البيولوجيا والتطوّر > أخبار البيولوجيا

أشكال جديدة وغير مألوفة للـDNA، وأفق جديد لمحاربة السرطان.

الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين Deoxyribonucleic acid واختصارًا دنا DNA: هو جزيء ضخم يوجد داخل خلايا جميع الكائنات الحية والعديد من الفيروسات ويحتوي على المعلومات الوراثية التي تسمح بعمل هذه الكائنات وتكاثرها وتطورها، وتتكون معظم جزيئات الدنا من سلسلتين ملتفتين بعضهما حول بعض في شكل حلزون مزدوج.

تُسمَّى سلسلة الدنا الواحدة بعديد النوكليوتيد وهي مكونة من وحدات أبسط تُسمَّى نوكليوتيدات، ويتكون النوكليوتيد الواحد من سكر يُسمَّى الريبوز منقوص الأكسجين ومجموعة فوسفات وأساس آزوتي متضمّن في مجموعة من الأسس الآزوتية التي هي (أدينين A، ثايمين T، غوانين G، سيتوزين C).

ترتبط النوكليوتيدات في السلسلة عبر روابط تساهمية بين سكر أحد النوكليوتيدات وفوسفات النوكليوتيد الآتي مشكلة العمود الفقري للدنا، وترتبط أسس السلسلة الأولى مع الأسس المتممة لها في السلسلة المقابلة تبعًا لقواعد الارتباط الزوجي ( A مع T وG مع C ) بواسطة روابط هيدروجينية لتشكيل جزيء دنا بسلسلتين متوازيتين ومتعاكستين بالقطبية حسب نموذج العالمين واطسن وكريك الذي وُضِع عام 1953م.

إضافة إلى ما ذكر نُنبه إلى أن الحلزون المضاعف نفسه يأخذ عدة أشكال في بنيته الثلاثية الأبعاد تشمل B-DNA ،A-DNA و Z-DNA. 

ومع التقدم العلمي الذي يطال جميع مناحي الحياة وصل الأمر إلى اكتشاف شكل جديد من الدنا البشري ضمن خلايا الكائن الحي في أواخر عام 2018 بفضل فريق Christ's، بعد أن ظل وجودها منذ تسعينيات القرن الماضي معروفًا وحسب ضمن المخبر in-vitro، ووُصِّفَ هذا الشكل بالعقدة الملتوية twisted knot، وسُميت هذه البِنى بالعناصر المتداخلة  intercalated motif واختصارًا (i-motif)، وهي عقدة مكونة من 4 سلاسل من الدنا، فترتبط أسس السيتوزين C المتتالية في السلسلة نفسها مع بعضها وهو أمر غير طبيعي؛ فهي كما ذكرنا مسبقًا ترتبط  مع أسس الغوانين G في السلسلة المقابلة لها حصرًا.

(Zeraati et al., Nat Chem, 2018)

وظلَّ الاعتقاد بعدم وجود i-motifs ضمن الخلية الحية سائدًا بسبب محبتها للوسط الحمضي السهل الصنع في المخبر على عكس وسط الخلية المعتدل، ولكنها أكدت بوجودها أن الشَفرة الوراثية الخاصة بنا هي حقًا أكثر تعقيدًا من هيكل اللولب المزدوج الذي ترتبط به أذهاننا مع الحمض النووي، والأهم من ذلك أن الأشكال التي تتخذها هذه المتغيرات الجزيئية تؤثر في بيولوجية خلايانا..

أُضيفَ هذا الشكل الجديد إلى مجمل أشكال الدنا المكتشفة في الخلايا المتضمنة للدنا الثلاثي السلسلة triplex DNA والدنا المتصالب cruciform DNA؛ إضافة إلى النمط الرباعي السلسلة quadruplex DNA أو G4 المكتشف عام 2013. 

وقال مارسيل دينجر Marcel Dinger كبير مؤلفي الدراسة ورئيس مركز كينجهورن لأبحاث الجينوم السريرية في معهد غارفان للبحوث الطبية في سيدني: "قبل هذا الاكتشاف؛ كانت فكرة أن الحمض النووي يمكن أن يطوى بهذا الشكل فكرة أكاديمية بحتة، ولم يكن معروفًا على الإطلاق ما يعنيه لأفق البيولوجيا، ومشاهدة هذه الأشكال تظهر في الخلايا البشرية الحية هو شيء رائع للغاية".

اعتمد هؤلاء الباحثون في دراستهم على استخدام طريقة الفلورة المناعية immunofluorescence التي تُبنَى على تطوير أضداد وحيدة النسيلة* Mab موسومة بمواد مفلورة، وتعبر عن موقعها في الخلية بتوهج ناتج عن الفلورة بعد ارتباطها بهدفها، وعلى هذا المبدأ صمم العلماء أضداد وحيدة النسيلة للعناصر المتداخلة  iMab موسومة بصباغ مفلور أخضر، وحقنوها ضمن خلايا بشرية في المخبر؛ فاستطاعت التعرف والارتباط ببنَى i-motifs ورصد موقعها في الخلية، وباستخدام مجاهر مفلورة قوية لوحظت الأضداد الصغيرة المتوهجة ذات الألوان الخضراء التي تُمسِك بـi-motifs بوضوح شديد.

ولتأكيد وجود هذه البِنى دون غيرها من الأشكال الأخرى من الحمض النووي فاعلَ المسؤولون عن البحث الأضداد iMab مع الحلزون الثنائي السلسلة الكلاسيكي وبنية G4 المشابهة لـ i-motifs إلى حد ما؛ فأثبتت الأضداد وفاءها ولم تتفاعل مع أيٍّ من هذه الأشكال.

وما شدَّ انتباه العلماء كذلك أن الضوء الأخضر كان يتوهج وينطفئ، وهذا يدلُّ على شيء واحد فقط ألا وهو أن i-motifs بِنى عابرة تتشكل وتتفكك وتعود لتتشكل من جديد، وفي الوقت ذاته وُجِد أنها تتشكل متأخرة في الدارة الخلوية وخصوصًا في الطور G1 المتأخر الذي تُقرأ فيه الدنا الفعَّالة، وبالتحديد على منطقة المعزز promoter* المرتبط بالتحكم بتفعيل التعبير الجيني عن الجينات أو تثبيطه ومنطقة التيلوميرات* (القسيم الطرفي) telomers المرتبطة بالشيخوخة.

لوحظ أن i-motifs تزداد سرعًة بالتطوي folding خلال مرحلة محددة من الانتساخ *transcription أيضًا، وبالتحديد عندما كان الحمض النووي قد بدأ للتو في الانتساخ بنشاط، وفي وقت لاحق يعود الدنا إلى شكله الطبيعي بعملية unfolding وتختفي i-motifs.

وبناء عليه أعرب مهدي زيراتي Mahdi Zeraati الكاتب الأول لهذه الدراسة عن اعتقاده بأن هذه الهيئات البديلة للحمض النووي مهمة للبروتينات في الخلية لتعرُّف تسلسل الحمض النووي المشابه لها وممارسة وظائفها التنظيمية، وأن لتكوين هذه الهياكل أهمية قصوى بالنسبة للخلية لتعمل طبيعيًّا، وأي انحراف فيها قد يكون له عواقب مرضية بقوله إن ظهور i-motifs واحتفائها دليل على ما يفعلونه.

وأضاف دينجر: "هناك كثير من الجينوم الذي لا نفهمه قد يصل إلى 99% منه، ورؤية الحمض النووي مطويًا بهذا الشكل في الخلايا الحية يجعل من الممكن فك تشفير تلك الأجزاء من الجينوم وفهم ما تفعله. وفي الواقع؛ هذه الطيات الغريبة ربما تكون موجودة في كل واحدة من خلايانا، ولأن الجينوم يحتوي على عدد أقل من هذه الطيات مقارنةً بالحمض النووي المنتظم؛ فقد تكون العقاقير التي تستهدف الحمض النووي قادرة على الارتباط بها بنوعية أكثر مقارنةً بالمناطق الطبيعية."

هذه الأنواع من الأدوية يمكن أن تكون مفيدة لعلاج السرطان على سبيل المثال، وقال لورنس هيرلي Laurence Hurley الأستاذ بجامعة أريزونا والمسؤول العلمي الرئيسي في شركة Reglagene، وهي شركة تصمم جزيئات علاجية تستهدف الحمض النووي المنفصل مثل i-motifs: "إن إحدى المشكلات المتعلقة ببعض علاجات السرطان هي أنها ليست انتقائية بما يكفي في استهداف المناطق المعيبة  في الدنا بدلًا من ذلك، وقد ترتبط عقاقير السرطان بأجزاء أخرى من الحمض النووي أيضًا؛ مما يؤدي إلى آثار جانبية ضارة، وقد كنت أنتظر ورقة بحثية كهذه لتخرج منذ فترة طويلة؛ لأنها ستوفر أساسًا قويًا لفرص علاجية رائعة تتمحور حول هذه الأشكال الجديدة، وتزيل الشك عن حقيقيَّة هذه الأشكال وأهميتها البيولوجية".

* حاشية:

الأضداد الوحيدة النسيلة monoclonal antibodies: نوع خاص من الجزئيات البروتينية ينتج في المختبر؛ ليرتبط مع مستضد (بروتين) معين انتقائيًّا، ويمكن أن يصنع بكميات كبيرة ويبشر بالنجاح في مجال البحوث الطبية.

الانتساخ transcription: العملية التي يبتدأ بها ترجمة الدنا إلى بروتينات عن طريق نقل المعلومات الوراثية من الدنا إلى الرنا RNA عن طريق أنزيم رنا بولميراز RNA polymerase.

المعزز Promoter: هو تسلسل من النيوكليوتيدات موجود في الدنا، له دور رئيسي في ارتباط إنزيم رنا بوليميريز لبدء عملية الانتساخ.

التيلوميرات* (القسيم الطرفي) telomers: هو منطقة من الدنا ذات تسلسل كثير التكرار يتوضع عند نهاية الصبغيات مهمته الأساسية منع فقدان المعلومات الوراثية المهمة عند كل انقسام خلوي.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا