الطب > ‏معلومة سريعة‬

جراحة دون جروح أو ندبات

تقتضي جراحة الأنف أو الأذن التقليدية قطعًا وخياطةً، وقد تليها فترات شفاء طويلة وندبات قد تقلل فعاليتها أو تدفع البعض لتجنبها. وللاستعاضة عن هذه العمليات الغازية ومشكلاتها؛ طوّر باحثون عملية جراحية "جزيئية" تعمل على الجزيئات الكيميائية الصغيرة في الجسم باستخدام الإبر الدقيقة والتيار الكهربائي والقوالب الثلاثية الأبعاد لإعادة تشكيل الأنسجة الحية بسرعة دون شقوق أو ندوب أو فترة للشفاء. يُتوقع أن تكون هذه التقنية مفيدة لإجراءات جراحة الأنف التجميلية. ويمكن أن تساعد هذه التقنية في المستقبل أيضًا على حلِّ بعض المشكلات الصحية مثل انحراف الوتيرة الأنفية، وإصلاح المفاصل غير المتحركة، وقد تكون بديلًا غير غازي لجراحة العيون بالليزر لتصحيح البصر.

كيف توصل الباحثون إلى مثل هذه التقنية؟

أراد براين ونغ Brian wong MD PhD -جرّاح الرأس والعنق بجامعة كاليفورنيا UC Irvine- طريقة غير تقليدية لتغيير شكل الغضاريف؛ فاستخدم ليزر الأشعة تحت الحمراء لتسخين الغضروف مما يجعله مرنًا بدرجة كافية لإعادة تشكيله بشكل آخر. لكن تكمن مشكلة هذه التقنية في صعوبة تجنُّب قتل الأنسجة الحيّة عند تسخينها بدرجة كافية لتصبح ليّنة، وأضف إلى ذلك كونها طريقةً باهظة الثمن. لذا حاول تطبيق التيار الكهربائي لزيادة حرارة النُسُج بدلًا من ليزر الأشعة تحت الحمراء؛ فوصل إلى نتائج مماثلة إن لم تكن أفضل؛ إذ تفاجأ بالقدرة على تغيير شكل الغضاريف دون تسخينها.

عندما وجد نفسه في حيرة؛ لجأ إلى الكيميائي مايكل هيل Michael Hill PhD من جامعة أوكسيدنتال Occidental College في لوس أنجلوس لمعرفة السبب وراء هذه النتيجة المبهرة، وطبعًا توجَّه عالمُ الكيمياء للتركيب الكيميائي للغضروف المصنوع من ألياف الكولاجين القاسية المرتبطة بعضها ببعض بقوة معينة تجعل الشكل النهائي متماسكًا ومرنًا في الوقت ذاته. وتُحاط هذه الألياف ببروتينات سالبة الشحنة تربط ألياف الكولاجين ببعضها، وتجذب جزيئات الماء إضافة إلى أيونات صوديوم موجبة الشحنة، فكلما زادت كثافة الشحنات، زادت الروابط وزادت صلابة الغضروف. وجد الفريق أن تمرير تيار كهربائي بتوتر كهربائي قليل عبر الأنسجة إلى تحليل جزيئات الماء إلى أيونات الأكسجين والهيدروجين (البروتونات). الشحنات الإيجابية على البروتونات تلغي الشحنات السلبية على البروتينات؛ مما يجعل الغضروف أكثر مرونة (عن طريق تقليل البروتينات المتوفرة لربط الكولاجين وبذلك تقلُّ صلابة الغضروف)، وبمجرد أن يصبح النسيج مرنًا، يمكن تشكيله في أي شكل كان.

التجارب الحيوانية

اختبر الفريق الطريقة على أرنب -الذي تقف أذناه عادة بشكل منتصب-؛ فاستخدموا قالبًا لثني إحدى أُذُنيه (المكونة من غضاريف) في الشكل الجديد المطلوب. حافظت الأذن على الشكل المطلوب ما دامت في القالب المطلوب، لكنها عادت إلى شكلها الطبيعي فور إزالته. ولكن عند تكرار التجربة مع إضافة التيار الكهربائي -وذلك عن طريق إدخال أقطاب كهربائية مجهرية في الأذن عند الانحناء وتطبيق تيار كهربائي بوجود القالب- يتليَّن الغضروف فترة وجيزة في موقع الانحناء دون أي ضرر. وعند إيقاف التيار؛ يُترك الغضروف ليتصلَّب بشكله الجديد، ويُزال القالب بعدها دون عودة الأذن إلى شكلها الأصلي.

بمقارنة هذه الطريقة بالطريقة التقليدية المعتمدة على الجراحة؛ على الجرّاح قطع الجلد والغضاريف ثم إعادة تركيب القطع وخياطتها معًا بشكل جديد مما يمكن أن يؤدي إلى تشكل الندبات، وهي التي تحتاج عمليات إضافيةً لإزالتها في بعض الأحيان. وهو ما يمكن تجنبه باستخدام تقنية الجراحة الجزيئية، فبواسطة تجنُّبها لأي ضرر ميكانيكي للغضروف يمكن تجنُّب الندبات أو الألم.

ما التطبيقات المتوقعة من هذه التقنية؟

يبحث مطورو هذه التقنية في تطبيقها على أنواع أخرى من الأنسجة الكولاجينية، مثل الأوتار والقرنية.

ففي العين يؤثر شكل القرنية في الرؤية؛ إذ -على سبيل المثال- يُسبِّب وجود انحناء كبير فيها قصر نظر، يُعالج حاليًّا عن طريق جراحة العين بالليزر. لكن هذه التقنية لا تصلح للتطبيق على بعض الأشخاص، ولا يمكن عكسها في حال تطبيقها. في المقابل، يمكن أن تسمح تقنية الجراحة الجزيئية بإعادة تشكيل القرنية إذا تغيرت رؤية المريض، وتغييرها ثانيةً في حال عدم الحصول على النتيجة المرجوة. تُطبَّق هذه التقنية الجديدة عن طريق استخدام طابعة ثلاثية الأبعاد لصنع عدسات لاصقة ناقلة للتيار الكهربائي توضع على العين؛ فيسمح تطبيق التيار بتليين القرنية ذات التركيب الشبيه بالغضروف، مؤقتًا وتغيير انحنائها.

متى ستصبح هذه التقنية موجودة للاستخدام؟

لا يزال الوقت مبكرًا لانتشار هذه الطريقة لدى الأطباء؛ إذ يعمل فريق البحث حاليًّا على جعل التقنية موجودة لدى شركات الأدوات الطبية لاستخدامها على الغضاريف لنقل البحث للمرحلة التالية. لكن استخدام هذه التقنية على العيون لا يزال في المراحل الأولى مع وجود نتائج واعدة لتجاربها الأولية على الحيوانات. ويتصور الباحثون هذه التقنية الجديدة بوصفها إجراء منخفض التكلفة يُجرى تحت التخدير الموضعي، ثم إن العملية كلها يُتوقَّع أن تستغرق قرابة الخمس دقائق.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا