الهندسة والآليات > التكنولوجيا الطبية

المنارات الكمومية

لا يزال التصوير ضمن طبقاتِ الأنسجة العميقة تحديًا طبيًّا قائمًا، ذلك أن الضوء يميل إلى التبدد ضمن التراكيب المُعقدة كما في الأنسجة؛ فالضوء المُستخدَم في التصوير يرتد داخل الجسم ليخرج عشوائيًّا، وهذا الأمر يؤثر في كلٍّ من جودة الصورة  والمدى الذي يمكن أن تصل إليه الأشعة، في حين أنَّ هنالك حزمًا ضوئية ذات موجات عالية قادرة على حل مشكلةِ المدى؛ ولكن دون تحسينِ جودة الصورة.

إنَّ باحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أفادوا من خاصية تبدُّد الضوء لصالحهم؛ وقد أتاح لهم هذا الأمر زيادةَ جودة الصورة بنسبة تصل إلى عشرة أضعاف بحسب ما نُشِر في مجلة the journal Science الشهيرة. 

وفي تصريح له، قال دونجيو كيم Donggyu Kim؛ طالب دراساتٍ عليا في الهندسة الميكانيكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأحد المشاركين في البحث بأنَّ وجود تقنية كهذه ستحسِّن من جودة التصوير الطبي الحيوي؛ إذ ستمكننا من استهداف الخلايا السرطانية ضمن النسيج بدقة أكبر، ويمكن استخدامها مع تقنية "Optogenetics" بهدف إثارة خلايا دماغية معينة وتنشيطها؛ إضافةً إلى إمكانية استخدامها في الحسابات الكمومية. 

-إذًا كيف تطورت هذه التقنية؟

عام 2007 اقترح باحثون إعطاء الموجة الضوئية شكلًا معينًا قبيل إرسالها ضمن النسيج؛ الأمر الذي من شأنه عكس تأثير تبدد الضوء وتركيزه في نقطة معينة؛ لكن إمكانية الإستفادة من هذه الميزة بائت بالفشل لصعوبة الحصول على معلومات كافية عن كيفية تبدد الضوء ضمن التراكيب المعقدة هذه.

ومن أجل الحصول على معلومات أدق، وطور الباحثون عدة تقنيات لخلق ما يُعرَف بـ "Guide Stars" وهي نقاط مرجعية منتشرة ضمن النسيج تسمح بتركيز الحزم الضوئية تركيزًا صحيحًا؛ مما سيزيد من دقة الصورة المأخوذة بدرجة تزيد كثيرًا عن الحد الطبيعي لانحراف الضوء.

وفي سعي منهما للتحسين من جودة الصورة المأخوذة طور الباحثان كيم والبروفيسور المشارك في البحث ديرك انجلوند Dirk Englund آلية سُميَّت بالمنارات المرجعية الكمومية Quantum Reference Beacons أو ما يُعرَف اختصارًا ب "QRBs"

الجميل في الأمر أن "QRBs"  تمتاز بخصائص ضوئية طبيعية نتيجة عيب جزيئي موجود ضمن بنية الألماس يُعرَف باسم (Nitrogen Vacancy)، ولذلك ستتمكن المنارات من بث الضوء عند استثارتها بواسطة أشعة الليزر؛ إضافة إلى ذلك سيتمكن الباحثون من التحكم في شدة ضوء المنارات عند تطبيق حقل مغناطيسي ذو موجات قصيرة المدى.

-كيف تعمل المنارات الكمومية؟

في وصف له عن آلية عمل التقنية الجديدة قال دونجيو كيم:

"تخيل ملاحًا يحاول إيصال القارب إلى وجهته ليلًا، إذا رأى ثلاث منارات يحاولون توجيهه عبر الضوء سيصبح الأمر مربكًا؛ لكن إن أصدرت إحدى المنارات وميضًا متعمدًا كإشارة له سيعرف الملاح وجهته بدقة أكثر".

ولذلك فإن المراكز الخاصة بالنتروجين تتصرف كمنارات ناشرة للضوء عن طريق تعديل معين يسمح لها بإلغاء/تفعيل الإشارة؛ إذ سيتمكن الباحثون من تحديد مكان المنارة ضمن النسيج بدقة، ويقول دونجيو كيم:

"مع إمكانية تحديد مكان انبعاث الضوء؛ سنكون قادرين على فهم آلية تبدد الضوء ضمن التراكيب المعقدة"

بعد إجراء العديد من التجارب؛ جمع الباحثون المعلومات من كل منارة مرجعية كمومية؛ لتحديد نمط تبدد الضوء ضمن الأنسجة وتشكيل صورة مجسمة للنمط مستخدمين جهاز "Spatial Light Modulator" (مغير الضوء المكاني).

أظهرت النتائج بأن الحزم الليزرية يمكن أن تُشكَّل بأسلوب يتيح تعويض التبدد الحاصل داخل النسيج والقدرة على تركيز الليزر بدقة عالية نحو نقاط معينة داخل النسيج.

في التطبيقات الحيوية تصور العلماء إمكانية حقن النسيج بجزيئات "Nanodiamonds" بوصفها عاملَ تباين -مستخدمة حاليًّا في بعض أنظمة التصوير-؛ إذ إن الجزئيات المعلمة بإمكانها إرشاد جزيئات الألماس نحو الخلايا المطلوبة. 

وفي تعليق له عن تقنية المنارات الكمومية، قال البروفيسور Wonshik Choi ونشيك تشوي أستاذ الفيزياء في جامعة كوريا:

"إن إمكانية التصوير بدقة عالية ضمن التراكيب المعقدة قد بائت بالفشل نتيجة نقص المعلومات وعدم وجود نقط دلالية دقيقة، حيث طور الباحثون أسلوبًا جميلًا بالاعتماد على المنارات الكمومية جاعلين من شاغرية النتروجين ضمن بنية الألماس نجومًا دلالية؛ الأمر الذي سيفتح آفاقًا جديدة أمام تصوير الأنسجة الحيوية العميقة بدقة أعلى وأمام إمكانية معالجة البيانات الكمومية".

التقنية الجديدة ستعطي طابعًا جديدًا للعمل على الأنسجة الحيوية؛ الأمر الذي سيزيد من الاكتشافات ويسهم في الحدِّ من بعض الأمراض النسيجية مستقبلًا.. 

المصدر:

1- هنا