الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

ما هي الإرادة الحرة؟

معظمنا على يقين بامتلاكه للإرادة الحرة. وفقاً لديفيد هيوم فإن طبيعة الإرادة الحرة هي أكثر المسائل جدلاً في الميتافيزيقيا. فإذا كان ذلك صحيحاً، فمعرفة ما هي الإرادة الحرة لن يكون بالمهمة السهلة. فكحد أدنى، أن يقال أن عاملاً ما لديه الإرادة الحرة، أي لديه القدرة على اختيار مسار عمله أو عملها. ولكن كما يبدو فإن الحيوانات حققت هذا المعيار. وعادةً ما نعتقد أن حرية الإرادة هي أمر محصور بالإنسان فقط وليست للحيوان. فلنظظر سوياً إلى النظريات التي طرحت في ماهية الإرادة.

في تاريخ الفلسفة كان لجميع الشخصيات البارزة تقريباً شيء أو آخر لتقوله حول الإرادة الحرة. ومن أبرز ثلاث نظريات في ماهية الإرادة:

1. نموذج قدرة الإرادة:

لدى هذا النموذج أصوله في كتابات الفلاسفة القدماء كأفلاطون وأرسطو، وكان هو الرأي السائد عن الإرادة في فلسفة العصور الوسطى والحديثة. ولا يزال له العديد من الأنصار في الأدب المعاصر. ووفقاً لهذا النموذج فإن ما يميز من يملك الإرادة الحرة هو امتلاكه لقدرات أو ملكات معينة. تمتلك جميع الكائنات الحية بعض المقدرات كمقدرة النمو والتكاثر. ولكن الفريد عند العامل المالك للحرية، هو أنه يملك القدرة على التفكير والاختيار. إن الفكر أو المقدرة العقلانية هي قوة الإدراك. وكنتيجة لإدراكها يعرض الفكر أشياء مختلفة لتنشأ الإرادة. وبالعودة إلى حالة تفكير أليسون (التي قررت في الحلقة السابقة أن تنزه كلبها)، فإن تفكيرها ممكن أن يقيّم نزهة الكلب بأنها جيدة لصحته.

ويكمل النموذج بالقول أن جميع العوامل التي لها فكر لديها إرادة أيضاً. الإرادة أو قدرة الاختيار هي الرغبة في الخير ولهذا فمن الطبيعي توجيهها للخير. وتستطيع الإرادة قيادة الملكات الأخرى، فالإرادة تستطيع توجيه الجسم على الحركة أو التفكير. وفي حال أليسون فإن الإرادة قادرة على توجيه الجسم لإمساك الطوق ووضعه للكلب وأخذه في نزهة.

2. النموذج الهرمي

تعد نظرة هاري فرانكفورت الهرمية للإرادة معاصرة ومؤثرة على نطاق واسع. وتدعى بالبنيوية أو الشبكية وفقاً لتحليلها للإرادة. وذلك لأن الإرادة حرة ما إذا كان لديها بنية داخلية معينة أو "شبكة" بين المستويات المختلفة من الرغبات والخيارات. فوفقاً للنموذج الهرمي، يمكن للشخص أن يكون لديه أنواع مختلفة من الرغبات. بعض الرغبات ترغب بالقيام بفعل معين، مثلاً ممكن أن تكون أليسون ترغب في الذهاب للركض. تدعى هذه الرغبات بـ"رغبات درجة أولى". ولكن حتى ولو لم تكن تريد الذهاب للركض فعلاً، فمن الممكن أن ترغب أليسون بأن تكون هذا النوع من الأشخاص الذين يرغبون بالركض. وبعبارة أخرى، ممكن أن ترغب أن تحصل على رغبة درجة أولى معينة. وتدعى الرغبات من هذا النوع بـ"رغبات الدرجة الثانية". وإذا كان للعوامل رغبات إضافية في الحصول على رغبات درجة ثانية، يمكن لرغبة واحدة بناء تسلسل هرمي من الرغبات لا نهاية له.

وليس بالضرورة أن تؤدي كل رغبات العامل إلى فعل. في الحقيقة، إذا كان للشخص رغبات متضاربة، عندها من المستحيل على العامل أن يلبي رغباته جميعاً. لنفترض أن رغبة أليسون ليست الركض فقط، بل تريد أيضاً البقاء دافئة في السرير. في هذه الحالة، لا تستطيع أليسون تلبية كل من رغبتيها من ذات الدرجة الأولى. إذا قررت أليسون تلبية رغبتها في الركض عندها نقول أن رغبتها بالركض تحولت إلى فعل. ويطلق على هذا النوع من الرغبة الفعالة بالاختيار. فالاختيار هو الرغبة التي تحرك العامل إلى الفعل. وبالمثل، يمكن للمرء أن يفرق بين مجرد رغبة درجة ثانية (ببساطة رغبة في الحصول على رغبة معينة) واختيار درجة ثانية (رغبة في رغبة لتصبح إرادة الشخص أو رغبة برغبة لتصبح اختيار).

ووفقاً للنظرة الهرمية في الإرادة، حرية الإرادة تتكون في وجود رغبات من الدرجة الثانية. وبعبارة أخرى، فالعامل يكون لديه إرادة حرة إذا كان يملك نوع الإرادة الذي يريد أن يمتلكه. وذلك بأن باختياره أن ينفذ عملاً ما بجعله رغبة من الدرجة الأولى.

3. نموذج الأسباب والاستجابة:

تأخذ النظرية الثالثة للإرادة الحرة الإدعاء بأن العامل الذي نتحدث عنه ينطوي على حساسية لأسباب معينة كنقطة انطلاق، ويمتلك هذا العامل حرية الإرادة إذا كانت يستجيب إلى الاعتبارات العقلانية المناسبة، ولا يتصرف بحرية إرادة إذا كان يفتقر لمثل هذه الاستجابة.

لمعرفة ما يرقى إلى مثل هذا الرأي، لنعد إلى وضع أليسون مرة أخرى وقرارها في أخذ كلبها في نزهة. تقول هذه النظرية بأن اختيار أليسون بتنزيه كلبها هي إرادة حرة في حال أنه لو كان لديها أسباب معينة تمنعها من أخذ الكلب للمشي، فهي لن تقرر أن تأخذه للمشي. تخيل ما كان ممكن أن يحدث لو أن أليسون شغلت التلفاز بعد استيقاظها من القيلولة وعلمت عن العاصفة الثلجية قبل البت في قرار تنزيه كلبها. لو أنها على علم بالعاصفة الثلجية، سيكون لديها سبب وجيه لقرارها بعدم أخذ كلبها في نزهة. حتى ولو لم تحدث مثل هذه الأسباب أبداً (إذا لم تعلم عن العاصفة الثلجية قبل قرارها)، فتصرفها في أن يكون لديها مثل هذه الأسباب أثر على اختياراتها يظهر أنها تستجيب إلى أسباب.

لذا فهذه النظرية بشكل أساسي مرتبة في الطبيعة. وبحسب وجهة النظر هذه فالإكراه والتلاعب يضعفان الإرادة الحرة يجعل العوال مجبرة بدلاً من لاستجابة للأسباب. فإذا قد تم غسل دماغ أليسون لأخذ الكلب في نزهة في وقت معين عندها حتى ولو شغلت الأخبار وشاهدت أنها تمطر. ستستمر في محاولتها لأخذه في نزهة على الرغم من وجود سبب وجيه لعدم القيام بذلك. لذا التلاعب بالعوامل ليست أسباب استجابة وبموجب ذلك تنقص الإرادة الحرة.

المصادر:

هنا

هنا

مصدر الصورة:

هنا