كتاب > روايات ومقالات

إلى أي مدى قد نستطيع التضحية من أجل قضية ما؟

تستعرض رواية (رجل النظام البوليسي) شخصيةَ ليو الذي يعمل في إ.أ.د (جهاز الاستخبارات الروسي الأعلى)، وهو شخص يفتخر بهذه المبادئ الشيوعية المثالية، وقد كان العمل الذي فُرِض عليه هو الزجُّ بمئات من الناس خلف القضبان في داخل الـ لوبيانكا (المقر الرئيسي لـ إ.أ.د)، وهو المكان الذي يخشاه الجميع؛ لأنه المكان الذي لا عودة منه.

تبدأ أحداث القصة بحادثة مأساوية تودي بابن أحد ضباط الـ إ.أ.د، وهو الشخص نفسه الذي كان يعمل تحت إمرة ليو، وعلى الرغم من أنَّ كلَّ المعطيات كانت تُوحي بكوْنِها جريمةَ قتل مُريعة، ولكنَّ ملف التحقيق كان واضحًا، فبعد أن يُطبَع، لا مجال لتغييره حتى لو اختلف عمَّا حدث فعلًا، ولمَّا كان من مصلحةِ الدولة السوفييتية أن تعُدَّ الواقعة مجرد حادثة، يمضي ليو في تطبيق الحكم على زميله كما يفعل مع البقية.

وتتالى الأحداث، ليصل الأمر بأن تصبح وظيفةُ البطل على المحك، وهي الوظيفة الكفيلة بتدمير حياته وكلِّ من فيها، ومع تلقِّيه تقريرًا يفيد باحتمالية خيانة زوجته للدولة السوفيتية ووجوب تحقيقه بهذا الشأن، تتحول القصة إلى نزاعات داخلية ضمن كلِّ الشخصيات؛ الجيدة منها والسيئة، وعلى رأسها شخصيتنا الرئيسة ليو.

وتبرز كذلك فكرةٌ غريبة، فقد تكون ثلاث حيوات أهمُّ من حياة واحدة، وقد لا يكون هذا صائبًا.

وما بين الوقوع في مفترق العقل والقلب، بات على ليو اتخاذ قراره، ومعه يلقي بحياته في سبيل لا رجعة عنه، حينما يكون الجميع جاسوسًا وأهلًا للثقة على حدٍّ سواء.

وتتصاعد الأحداث بعدها، إلى أن يصل الوضع إلى أسوأ مراحله معه ومع زوجته ليزا، ليركِّز مجمل طاقته حينئذ على قضية مقتل فتاة في إحدى غابات البلدات النائية جغرافيًّا في روسيا، ويكتشف معها مقتل فتى إضافي، ومن ثمَّ تتالى الوقائع وترتبط مع بعضها مُشكِّلة صورةً مخيفة؛ فمٌ مملوء بالتراب، وجسدٌ نُزِعت معدته، ورِجْلٌ مربوطة بحبل متين، وعديد من الضحايا الفتيَّة، والقاتل المريض طليقٌ يقتل الأطفال!

ما الذي قد يستطيع شخص تغييره؟

تنقلب الأدوار حينها على ليو، ويصبح إحدى ضحايا عمله السابق، مُتحديًّا بهذا كلَّ الجهاز الأمني الشيوعي في سبيل النضال من أجل العدالة، فكم فرصةً لديه؟ وكم سيتطلَّب الأمر من أرواح؟

تخيَّلوا أن يصبح الإنسان على شفير الهاوية، مُتمسكًا بشعاع ضئيل من الأمل، ومجازفًا بكلِّ شيء من أجل القضية التي كان هو أول قاتل لها!

وتعود بنا عجلةُ الزمن مجددًا، لتنكشف خفايا الواقعة أكثر، ويظهر ما لم يكن في الحساب -بالنسبة إلى ليو- عن المفقود بافل؛ الذي لم يكن له أيُّ سجلات ضمن الـ إ.أ.د، وعن أنَّ قطًّا واحدًا ورحلةَ صيد كانت محتومة بالقسوة، ستكون كفيلةً وحدها بتغيِّر شخصين إلى ميدان المواجهة.

إنَّ رواية "نظام الرجل البوليسي" من أكثر الروايات التي ستقابلها في حياتك الأدبية استثناءً، وليس لأنَّها ستنغرس عميقًا في داخلك فحسب، وليس لأنَّها لن تدعك تبتعد عن أحداثها لِمَا تحمله من تشويق مذهل وتوتُّر احترافي للأعصاب البشرية، ولا لأنَّها نقلت صورةً مُجسَّمة واقعية عن عصر ستالين المُظلم؛ بل لأنَّها قطعةٌ أدبية مزجت كلَّ ما سبق بحرفية فريدة وأسلوب بسيط في السرد تغلب عليه المباشرة بعيدًا عن أيِّ مماطلة لا داعي لها في الأحداث حينما تكون الصفحات الـ 488 غير كافية لتروي ظمأ القراءة.

وأخيرًا، من الجدير بالذكر أنَّ الرواية عَرَضت شيئًا من الحقائق مُدعَّمة بالأرقام عن الفظائع التي ارتُكِبت في عصر ستالين بحق الشعب الروسي؛ إذ جاءت الرواية على أنَّها أوَّل عمل من ثلاثية توم روب سميث، وتليها رواية الحديث السري، ورواية العميل 6؛ اللتان تناولتا شخصيتي البطولة مجددًا (ليو وزوجته ليزا).

معلومات الكتاب:

الكتاب:  رجل النظام البوليسي.

الكاتب: توم روب سميث.

ترجمة: مروان سعد الدين.

عدد الصفحات: 488 صفحة.

تاريخ النشر: 2011.

دار النشر: الدار العربية للعلوم ناشرون.