المكتب الإعلامي > مقابلات

لين صائب ..قصة نجاح سورية في عالم الهندسة البريطانيّة

نالت المهندسة السورية لين صائب جائزة المرأة في مجال الهندسة والإنشاءات WICE عن فئة تطوير الأعمال، ويؤدي قطاع البناء والتشييد في بريطانيا (حسب قسم الهندسة المدنية في جامعة لوفبره Loughborough) دورًا مهمًا في النمو الاقتصادي، لكنه يقع تحت هيمنة ذكورية لا تعكس دور المرأة المتنامي وإسهاماتها في الابتكار والإبداع في هذا المجال كونها عميلةً وصانعة للقرار.

تشغل النساء نسبةً لا تزيد على 11% فقط من القوى العاملة في قطاع الهندسة والإنشاءات في بريطانيا، وينحصر معظم هذه النسبة في حيّز العمل المكتبي، دونًا عن العمل المهني الميداني الذي لا تتجاوز نسبة النساء العاملات فيه 2% من أصل النسبة الأساسية. أما فيما يتعلق بنسبة النساء المتخصصات بالعمل الهندسي، فهي تقدر بـ 9% في بريطانيا، و18% في إسبانيا، و26% في السويد، و20% في إيطاليا.

تهدف الجائزة إلى تشجيع النساء على خوض غمار العمل الهندسي العملي عن طريق تقديم أمثلةٍ لنساء يحتذى بهن، إضافةً إلى تشجيع الشركات ذات الصلة على توظيف النساء وتدريبهنَّ في مجال الهندسة.

أهلًا بك لين، عرفينا عن نفسك وتخصصك الأكاديمي وعملك

انا لين صائب؛ خريجة جامعة دمشق، كلية الهندسة المدنية لسنة ٢٠١١، درست الماجستير في تقانة المعلومات من جامعة دمشق في سنة ٢٠١٢ ثم درست الماجستير في إدارة الموارد المائية من جامعة ايكستر Exeter في بريطانيا، وأعمل حاليًا في شركة Asite ومقيمة في لندن.

هل وجدت بعد دراستك في سورية وانتقالِك للدراسة في بريطانيا فجوةً بين المستوى العلمي في سورية وبريطانيا؟

نعم؛ يعتمد التعليم في بريطانيا على البحث العلمي أكثر من اعتماده على منهاجٍ نظري ثابت، وهو أسلوبٌ يغذي عقل الباحث وقاعدة معلوماته ويتيح له فرصًا أكبر للابتكار، في حين يعتمد التعليم في سورية على منهاج غني بالمعلومات العلمية، إذ لا يمكننا إنكار ذلك، لكنه ثابتً ونظري لا يجاري بالضرورة متطلبات العلم الحالية التي هي في تغير وتجدد دائمَين.

هل يستطيع المهندسون السوريون مواكبة التطورات العلمية في الخارج والنجاح مهنيًا برأيك؟ وما الذي قمتِ به لمواكبة التطور العلمي في بريطانيا؟

بكل تأكيد، فقد أثبت المهندسون السوريون في الخارج قدرتهم على مواكبة التطورات العلمية والنجاح علميًا ومهنيًا. وأعتقد أن الظروف الصعبة التي مر بها كل السوريين خلقت لديهم نوعًا من التحدي والإصرار على إثبات الذات في الخارج حيث الفرص للاجتهاد والنجاح متاحة. بالنسبة لي، فقد قضيت سنتي الأولى في بريطانيا اقرأ الكتب والأبحاث العلمية في المجال الهندسي وخاصةً في مجال المياه الذي يقع ضمنه مجال دراستي للماجستير، لأصبح على اطِّلاع على ما توصَّل إليه العلم في هذا الاختصاص، ومن هناك استطعت تحديد ما يمكنني أن أقدمه كمهندسةٍ مياه وأضيف قيمة إلى هذا المجال.

هل تخططين للعمل من أجل القطاع الهندسي في سورية أو دعم المهندسين السوريين الخريجين؟ وبمَ تنصحين الخريجين الجدد للاستفادة من الفرص المتاحة؟

واحدةٌ من خططي للمستقبل أن أعمل على مشروع بنيةٍ تحتيةٍ في سورية يخدم بلدي وأهلها. لدي شغفٌ حقيقي لتقديم ما اكتسبته من معرفة وعلم لسورية ووضعه في المكان الصحيح، لكنني بانتظار الوقت المناسب.

أنصح الخريجين الجدد ألَّا يكتفوا بما درسوه في الجامعة، بل عليهم الالتحاق بدورات علمية، والتدرُّب في المكاتب الهندسية، خصوصًا الآن وقد أصبح كل شيء متاحًا على الإنترنت، وأنصحهم باستغلال هذه المعلومات كي ينهلوا من العلم قدر المستطاع. إن الخريجين الجدد هم الأكثر قدرة على العمل وبذل الجهد والوقت لتطوير الذات، "ما تضيعوا وقت!"

سررنا بحصولك على جائزة WICE، هلّا حدَّثتينا عن أهمية هذه الجائزة بالنسبة للمهندسين عمومًا وبالنسبة لك خصوصًا؟

هذه الجائزة هي في مجال الهندسة والإنشاءات على مستوى أوروبا وهي على درجةٍ من التميز بالنسبة للمهندسات النساء، وقد كان الحصول عليها مهمًأ جدًا بالنسبة لي لأني أثبتت لنفسي أولًا أن بإمكاني الوصول إلى ما خططت له لأني اجتهدت، وهي إضافةٌ كبيرةٌ لمسيرتي المهنية ودليل أن المهندسة السورية قادرةٌ على إثبات ذاتها أينما كانت والتفوق على مثيلاتها إن حصلت على الدعم والفرصة المناسبة.

بعد تخرجِك من سورية، هل توقعتِ أن تساعدك دراستك فيها على الانتقال إلى بريطانيا والعمل في الشركة التي تعملين فيها حاليًا؟ وما الذي ساعدك على ذلك؟

بالتأكيد، إن لم أدرس في سورية وأحصل على شهادة من جامعة دمشق لما كان بإمكاني فعل الكثير في الخارج، فقد قدمت لي سورية الأساس القوي الذي أبني عليه الآن، وساعدتني على ذلك مسيرتي المهنية في دمشق، فقد عملت قائدة فريق هندسي في منظمة أوكسفام، مما أتاح لي الحصول على منحةٍ دراسية من منظمة رضا سعيد والوصول إلى بريطانيا. إن ما أنا فيه الآن هو نتاج تعبٍ وجهدٍ مستمرين من لحظة التخرج إلى اليوم وعلى الصعيدين العلمي والمهني.

ما القيمة المضافة التي منحتكِ إياها الدراسة في بريطانيا، وهل تنصحين المهندسين السوريين باختيار هذا البلد لمتابعة الدراسة؟

أنصح المهندسين السوريين باختيار بريطانيا وجهةً لاستكمال الدراسة، لقد فتحت لي بريطانيا آفاق العلم واسعةً، وعلمتني كيف أتقن البحث العلمي وأطوَِر مهاراتي التقنية عن طريق منهجٍ علمي يعتمد على الفهم وليس الحفظ، وبسبب ذلك استطعت نشر رسالة الماجستير التي تتحدث عن منظومات مياه ذكية في إفريقيا في منشورات البحث العلمي، لتُعتمد مرجعًا للطلاب المهتمين بتخصص المياه، إذ عملت م. لين على إعداد دراسةٍ أوليةٍ لنُظُم المياه الذكية في ريف غامبيا.

ومن الناحية الشخصية، تحترم بريطانيا مَن يجتهد ليضيف لها، فتضيف له أضعاف ذلك، وإني أفضِّل العيش في بيئةٍ صحيةٍ ومتوازنة كهذه.

وعن بحث م. لين في مرحلة الماجستير، طرحنا عليها الأسئلة الآتية:

كيف ولدت فكرة البحث، وكيف اختيرت منطقة الدراسة؟

ولدت فكرة البحث نظرًا لحاجة مناطق إفريقيا، وخاصةً الريفية منها، إلى آلية تنظّم عملية توزيع المياه، وقد اختيرَ البحث بناءً على المعلومات المتوفرة والتي يمكن الاعتماد عليها في التحليل، وكان ذلك بناءً على بعض النماذج المطبقة في غامبيا من تلك المنظومة المدروسة.

ماذا تقدّم المنظومة التي تناولها البحث؟

تعتمد المنظومة على بطاقات تُوزَّع على السكان فيها رصيد/كريدت محدد توزعه الجهة المسؤولة إلى كل أسرة حسب عدد أفرادها ووضعها المعيشي، وتكون صنابير المياه موصولةً بالآبار المحفورة في كل حي، إذ إن قرى غامبيا تعتمد على آبارٍ عامةٍ وليس على شبكات مياه تصل إلى المنازل. وعندما توضع هذه البطاقة على صنبور المياه، يُفتح بكمية مياهٍ تناسب الرصيد/الكريدت الموجود على البطاقة.

تتصل الصنابير بعضها ببعض عن طريق نظامٍ سحابي Cloud system يجمع البيانات عن كميات المياه المأخوذة، وأوقات الحصول عليها، ونوعية المياه إن كانت ملوثةً أو نظيفة، والأعطال التي قد تحدث في المنظومة في أثناء عملية الاستجرار. وتتعلق الدراسة بتنظيم سحب المياه من الآبار وصولًا إلى المستهلك على هيئة منظومةٍ متكاملةٍ تُعنى بكمية المياه المسحوبة ونوعيتها.

إلى أي مدى يمكن تعميم نتائج الدراسة في مناطق الشرق الأوسط (سورية مثلًا) حيث بدأ ترشيد الموارد الأساسية عن طريق البطاقة الذكية؟

نظرًا لأنه مشروع هندسي، فإن هذه الدراسة يمكن أن تعمَّم في سورية وغيرها من الدول مع أخذ حاجات كل مجتمع، ومصادر المياه المتاحة، وعدد السكان بالحسبان، علمًا أن موضوع الدراسة يختلف عن موضوع البطاقة الذكية المطروحة الآن في سورية، لكن يمكن طرحه أداةً لإدارة الموارد المائية في بلد كسورية يتمتع بمناخٍ شبه جاف بهدف تأمين المياه لكل أفراد المجتمع بالتساوي.

نهايةً، ما هي تطلعاتك لمستقبلك وما خطوتك التالية؟

أن أعمل في منظمةٍ إنسانيةٍ مهتمة بالمشاريع الهندسية في مجال المياه، كي أُتِمَّ واجبي في خدمة المجتمع.

كلمة أخيرة ترغبين بتوجيهها للمهندسين المتطوعين في منظمة "الباحثون السوريون" ومتابعيها..

أشكركم على جهودكم، مؤثرٌ جدًا ما تفعلون، فلا أثر أكبر من أثر العلم في تغيير المجتمعات، وأنتم بهذه المبادرة العلمية قد تركتم أثرًا لدى الطلاب والباحثين اليوم وعلى المدى البعيد.