الفلسفة وعلم الاجتماع > علم المنطق والأبستمولوجيا

التفكير الناقد

التفكير الناقد هو تفكير تأملي محكوم بقواعد المنطق والتحليل وهو نتاج لمظاهر معرفية متعددة،مثل بناء الفرضيات والتفسيرات وتقويم المناقشات والقدرة على الاستنباط والاستنتاج.

وهو أسلوب يتسم بالتجريد والوضوح والموضوعية والعقلانية ومن أهم صفاته الحياد؛ أي التحقق النزيه من البيانات والحقائق والأدلة دون التأثر بذاتية الباحث وعواطفه ومعتقداته، بهدف الوصول إلى نتائج مبرهنة، وهو القدرة على التعامل مع الأدلة المتوفرة من مصادر متعددة وتقييمها والنظر إلى نوعها ونوعيتها أي جودتها.

لماذا يعدُّ التفكير النقدي مهارة يجب تعلمها وليس ملَكَة فطرية؟

لأننا طبيعيًّا نميل إلى الحصول على استنتاجات متسرعة، وتلجأ أدمغتنا للانحياز تلقائيًا لتكوين موقف تجاه أيةِ معلومة نسمعها أو نقرأها ويعدُّ هذا الشيء ميزةً جيدة في بعض الأحيان لأنه يوفر الوقت والجهد، ولكن هذه الانحيازات سلبية في أكثر الأحيان لأنّها تؤدي إلى رؤى واستنتاجات خاطئة، أمّا التفكير الناقد فهو تفكير حذر متأنٍ، يبحث في العلل والأسباب لاستدلال نتائج مبرهنة.

وبالطبع هو مهارة يمكن اكتسابها كغيرها من المهارات عبر خطط يحددها مختصون.

ولكن كيف نمارس هذا النوع من التفكير؟

في الفترات الأخيرة؛ ساد اعتقاد بأننا نستخدم 10% فقط من قدراتنا الدماغية، وهي فكرة تسويقية رُوِّج لها من أجل اللجوء إلى محفزاتٍ وألعابٍ لتنشيط عمل الدماغ، ولنقد هذه الفكرة يجب توصيفها بدقة أولًا؛ فهي تعني أنَّ 90% من دماغنا مُهمَل، وثانيًا نبحث عن الأدلة المؤيدة والمعارضة لها، وعلى الرغم من أنَّ هذه الخرافة تحظى بشعبية واسعة ولكن لا يوجد أي بحث منشور يثبت صحتها، لقراءة المزيد عن تفسيرها هنا

ما هي سمات التفكير الناقد؟

إن التفكير بطريقة نقدية وطرح الأسئلة قبل التسليم بما نتلقّى وعدم قبول الأفكار غير المنطقية وغير المبرهنة؛ لا يعني أن نعارض كل الأفكار المطروحة ورفض محاولات الآخرين بإقناعنا بحججهم أو قبول أفكار النقّاد المشهورين مباشرة أيضًا.

لكي نصبح قادرين على ممارسة مهارة التفكير النقدي يعني أن نتزود بالوسائل التي تخولنا ذلك؛ إذ إنّ القرار يجب أن يُبنى على معطيات وحقائق وبراهين وأسباب عقلانية وبذلك تكون الأفكار مجردة ويمكن الدفاع عنها والمفكر الناقد عليه استخدام الأدلة بمهارة عالية عبر تحليل البيانات والمعلومات وتنظيمها واستخلاص استنتاجات منطقية منها.

المفكر الناقد يبني اعتقاده بناء على طريقة شك ممنهجة و ليس لمجرد الشك والاعتراض على الفكرة ويكون من المفيد محاولة إيجاد تفسيراتٍ منطقيّةٍ وأدلة بديلة بدلًا من إظهار عيوب الحجج المطروحة أمامه فحسب، إضافةً إلى تقبّل الاستماع والاطلاع على الحجج المقابلة بذهن منفتح على الرغم من اتفاقه معها أو اعتراضه عليها.

من المفيد هنا التذكير أيضًا بأن جميع الافكار المطروحة يجب أن تكون قابلة للدحض بمعنى قبول القاعدة التي تقتضي إمكانية اختبار أي معلومة ودحضها، هذه العملية تؤكد لنا أنه إذا كانت المعلومة خاطئة فإن البراهين ستظهر خطأها، وإذا كانت المعلومة صحيحة فهذا يعني أن البراهين المقدمة لم تستطع أن تنفيها وبذلك ما زالت هناك حاجة إلى المزيد من الإثباتات، ومن أهم القواعد التي يجب أن يلتزم التفكير النقدي بها هي تمييز العلاقات المنطقية بين الفرضيات.

ختامًا؛ التفكير النقدي هو أسلوب ضروري لمختلف نواحي الحياة بدءًا من اختيار مسار التعليم الى اختيار مهنة المستقبل وكذلك من شراء منزل إلى اختيار المرشح السياسي الذي يمثلك، وعلينا أن نكون متأكدين من حقيقة أنّ المعلومات التي تبنى على أسس علمية وعلى التفكير الناقد هي معلومات ذات أرضية أقوى بكثير من المعلومات التي تبنى على المعتقدات الموروثة والسائدة.

المصادر:

1- هنا

2- العتوم، عدنان يوسف ومجموعة من المؤلفين. تنمية مهارات التفكير: نماذج نظرية وتطبيقات عملية، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، ط2، 2009. ص71 إلى ص75