الهندسة والآليات > منوعات هندسية

البدلات الخارقة والهياكل الخارجية وتأثيرها في الخواص الإدراكية

بينما يخطو المهندسون خطوات كبيرة في تصميم دعائم للساق والأذرع وبدلات للجسم بكامله بحيث تكون قابلةً للارتداء وفعَّالة إلكترونيًّا، والتي عُرِفت باسم (الهيكل الخارجي).

ويثير الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سؤالًا مهمًّا، وهو على الرغم من أنَّ هذه البدلات المشابهة لبدلة (الرجل الحديدي) المشهورة يُمكن أن تزيد قوة الشخص وقدرته على التحمُّل؛ ولكن، ما هو التأثير في قدرات التركيز واتخاذ القرار؟

والسؤال مهم جدًّا؛ إذ تُصمَّم الهياكل الخارجية وتُختبر للاستخدام في ساحة المعركة حاليًّا، لأنَّه يتوقع من الجنود الأمريكيين إجراء مناورات تكتيكية مُركَّزة وهم يحملون 60 إلى 100 رطلًا (27.2 حتى 45.3 كيلوغرامًا) من المُعدَّات كما هي العادة، ويمكن أن تَحمِل الهياكل الخارجية؛ مثل مفاصل الورك والركبة والساق المُتكيِّفة إلكترونيًّا جزءًا كبيرًا من حمولة الجندي، ممَّا يؤدي إلى تحرُّرهم للتحرك بسرعة ورشاقة أكبر.

ولكن، هل ارتداء هذه الإضافات الإلكترونية والتكيُّف مع حركاتها يستنزف بعض الاهتمام اللازم للمهام الإدراكية؛ مثل اكتشاف العدو أو نقل رسالة أو اتباع سرب طائرات؟

وجد فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أنَّ الجواب نعم، في بعض الحالات على الأقل، وفي دراسة قدَّموها في الاجتماع السنوي لجمعية العوامل البشرية وجمعية الهندسة البشرية في (فيلادلفيا)، اختبر الباحثون متطوعين؛ إمَّا أعضاء فعَّالين في الخدمة العسكرية أو مشاركين في فيلق تدريب ضباط الاحتياط (ROTC)، وكانوا يسيرون في مسار فيه عقبات بينما يرتدون الهيكل الخارجي للركبة المُتاحة تجاريًّا، ويحملون حقيبة ظهر تزن ما يصل إلى 80 رطلًا (36.2 كيلوغرامًا).

وكان سبعة من الأشخاص الــ 12 يعانون من زمنِ استجابة أبطأ (رد فعل أبطأ) في مهمة بصرية عندما أكملوا الدورة مع الهيكل الخارجي مقارنةً بالوقت الذي انتهوا منه دونه!

ووجد الباحثون أيضًا أنَّه عندما طُلِب من الجنود متابعة قائدٍ مسافةً معينة، كانوا أقل قدرة على الحفاظ على مسافة ثابتة في أثناء ارتداء الهيكل الخارجي.

وعلى الرغم من أنَّ النتائج أولية ولكنَّها تشير إلى أنَّ المهندسين الذين يصممون الهياكل الخارجية للاستخدامات العسكرية وغيرها عليهم أن يضعوا في الاعتبار (ملائمة الجهاز إدراكيًّا)؛ أي ما هو مقدار تأثير الجهاز في انتباه المُستخدم أو اتخاذه القرار حتى في أثناء مساعدته جسديًّا.

تقول (ليا ستيرلينغ)، وهي أستاذة مساعدة في قسم علوم الطيران والملاحة الفضائية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وعضو في معهد الهندسة الطبية والعلوم: "من المفترض في الهيكل الخارجي العسكري أن يمسح الجنود بحثًا عن الأعداء في المحيط، والتأكُّد من مكان وجود الأشخاص الآخرين في فريقهم، ومراقبة مجموعة متنوعة من الأشياء"، وتضيف: "أنت لا تريدهم أن يركِّزوا في خطواتهم بسبب الهيكل الخارجي؛ ولهذا السبب كنت مُهتمة بكمية التركيز التي تتطلَّبها هذه التقنيات".

وقد صمم الفريق مسارًا فيه عقبات في مركز NERVE في جامعة لويل؛ للتحقيق في تأثير الهياكل الخارجية في انتباه المُستخدم، وهو مكانٌ يفحص ويقيِّم الروبوتات عبر مسارات فيزيائية مختلفة عادةً، وقد عدَّلت (ستيرلينغ) وزملاؤها

مسارًا ليشمل منحدرات متقاطعة وجدران منخفضة يُمرُّ فوقها، وضبطت الأضواء على طرفي مسار العوائق لتومِض وتنطفئ على نحو متقطِّع.

ووظَّف الفريق 12 ذكرًا للاختبار ودرَّبهم على مدار ثلاثة أيام، وكان كل منهم في اليوم الأول يتدرب على استخدام الهيكل الخارجي للركبة المُتاح تجاريًّا، وهو دعامة ركبة صلبة تعمل بالطاقة للمساعدة في إطالة ساق المُستخدم وزيادة القدرة على التحمُّل؛ على سبيل المثال في تسلُّق العقبات والمشي مسافات طويلة.

وعلى مدار اليومين الآتيين، أُرشِد الأشخاص للتنقل في مسار العوائق وهم يتبعون باحثًا، والذي كان يؤدي دور عضو في السَّرِية، وقد أنجزوا عديدًا من المهام الإدراكية عندما شقوا طريقهم في المسار. 

وكانت المهمة الأولى مهمة بصرية؛ إذ كان على الأشخاص ضغط  زرِّ بندقيةٍ وهمية عند رؤيتهم ضوءًا يُنير، أمَّا المهمة الثانية، فكانت عبارةً عن زوج من المهام الصوتية، وكان على المشاركين الإجابة عن فحص مكالمات لاسلكي بسيط("Roger، over" "تم، انتهى")، إضافةً إلى مهمة أكثر تعقيدًا؛ إذ كان عليهم الاستماع إلى ثلاثة قادة يبلِّغون عن أعداد مختلفة من الأعداء، ثم يقولون العدد الإجمالي عبر الراديو، وأمَّا المهمة الثالثة، فكانت مهمة متابعة؛ إذ كان على المشاركين الحفاظ على مسافة معينة من قائد السَّرِية في أثناء سيرهم في المسار.

ووجدت (ستيرلنغ) في النهاية أنَّ 7 من 12 شخصًا يرتدون الهيكل الخارجي تفاعلوا في المهمة البصرية ببطء واضح، وكادوا يضيعون إشارات الضوء تمامًا مقارنةً بأدائهم عندما لا يرتدون الجهاز، وكان لدى الأشخاص الذين يرتدون دعامة الركبة أيضًا صعوبة أكبر في الحفاظ على المسافة المحددة عند اتباع القائد.

وتخطط (ستيرلنغ) من الآن فصاعدًا للتحقيق في أهمية سرعة الاستجابة في أثناء ارتداء الهيكل الخارجي في حالات مختلفة.

"وبالنسبة إلى الجندي العسكري، إذا لم يكتشف العدو في أقل من نصف ثانية، ماذا يعني ذلك؟ تقول ستيرلينغ: "هل هذا يعرِّض حياته للخطر أم أنَّه ضمن الحدود المقبولة؟"، وقالت: "نحن في حاجة إلى فهم أفضل لهذه الاختلافات العملياتية، وربما لا يكون وقت رد الفعل مدة نصف ثانية في أثناء السير على الرصيف مشكلةً كبيرة، ولكنَّها قد تكون مشكلة كبيرة في بيئة عسكرية ".

ومن المثير للاهتمام أنَّ الفريق وجد عددًا قليلًا من المستخدمين؛ الذين لم يتأثروا في إضافة هيكل خارجي، وكان أداؤهم جيدًا في المهام البصرية والصوتية والمتابعة.

"نرى في هذه الدراسة أنَّ بعض الناس ليس لديهم نقص في انتباههم، ولكنَّ ذلك يحدث لبعضهم، ولسنا متأكدين من السبب في أنَّ بعض الناس مستخدمون جيدون للهيكل الخارجي وبعضهم يواجه صعوبة أكبر. 

"لقد بدأنا التحقيقَ الآن في الأسباب التي تجعل المستخدمين جيدين مقابل المستخدمين الأقل مهارة، فهل هذا بسبب القدرة الحركية أم القدرة على الاستقبال أم القدرة الإدراكية؟"

تعمل مجموعة (ستيرلنغ) على فهمٍ أفضل للطريقة التي يتكيف فيها البشر مع الهياكل الخارجية وغيرها من التقنيات القابلة للارتداء؛ مثل الجيل الجديد من بدلات الفضاء.

تقول (ستيرلنغ): "إنَّنا نراقب التوافق بين ما يفعله النظام وما يفعله الإنسان"، وقالت: "إذا أراد الإنسان الإسراع أو الإبطاء، فهل يمكن تصميم هذا النظام بحيث يتحرك تحرُّكًا مناسبًا حتى لا يُعيق حركة الإنسان، والعكس صحيح؟"

وتقول (مارسيا أومالي) أستاذة الهندسة الميكانيكية في جامعة رايس: "إنَّ معرفة الآثار الإدراكية للهيكل الخارجي أمرٌ ذو أهمية خاصة إذا استُخدِم الجهاز في ساحة المعركة".

وتقول (أومالي) التي لم تشارك في البحث: "إنَّ انخفاض القدرة الإدراكية سيكون ضارًّا للغاية، حتى إذا عُزِّزت القدرة الفيزيائية للمقاتل"، وقالت: "إنَّ هذه الدراسة تقترب من الاختبار الميداني كثيرًا، وتبتعد عن إعدادات المختبر المحدودة؛ لذا وعلى الرغم من وجود قدر كبير من التباين في النتائج، ولكنَّها سلَّطت الضوء على التبادلات بين تحسين الأداء البدني والقدرات الإدراكية".

وإلى جانب التطبيقات العسكرية والفضائية تقول (ستيرلنغ): "إنَّه إذا كان الاتصال بين الإنسان والآلة أكثر سلاسة، ممَّا يتطلَّب تركيزًا أقل لدى المُستخدم، فقد يجد الهيكل الخارجي جاذبيةً تجارية أوسع".

تقول ستيرلنغ: "ربَّما تريد أن تكون قادرًا على تسلُّق هذا الجبل، أو الذهاب في رحلة أطول، أو قد تكون أكبر سنًّا وتريد الركض مع أحفادك".

"كيف يمكنك تصميم الهياكل الخارجية حتى يتمكَّن الناس من الحدِّ من مخاطر إصابتهم وتوسيع قدراتهم، إنَّ هذه الأنظمة مثيرة حقًّا، ونحن نريد أن نكون مدركين للمخاطر المختلفة التي تحدث عندما تجلب شيئًا ما إلى بيئة طبيعية فحسب".

المصادر:

1- هنا