الهندسة والآليات > الاتصالات والشبكات

هل يمكن أن تعمل الأقمار الصناعية المصغرة نجومًا تدلُّ الجيل الجديد من التلسكوبات؟

يوجد هناك أكثر من 3900 كوكب مؤكَّد خارج نظامنا الشمسي، اكتُشِف معظمها بسبب "عبورها" (عندما يعبر الكوكب أمام نجمه فيحجب ضوءه مؤقتًا)؛ إذ يمكن لهذه الانخفاضات في ضوء النجوم أن تخبرَ الفلكيين قليلًا عن حجم الكوكب ومسافاته عن نجمه.

لكن معرفة المزيد عن الكوكب -متضمنة ما إذا كان يحتوي على الأكسجين والماء وغير ذلك من علامات الحياة- تتطلب أدوات أكثر قوة، علمًا أنّ هذه التلسكوبات ستكون -من الناحية المثالية- أكبر بكثير في الفضاء، مع مرايا واسعة تجمع الضوء مثل تلك المرايا الأكبر الموجودة على الأرض. ويضع مهندسو ناسا الآن تصميمات لتلسكوبات (مقاريب) الفضاء من الجيل التالي، التي تتضمن التلسكوبات "المجزأة" المزوَّدة بمرايا صغيرة متعددة يمكن تجميعها أو نشرها وفتحها لتشكيل تلسكوب واحد كبير الحجم بمجرد إطلاقه في الفضاء.

ويُعدّ تلسكوب جيمس ويب الفضائي القادم التابع لوكالة ناسا مثالًا على مرآة أساسية مُجزّأة يبلغ قطرها 6.5 متر و18 مقطعًا سداسيًّا. ومن المتوقع أن يصل حجم التلسكوبات الفضائية من الجيل التالي إلى 15 متر، مع أكثر من 100 قطعة مرآة.

تتمثل إحدى التحديات التي تواجه المقاريب الفضائية المقسَّمة في كيفية الحفاظ على استقرار أجزاء المرآة والتوجه على نحو جماعي نحو نظام خارجي. وستكون مثل هذه المقاريب مجهزة بما يسمى       "coronagraphs" (أدوات حساسة بما فيه الكفاية للتمييز بين الضوء المنبعث من النجم والضوء الأضعف -إلى حد كبير- المنبعث من كوكب مداري، وتستخدم عادةً في دراسة الشمس). ولكن؛ إنّ أي انزياح بسيط في أي جزء من أجزاء التلسكوب يمكنه أن يغير من قياسات الإشارة ويعطي قياسات خاطئة للأكسجين أو الماء أو غيرها من السمات (الخصائص) الكوكبية.

ويقترح مهندسو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أنه يمكن لمركبة فضائية ثانية بحجم علبة الأحذية مجهزة بآلة ليزر بسيطة أن تطير على مسافة من التلسكوب الفضائي الكبير وتعمل بمثابة "نجمة توجيه"؛ مما يوفر ضوءًا ثابتًا ومُشرقًا بالقرب من النظام المستهدف الذي يمكن للتلسكوب استخدامه نقطةً مرجعيةً في الفضاء للحفاظ على نفسه مستقرًّا.

وفي ورقة بحثية نُشرت مؤخرًا في المجلة الفلكية (Astronomical Journal)؛ أظهر الباحثون أنّ تصميمًا مثل هذا النجم المرشد الليزري سيكون قابلًا للتنفيذ وعمليًّا في نظر التكنولوجيا الحالية. ويقول الباحثون إن استخدام ضوء الليزر من المركبة الفضائية الثانية لتحقيق الاستقرار في النظام يخفف الطلب على الدقة في التلسكوب المقسم الكبير؛ مما يوفر الوقت والمال ويسمح بتصميمات تلسكوب أكثر مرونة.

كذلك يقول (إيوان دوغلاس) الباحث ما بعد الدكتوراه في قسم MIT في علم الطيران والملاحة الفضائية وناشر الورقة البحثية الرئيسي: "تقترح هذه الورقة أنه في المستقبل قد نكون قادرين على بناء تلسكوب عريض قليلًا وأقل استقرارًا في حد ذاته، ولكن؛ يمكن استخدام مصدر ضوء مشرق مرجعًا للحفاظ على استقراره".

ومنذ أكثر من قرن، استخدم علماء الفلك النجوم الفعلية بوصفها "مرشدًا" للمحافظة على استقرار التلسكوبات الأرضية.

ويقول دوغلاس: "إذا كانت العيوب في تروس (مسننات الحركة) التلسكوب أو محركه تجعل التلسكوب الخاص بك يتعقب على نحو أسرع أو أبطأ؛ يمكنك ضبط التلسكوب بحيث يتوضع النجم الموجِّه على الشعيرات المتصالبة تمامًا، وإبقاؤه متمركزًا في حين تحصل على تعرض للضوء فترةً طويلة". 

وقد بدأ العلماء -في تسعينيّات القرن الماضي- استخدام أشعة الليزر على الأرض بوصفها نجومَ إرشاد اصطناعي بواسطة تهييج الصوديوم في الجو العلوي، موجهين أشعة الليزر إلى السماء لإنشاء نقطة ضوئية على بعد 40 ميلًا (64.37 كيلومتر) من الأرض. ومن ثم يستطيع الفلكيون تثبيت التلسكوب باستخدام مصدر هذا الضوء الذي يمكن توليده في أي مكان أراد فيه الفلكي توجيه التلسكوب.

ويقول دوغلاس: "نحن الآن نوسّع هذه الفكرة، ولكن؛ بدلًا من توجيه الليزر من الأرض إلى الفضاء فإننا نضيء الليزر من الفضاء وعلى تلسكوب في الفضاء". وتحتاج التلسكوبات الأرضية إلى نجوم توجيهية لمواجهة التأثيرات الجوية، في حين يجب على تلسكوبات التصوير الفضائية أن تواجه التغيرات الدقيقة في درجة حرارة النظام وأي اضطرابات ناجمة عن الحركة.

وقد نشأت فكرة النجم الدليل الليزري عن مشروع موّلته وكالة ناسا؛ إذ كانت الوكالة تدرس التصميمات الخاصة بالتلسكوبات الكبيرة المجزأة في الفضاء، وكلفت الباحثين بإيجاد طرائق لخفض تكلفة المراصد الضخمة.

ويقول دوغلاس: "إن سببَ طرح هذا الموضوع الآن هو أنّ ناسا يجب أن تقرر -في غضون العامين المقبلين- ما إذا ستكون هذه المقاريب الفضائية الكبيرة أولويتنا في العقود القليلة القادمة". وأضاف أيضًا: "يحدث صنع هذا القرار الآن، تمامًا كما حدث عند اتخاذ قرار تلسكوب هابل الفضائي في الستينيّات، لكنه لم يبدأ حتى التسعينيّات".

ويطوّر مختبر "Cahoy" اتصالات الليزر لاستخدامها في CubeSats (أقمار صناعية مصغرة)، وهي أقمار صناعية بحجم صندوق الأحذية يمكن بناؤها وإطلاقها في الفضاء بجزء صغير من تكلفة المركبات الفضائية التقليدية.

وفي هذه الدراسة الجديدة نظر الباحثون في إمكانية استخدام ليزر مدمج في CubeSat أو SmallSat أكبر قليلًا؛ إذ يمكن استخدامه للحفاظ على استقرار تلسكوب فضاء كبير مجزأ على غرار نموذج LUVOIR (المسح الضوئي بالأشعة فوق البنفسجية) التابع لناسا، وهو تصميم تصوري يتضمن مرايا متعددة يمكن تجميعها في الفضاء. وكذلك قدّروا أنّ مثل هذا التلسكوب يجب أن يظل ثابتًا تمامًا في حدود 10 بيكومتر؛ أي قرابة ربع قطر ذرة الهيدروجين، وذلك كي تتمكن فقرة على متن السفينة من أخذ قياسات دقيقة لضوء كوكب بغض النظر عن نجمه.

ويقول دوغلاس: "إنّ أي اضطراب في المركبة الفضائية -مثل تغيير طفيف في زاوية الشمس، أو قطعة من الأجهزة الإلكترونية تشتغل وتنطفئ مغيرةً كمية الحرارة المتناثرة عبر المركبة الفضائية- سيسبب توسعًا أو تقلصًا بسيطًا في البنية. وإذا حصلتَ على اضطرابات أكبر من 10 درجات تقريبًا فستبدأ في رؤية تغيُّر في نمط ضوء النجوم داخل التلسكوب، وتعني هذه التغيرات أنه لا يمكنك استبعاد ضوء النجوم تمامًا لرؤية الضوء المنعكس للكوكب".

وقد توصّل الفريق إلى تصميم عام لنجم دليل ليزري بعيد بما فيه الكفاية عن تلسكوب كي يُنظَر إليه على أنه نجم ثابت (على بعد عشرات الآلاف من الأميال)، وسيرسل هذا النجم ضوءه إلى مرايا التلسكوب فيعكس كلٌّ منها ضوء الليزر نحو الكاميرا، ومن ثم ستقيس هذه الكاميرا تغير طور الضوء المنعكس بمرور الوقت؛ إذ يشير أي تغير بمقدار 10 picometers أو أكثر إلى وجود خلل في استقرار التلسكوب ويمكن للمحركات أن تصحح بسرعة.

وقد عمل دوغلاس وكاهوي مع زملائهم في جامعة أريزونا للتوصل إلى مصادر ضوئية مختلفة من أجل معرفة ما إذا كان تصميم النجوم الليزرية ممكنًا باستخدام تكنولوجيا الليزر الحالية، فعلى سبيل المثال؛ عملوا على معرفة كم يجب أن يكون مدى سطوع الليزر لتوفير قدر معين من المعلومات عن موقع التلسكوب، أو توفير الثبات باستخدام نماذج استقرار مجزأة من التلسكوبات الفضائية الكبيرة. ثم وضعوا مجموعة من أجهزة الليزر الحالية وحسبوا مدى ثبات كل ليزر وقوته وبعده من التلسكوب ليكون بمثابة النجم الدليل الموثوق.

وعمومًا؛ وجدوا أنّ تصميمات النجم الدليل الليزري قابلة للتنفيذ مع التقنيات الموجودة، ويمكن أن يتسع النظام بالكامل داخل SmallSat بحجم قدم المكعبة (0.03 متر مكعب).

ويقول دوغلاس إنه يمكن لنجم واحد من المرشدين أن يتبع "نظرة" (اتجاه) التلسكوب وهو ينتقل من نجم إلى آخر عندما يحوّل التلسكوب أهداف المراقبة الخاصة به. ويتطلب هذا من المركبة الفضائية الأصغر أن تسير على بعد مئات آلاف الأميال مقترنة بالتلسكوب عن بعد، وذلك عندما يغير التلسكوب وضعيته للنظر إلى النجوم المختلفة. وعوضًا عن ذلك؛ قال دوغلاس إنه يمكن نشر أسطول صغير من نجوم التوجيه في السماء وبتكلفة معقولة للمساعدة في تثبيت التلسكوب في أثناء استقصائه أنظمة متعددة من الكواكب الخارجية.

كذلك يشير Cahoy إلى النجاح الأخير الذي حققته "MARCO CubeSats" التابعة لوكالة NASA المُستخدَمة على سطح المريخ للاتصالات مع المركبة "Insight"؛ إذ وضح أن استخدام أنظمة الدفع الخاصة بـ CubeSats يمكّنها من العمل في الفضاء بين الكواكب فتراتٍ أطول وعلى مسافات كبيرة.

ويقول دوغلاس: "نحلل الآن أنظمة الدفع الحالية ونحدد الطريقة المثلى للقيام بذلك. وفي النهاية؛ نعتقد أن هذه طريقة لتقليل تكلفة التلسكوبات الفضائية الكبيرة المجزأة إلى شرائح".

المصادر: 

1- هنا

2- هنا

3- هنا