علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

البُعد النفسي للأمراض الجلدية

يا له من أمر مدهش أن تدرك أنك قلتَ كلمة أو فعلت فعلًا غريبًا عن طريق حرارة عالية تغزو وجنتيك! 

من هذا الاحمرار الذي يندفع على الفور بما يحمله من خجل أحيانًا، أو توتر وقلق أحيانًا أخرى؛ انطلق موضوعنا طارحًا سؤاله: هل هناك علاقة بين العقل والجلد؟

وقد أتت الدراسات بالإجابة؛ إذ بيّنت أنّ عديدًا من الاضطرابات في الجلد أو التشوهات الخُلقية تقبع جذورها في النفس، فالعقل والجلد مرتبطان بمستويات عدة.

وما لا شك فيه أنّ الجلد هو أكبر عضو في الجسم؛ أي إنه الغلاف الواقي الذي يدافع عن الجسم ضد أية إصابة أو عدوى، ويمثل التأثيرات البيئية كالأشعة فوق البنفسجية والحرارة والبرودة وتلوث الهواء.

كذلك يشارك الجلد في عمليات بيولوجية معقدة جدًّا لما يحتويه من غدد عرقية، وأوعية دموية، وخلايا تستخدم من أشعة الشمس شُعلةً لتبدأ تكوين فيتامين D، ونهايات عصبية تكون على اتصال دائم بالدماغ، ومجموعة من خلايا الجهاز المناعي الذي يُعدّ الخط الدفاعي الأول ضد البكتريا والفيروسات، لذا؛ يؤثر الدماغ والجهاز المناعي في الجلد عن طريق عددٍ من المستقبلات والمواد الكيميائية.

ومن نقطة الالتقاء هذه ما بين الدماغ وجهاز المناعة والجلد؛ انطلق العلماء باحثين عن تلك المواد وغيرها التي تستجيب للضغط النفسي، فعلى سبيل المثال أظهرت بعض الأبحاث أن التوتر المزمن يعطّل الوظيفة المناعية للجلد التي تتمثل بكونه حاجزًا عديم النفاذية.

كذلك عندما تكون متوترًا فإن جسدك سيطلق هرمونات التوتر مثل الكورتيزول؛ مما يؤدي إلى زيادة إنتاج الزيت (دهون البشرة) فتصبح عرضةً لحب الشباب؛ إذ أظهرت الدراسات أنّ ٣٠٪ من مرضى الأمراض الجلدية يعانون بعض المشكلات النفسية الكامنة التي لا تُعالَج غالبًا.

وتأكيدًا لذلك؛ أجرت الجمعية الوطنية للوردية استطلاعًا في عام ٢٠١٤ يشمل ١٦٧٥ مريض بالوردية (حالة تتميز باحمرار شديد بالوجه)، وقد تبيّنت النتائج الآتية:

ارتبطت أعراض 90٪ من المشاركين بانخفاض احترامهم لذواتهم وانعدام ثقتهم بنفسهم، وعانى 54٪  منهم الضعفَ والقلق، في حين قرع 43٪ منهم أبواب الاكتئاب، وتجنب أكثر من نصفهم التواصلَ وجهًا لوجه.  

وعادة ما تُقسَم الاضطرابات النفسية الجلدية إلى ثلاث فئات: 

- الفئة الأولى:

تكون الاضطرابات نفسية؛ إذ يكون أساس المشكلات الجلدية فيزيولوجيًّا ولكنها تتفاقم بسبب التوتر والعوامل النفسية والعاطفية الأخرى، وتشمل: حب الشباب، وداء الثعلبة، وأنواع مختلفة من التهاب الجلد التأتبي والتهابات الجلد، والهربس، وفرط التعرق، والحكة، والصدفية، والشرى، والثآليل، وكثير غيرها. 

الفئة الثانية:

يؤدي التشوه التجميلي أو اضطراب الجلد إلى وصمة اجتماعية مثل الصدفية والبُهاق والقوباء؛ إذ تقود كلها إلى إنتاج مشاعر الخجل والإذلال وتآكل احترام الذات والقلق والاكتئاب.

وهناك كثيرٌ من الأدلة على وجود علاقة بين اضطرابات الجلد والأمراض الاكتئابية؛ فقد وجدت إحدى الدراسات أنّ المرضى الذين يعانون الصدفية الحادة وحب الشباب المُتأزم كانوا أكثر عرضة للانتحار بمرتين مقارنة بالمرضى العاديين، وعلى الرغم من ذلك؛ قد يكون من الصعب في مثل هذه الحالات أن نميّز بين السبب والنتيجة، ولا تزال المزيد من الأبحاث في هذا الصدد قائمة.

- الفئة الثالثة:

تكون الصعوبات الجلدية أعراضًا لاضطراب نفسي مثل شد الشعر المزمن (trichotillomania)، إضافة إلى الانشغال بخلل خُلقي بسيط والاعتقاد بأن الجسم مصابٌ بكائنات وهمية (طفيليات).

لذلك؛ كان لا بد من البحث عن مفتاح العلاج الذي يربط بين الاثنين، وقد أعطى علماء النفس المختصون المرضى شعورًا بالسيطرة على ظروفهم وردود أفعالهم تجاه حالاتهم الصحية عن طريق اعتماد العلاج المعرفي السلوكي أو التوجه إلى علاجات مساعدة تتضمن التأمل والاسترخاء والتنويم المغناطيسي؛ إذ تساعد هذه العلاجات المريضَ على عدم تهويل الأمور وضبطها، مع الأخذ بعين النظر أنّ علوم الأمراض النفسية لن تهدف إلى أن نستبدل بالدواء العلاجَ النفسي، فقد أُجريت الدراسات لتساهم في التقليل من أضرار الحالة النفسية السيئة.

وفي الختام؛ تعالوا نفكر معًا في حياتنا بهدوء وتوازن، ونتعلم أن نكون أقوياء ونضع البسمة على وجوهنا، ألم تروا أنّ جلودنا قد تعبت؟ّ!

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا