علم النفس > القاعدة المعرفية

التنبؤ العاطفي

استطاعت البشرية منذ القدم التنبّؤ بالعديد من الأمور التي ستحدث على سطح الكرة الأرضية، وأحياناً خارج مدارها. قد يعود السبب إلى الاستناد إلى المعطيات العلمية المتوفّرة. ولكن من ناحيةٍ أخرى لم يبرع الإنسان في التنبؤ العاطفي لأحداثٍ تتعلّق بحالتهم العاطفية، ولم ينجحوا في تحديد ردود الأفعال والعواطف بدقّة. 

للتنبؤ العاطفي أنواعٌ قُسّمت حسب درجة الدقّة التي تصف الحالة، ومن هذه الأنواع:

-التنبؤ المتكافئ: أي توقع الأحداث السلبية والإيجابية معاً بالدرجة ذاتها تقريباً دون انحياز.

-التنبّؤ بمشاعر محددة: أي تسمية المشاعر التي يمكن أن تحدث نتيجة موقفٍ ما بدقّة، مع النظر إلى إمكانية تعدّد المشاعر في آنٍ واحد.

-التنبّؤ بشدة المشاعر وكثافتها: أي تحديد درجة هذه المشاعر.

-القياس والمصداقية: أي التنبؤ بزمن أو مدّة استمرار هذه المشاعر وشدّتها.

وفقاً للدراسات وُجد أن النساء أقلُّ قدرةً على الإفادة بتنبؤاتٍ عاطفيةٍ صحيحةٍ من نظرائهم الرجال. وفي الوقت نفسه وُجِد أن للعمر علاقةً بهذا الأمر أيضاً، فكلما تقدّم الشخص في العمر؛ تحسّنت قدرته على التنبّؤ.

على الرغم من ذلك؛ يتأثّر التنبؤ العاطفي بالتحيّز؛ ما يعني أن التنبؤات العاطفية لا تكون دقيقةً بما يكفي. ويدلُّ مصطلح تأثير التحيز على سوءٍ وعجزٍ في تحديد مدّة أو شدّة ردود الفعل لتجربةٍ عاطفيةٍ مستقبلية. ويعود سبب هذا التحيّز إلى عدّة أسبابٍ منها التركيز الوهمي؛ أي المبالغة في التركيز على حدثٍ أو فعلٍ ما، والتقليل من أهمية تأثير الأمور الأخرى في مشاعرنا وأفكارنا. ويمكن تصحيح ذلك عن طريق أخذ جميع الأحداث بعين النظر؛ مما ينقص حدّة توقّعات الشخص عن تأثير الحدث الأكبر على سعادته. سببٌ آخر للتحيز يكمن في صعوبة فهم الأحداث الجديدة وغير المتوقعة، ما يعني تهويل الأحداث الممكن حدوثها ونسيان أن البشر قادرين على التكيّف مع المعطيات الجديدة. يمرُّ هذا النوع بأربع مراحل، وهي: الانتباه والتفاعل والشرح والتكيّف. ومثالاً على ذلك: عند حصول طالبٍ على درجةٍ جيدةٍ وغير متوقّعةٍ في امتحانٍ ما؛ فإن أوّل ما يطرأ على اللاوعي البشري هو الانتباه إلى السعادة الكبيرة الناتجة عن هذا الحدث غير المتوقع، بعد ذلك تبدأ عملية شرح أسباب نيل هذه العلامة العالية، ثم يبدأ التكيف مع هذا الحدث الجديد وعدُّه أمراً واقعياً وطبيعياً. وهنا يكون الحدث قد فقد زخمه العاطفي الذي كان يتمتّع به في البداية. يتجاهل معظم الناس هذه الأمور عند التنبؤ بالمشاعر المستقبلية لعدم معرفتهم بقدراتهم على التأقلم مع الأحداث الجديدة؛ وذلك لأن عملية تفسير الأحداث الجديدة سريعةٌ وغير واعية.

من ناحيةٍ أخرى ثمة أهمّيةٌ للانحياز؛ إذ إنه يعطي الشخص متعة الشكِّ بالأحداث الإيجابية، لأنه في بعض الأحيان يقلّل التنبؤ الصحيح بالمشاعر الإيجابية المتعةَ التي تسبّبها، لأنه على علمٍ مُسبقٍ بها، وعلاوةً على ذلك فإنها تمنح متعة التناقض، لأن لدى الإنسان القدرة على ربط المنبهات التي يتلقّاها بعواقبها العاطفية، ما يقوده إلى الابتعاد عن الأمور المثيرة للمشاعر السلبية، فتغدو قراراته أكثر عقلانية، ما يؤدّي إلى فقدان متعة الأحداث وتعجيل الانتعاش العاطفي.

كما أسلفنا، فإن الإنسان قادرٌ غالباً على تجاوز الأمور السلبية، ويعود ذلك إلى إستراتيجية التعافي التي تشمل عدداً من أساليب الدفاع النفسي كالحدِّ من التنافر والتفكير المنطقي وصفة الخدمة الذاتية وإثبات الشخصية والأوهام الإيجابية. فالشخص الذي يمرُّ بأزمةٍ عاطفيةٍ ناتجةٍ عن هجر الشريك، يبدأ تلقائياً التفكير بأن الشريك السابق لم يكن ملائماً، وهو ما يحدث ضمن اللاوعي البشري عن طريق الاستبدال بالشعور السلبي السابق شعوراً أفضل مما يحسّن الحالة النفسية. ويؤدي النظام العاطفي الذاتي المنتظم دوراً في استعادة الاستقرار العاطفي بعد تجربةٍ عاطفيةٍ سلبية أو إيجابية، إذ إن هذا النظام بمثابة جهازٍ مناعيٍّ نفسيٍّ PIS يتوسّط ردود الأفعال العاطفية النفسية المتوقّعة والفعلية، ويساعد على تنظيم المشاعر.

بيّنت دراسةٌ أُجريَت على عددٍ من المشاركين الذين تلقّوا ردود أفعالٍ سلبيةً مرّةً من جهازٍ حاسبٍ ومرّةً من طبيب فشلَ المشاركين في كلا الحالتين في توقّع الأحداث، ولكن في الحالة الأولى كان مبرّرهم أن أجهزة الحاسب تخطئ، لذلك كانت ردة فعلهم أقلَّ حدّة. أما في الحالة الثانية فقد كانت ردّة الفعل أقوى لعدم قدرتهم على التبرير وفهم الأحداث السلبية. نتيجةً لهذه الدراسة لوحِظَ عدم وجود وعيٍ كافٍ أو إدراكٍ لعملية تشغيل هذه الدفاعات النفسية، لذلك أُهمِلت معظم التنبّؤات العاطفية لهذه العملية بما يُسمّى: الإهمال المناعي.

بعد دراسة كلِّ ما يؤثّر في التنبّؤ العاطفي ويقلّل من إصابته، يمكننا أن نعرض بعض الأفكار لتطوير تنبؤاتنا العاطفية. أهمُّ نقطةٍ في عملية التطوير تكمن في إدراك أن المشاعر البشرية معقّدةُ ومترابطةُ ومتغيرة، إضافة إلى وجود ميلٍ بشري للتنبّؤ الخاطئ بردود الفعل، وإدراك ذلك من شأنه أن يقلّل من شدّة الصدمة عند الخطأ. ثانياً: معرفة طريقة عمل الجهاز المناعي النفسي والوعي بفائدته، فيصبح كلٌّ من تقدير الأحداث وردود الفعل أكثر دقّة. وأخيراً ينبغي التركيز على قدرتنا على التكيّف مع الأحداث العاطفية الجديدة، ما يجعل التنبؤات أكثر ميلاً لأن تكون أكثر واقعيةً وفاعلية.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا