كتاب > روايات ومقالات

عندما يُعيدك الإحساسُ بالنهاية إلى البداية!

يقدم لنا الكاتب البريطاني جوليان بارنز روايةً فلسفية بسيطة تُحاكي الأفكار الطبيعية التي قد تزور أيَّ شخص عند دنوِّه من نهاية الحياة.

توني وبستر -بطل الرواية وراويها- هو رجلٌ في نهاية الستينيَّات، يغوص في ماضيه متنقِّلًا بين ذكرياته السابقة، ويحاول ترميم ما سقط منها حتى يوثِّق تاريخَه الشخصي، وتبدأ الذكريات في المدرسة الإعدادية؛ إذ تربطه بكولن وألكس صداقة قوية، وينضم إليهم أدريان فن لاحقًا؛ وهو الذي يجمعهم ويصبح الأقرب إلى كلٍّ منهم، وعلى الرغم من أنَّ ذكريات المدرسة لم تكن مهمة كما قال توني: "لست مهتمًّا بالأيام التي قضيتها في المدرسة ولا أشعر بالحنين إليها، ولكن كانت المدرسة هي المكان الذي بدأ فيه كل شيء؛ ولهذا عليَّ أن أعود بعجالة إلى بعض الأحداث التي أصبحت حكايات"، وتمتدُّ بعدها أحداث المدرسة مُحتلةً القسم الأكبر من الرواية.

وينتحر طالبٌ من الطلاب غير المعروفين في المدرسة، وتدور الإشاعات عن تسبُّبه في حَمْل فتاة وأنَّ ذاك ما كان سبب انتحاره، فتدور مناقشات فلسفية عميقة بين الرفاق عن الحياة والموت.

وبعد انتهاء المدرسة بمراحلها وانتقال الأصدقاء الأربعة إلى الجامعة، يلتقي توني بفيرونكا ويرتبط معها ويعرِّفها إلى رفاقه الثلاثة، ويذهب معها في عطلة أحد الأسابيع ليتعرَّف إلى أهلها، ثم ينفصل عنها بعد مدة قصيرة من ذلك.

ولمَّا كان لرحلة العودة إلى الماضي سبب، فهو ما وصل توني من تركةِ أمِّ فيرونكا قوامُها 500 جنيه إسترليني ووثيقتين، إحداهما يوميَّات تخصُّ أدريان الذي أقدَمَ على الانتحار منذ زمنٍ بعيد.

وعندما يعود توني بذاكرته فإنَّه يجد أنَّه لم يتبقَّ من كل هذه الأحداث الموغلة في الماضي سوى آثارِ ما خلَّفته في نفسه، فنراه يَصِف الموقف من جهته ثمَّ ينتقل بأحكامه من وجهة نظر خارجية؛ ليسأل القارئ عن رأيه في عدَّة أفكار توصَّل إليها، أو محاولًا طَلَب المساعدة لتذكُّر الموقف كما حدث لا كما يتذكَّره.

وترتبط فيرونكا بعد الانفصال بأدريان، فيتبادل أدريان وتوني رسائل عدَّة تؤلِّف الحبكةَ الأساسية لقصة بطلنا، وبعدها تمضي السنين، فيكمل توني جامعته ثم يسافر ويتزوج وينجب ابنه وينتهي زواجه بالطلاق ثم العيش وحيدًا!

ويحاول توني الإجابة عن السؤال الأهم (ما هو التاريخ؟) مُستذكِرًا إجابته عندما طَرَح أستاذ التاريخ (جو هنت) السؤال نفسه وقال عندها: "إنَّ التاريخَ ليس إلا أكاذيب المُنتصرين"، ولعلَّه من السهل علينا أن نقول إجابةً كهذه، ولكن بعد مرور السنين وفَتْح أبواب الماضي لتذكُّر ماضينا، فإنَّنا نصل إلى نتيجة واحدة: لا يوجد مُنتصرون أو خاسرون، حتى أنَّ ملامحَ الطريق في حدِّ ذاتها قد تتلاشى ولا يصل منها سوى الآثار.

وفي القسم الثاني من الرواية، يحكي توني لنا عمَّا حدث بعد استلام وصية والدة فيرونكا وامتناع فيرونكا عن مساعدته في الرجوع إلى الماضي بحجة أنَّه لم ولن يفهمها أبدًا؛ ممَّا يجعل جميع الأسئلة تتضخَّم أمام توني، لم أنا؟ ولماذا الآن؟

أما ما تبقى من الرواية فغير مهم سوى لوضع نهاية مُحدَّدة للقصة، فعلى الرغم من أنَّ محاولة بارنز في إبراز تيار الوعي على لسان البطل وحده، لكنَّ ذاكرته تبدو سفينةً مثقوبة تتسرَّب إلى داخلها الذكريات، ليبرز السؤال الأهم: هل ما نتذكَّره في النهاية هو الذي شهدناه ذاته؟ وكيف يتحوَّل حدثٌ غير مهم في ماضينا إلى حدث رئيسٍ عندما نُلملم أجزاء الصورة؟

إنَّ رواية الإحساس بالنهاية رواية قد تتلخَّص في صفحة واحدة ولكنَّ المفارقة أنَّها تحكي عن أربعين سنة مضت!

ومن الجدير بالذكر أنَّها فازت بجائزة البوكر الأدبية عام 2011، وتحوَّلت إلى فيلم أيضًا عام 2017 بطولة جيم برودبنت في دور توني ويبستر وتشارلوت رامبلينغ في دور فيرونكا.

معلومات الكتاب:

الكتاب: الإحساس بالنهاية.

الكاتب: جوليان بارنز.

ترجمة: د.خالد مسعود شقير.

عدد الصفحات: 181 صفحة.

تاريخ النشر:2011.

دار النشر: سلسلة إبداعات عالمية،  تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب -الكويت.