وبالفعل؛ تحرت بعض الدراسات ذلك وسنذكر منها ما يلي:

- اعتمدت إحدى هذه الدراساتُ على قياس مستويات الألمنيوم في الثدي عند 17 شخصًا من مرضى سرطانِ الثدي، ووجدتِ الدراسةُ ارتفاعًا واضحًا في تراكيز شوارد الألمنيوم في خلايا الثدي القريبة من البشرة، ولكن لم تشمل الدراسة مقارنة تركيز شوارد الألمنيوم في الثدي مع تراكيزه في أنسجة الجسم الأخرى، ولم تشمل المقارنة مع تراكيزه في نُسُج الثدي عند غير المصابين بسرطان الثدي حتى، ولا توجد مقارنة مع الحد المسموح به من شوارد الألمنيوم في الجسم.

- أشارت دراسةٌ أخرى إلى أن هذه المركبات قد تتداخل مع الـ DNA مؤدية إلى تبدلات سرطانية في الخلايا، أو قد تتداخل في عمل الأستروجين الذي يؤثر بدوره في نمو الخلايا السرطانية في الثدي. وبأخذ فكرة أن امرأة من أصل 8 نساء تصاب بسرطان الثدي في إحدى مراحل حياتها بعين النظر؛ فإن هذه المزاعم قد تكونُ جدية . لكن هذه الدراسات مازالت غير كاملة، فعلى الرغم من حقيقة وجود بعض المركبات الكيميائية الداخلة في تركيب مانعات التَّعَرُّق في نسيج الثدي؛ فإن هذه الدراسات لم تُثبت علاقتها بالإصابة بسرطان الثدي.

-حددت دراسة أخرى تركيز الألمنيوم المُمتَص من المستحضرات المضادة للتعرق المُطَبَّقة على البشرة، ووجدت أن الجلدَ يمتص 0.012% فقط من الألمنيوم الموجود في مانعات التَّعَرُّق، وجسمنا يمتصُّ كميات أكبر من الألمنيوم من  الطعام المتناول في الفترةِ الزمنية نفسها، الأمر الذي يوصلنا بالنتيجة إلى أنه لا يوجد أيُ دليل أو إثبات علمي يربُط المستحضراتِ المضادةِ للتعرق بسرطانِ الثدي، ولا يوجد دليل حتى على علاقةِ تركيزِ شواردِ الألمنيوم في الأنسجة بالإصابةِ بالسرطان .

وعليه يجدر القول إن الدراسات السابقة الذكر جميعها ذات نتائج غير واضحة وغير مؤكدة ونحتاج دراسات أقوى وأشمل للجزم بوجود العلاقة أو نفيها.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا