علم النفس > القاعدة المعرفية

الاستقطاب الجماعي، كيف يفسر علم النفس تطرُّف بعض المجموعات البشرية؟

هناك سبب وراء تشكيلنا اللجان والمجموعات والمجالس عند اتخاذنا القرارات الجماعية، وهذا لاِعتقادنا أنَّ رأي الجماعة أفضل من أي رأي فردي. هنا يُطلُّ علم النفس الاجتماعي علينا ويُعلِمنا بظاهرة سلوكية جماعية قد تبدو غريبة وحتماً تعارض حدسنا الأوَّلي. تُدعى هذه الظاهرة بالاستقطاب الجماعي، وإن بدأنا بتفسيرها فهي تعني المُطلَق أو الأقصى من حالة معينة.

ونظراً إلى كونها سلوك جماعي نستنتج أنَّ مصطلح الاستقطاب الجماعي يشير إلى  وصول الجماعة لحالة من التطرُّف، أو وفقاً لمُصطلح علم النفس الاجتماعي فهي حالة من القطبية.

حسناً، ما معنى كل هذا؟ وما أهميته؟

يُعرَّف الاستقطاب الجماعي بصفته ظاهرة سلوكية جماعية. عند النقاش بين مجموعة متفقة الرأي غالباً ما يؤول القرار النهائي لتطرُّف يفوق آراء أفراد المجموعة بصفتهم أفراداً منفصلين، وهذا التطرف يكون باتجاه آراء المجموعة ذاتها؛ أي أنَّ المحافظين يصبحون أكثر محافظة، والمتحررين أكثر تحرُّراً عند نقاشهم في مجموعة متجانسة. كيف يُمكننا فهم هذه الظاهرة بوضوح أكثر؟ لنأخذ مثالاً؛ هيئة المحلفين في المحكمة، أظهرت الدراسات أنَّ هيئة المحلفين بصفتها مجموعة غالباً ما تتخذ قرارات بتعويضات تأديبية أعلى أو أخفض من القرارات الشخصية لأفرادها منفصلين. في حال كانت المجموعة من البداية تميل إلى التعويضات التأديبية العالية، تتخذ الهيئة كمجموعة قراراً بعقوبة تأديبية أكثر ارتفاعاً، وكذلك الأمر لدى الهيئة التي تميل إلى العقوبات المنخفضة، تقرِّر الهيئة كمجموعة تعويضات شديدة الانخفاض بما يقل عن آراء أفراد الهيئة كأشخاص منفردين إذا ما سُئلَ كل منهم على حدى. أي أنَّ آراء المجموعة المتجانسة تميل إلى الاستقطاب أو التطرُّف عند النقاش ما بين أفراد المجموعة، وهذا الاستقطاب يفوق في تطرِّفه أي رأي فردي في المجموعة.

نشأت عدة نظريات لمحاولة تفسير ظاهرة الاستقطاب الجماعي، منها "نظرية المقارنة الاجتماعية"، التي ترتكز على محاولة الأفراد الجدد لمجموعة ما نيل إعجاب هذه المجموعة عن طريق تبني رأي مشابه لرأي المجموعة أو يفوق رأي المجموعة تطرُّفاً، مما يدفع برأي كامل المجموعة إلى التطرف. في حين تقول إحدى النظريات الأخرى "نظرية التأثير المعلوماتي" التي تنص على توكيد الأفراد لِمواقفهم وثباتهم فيها عند سماعهم إلى جدالات وحجج أخرى وجديدة لم يسبق لهم التفكير بها، هذه الحجج تأتي بالطبع من أفراد المجموعة وتُساهم في دفع الرأي العام باتجاه القطب الذي تميل إليه المجموعة2.

من الجدير بالذكر هنا أنَّ ظاهرة الاستقطاب الجماعي تحدث فقط في المجموعات المتجانسة أي ذات الرأي المتماثل، وعندما تكون المجموعة غير متجانسة فإنَّ ما يحدث هو عكس ظاهرة الاستقطاب الجماعي، أي أنَّ المجموعة تتقرَّب من الوسط وتبتعد عن الاستقطاب عن طريق تبادل الحجج والنقاشات المُقنِعة. 

تكمُن أهمية الوعي بهذه الظاهرة في كونها ظاهرة شائعة قد تظهر في أيِّ مجموعة، ويُمكن للوعي بها أن يَحدَّ من تأثيرها. والوعي بها له أهمية كُبرى نتيجة كونها ظاهرة معارضة للحدس نوعاً ما، فما يُمليه الحدس  وما نعرفه جميعاً هو أنَّ قرار المجموعة متزن أكثر من قرار الفرد، وهذا صحيح تماماً طالما أنَّ المجموعة متنوعة وذات آراء متباينة.

المصادر:

1- هنا

2- p. 647 in pdf file and 629 in book هنا;

3- هنا