الفلسفة وعلم الاجتماع > علم المنطق والأبستمولوجيا

مغالطة التوسل بالمرجعية أو الاحتكام إلى السلطة Appeal to Authority

في يومنا هذا؛ صار الحوار هو النهج المُتّبَع في عالمٍ أساسه التواصل وغايته الإقناع؛ فتصبح الحجة هي وسيلته، ولكن يقع كثير من المحاورين في مغالطات منطقية في أثناء تقديمهم الحجج إما جهلًا وإما عمدًا بهدف التضليل وخداع المتلقّي بصحة الحجة الخاطئة.

وانطلاقًا من إيمان منظمة "الباحثون السوريون" بأهمية النقاش المنطقي البنّاء بوصفه انعكاسًا للتفكير العلمي المنظَّم نقدّم لكم سلسلة المغالطات المنطقية.

يقع المحاور في مغالطة التوسل بالمرجعية أو الاحتكام للسلطة (Appeal to Authority) عندما يجعل السلطة دليلًا لتصديق القضية وبديلًا عن البرهان وعدّ المسألة صحيحة لأن مصدرًا -معترفًا به في المجال المعني- ذا سلطةٍ مزعومة قال إنها صحيحة، وتتخذ السلطة عدّة أشكال مثل القوانين والأنظمة أو النصوص الدينية أو الأشخاص أو سلطة المختصين بالعلم.

وهي من المغالطات التي يكثر استخدامها؛ لأن غير المتخصصين -أو الذين لا يعرفون إلا قليلًا أو بتاتًا في مجال معين- يرون في المرجعيات شخصيات تستحق الاحترام وبسبب ميل عامة الناس إلى تبنّي آراء وتكوين مواقف بموجب الاقتداء فقط.

ومن الطبيعي أن نلجأ إلى الخبراء للحصول على معلومات معيّنة في مجال ما، مثل استشارة طبيب مختص لتشخيص المرض ووصف علاج له؛ وهنا الثقة بمعرفته بسبب وصوله إلى النتائج عن طريق الاستدلال السليم والمعرفة الطبية، وهذا لا يمنع وجود قدرٍ من التشكك أو الحصول على رأي ثانٍ.

ولكنه من غير الصواب التوسل بالمرجعية في الحالات الآتية:

- عندما تكون المسألة خارج نطاق خبرة ذوي السلطة وتخصصهم.

مثال: (سؤال مختص بالرياضيات عن العقوبة القضائية المثلى لمرتكب الجرائم الإلكترونية).

- عند وجود دليل مباشر عن القضية؛ إذ إنَّ الملاحظة المباشرة والدراسات الموثقة أكثر يقينًا من أي سلطة.

مثال: (الاستشهاد باعتقاد الباحث الفيزيائي الفلاني أن الأرض مسطحة).

- إذا كانت المسألة غير محسومة والخبراء مختلفون فيها؛ إذ إن المرجعية المحتكَم إليها قد لا تمثّل رأي المتخصصين جميعهم، إضافةً إلى أنها قد تصيب أو تخطئ.

- وإذا كان الخبير متحيّزًا أو يميل إلى رأي أو اتجاه محدد أو تكتنفه هذه الشبهة؛ فيجب على من يعرض رأيًا متحيّزًا أن يعرض الرأي المعارض له.

مثال: (الاستناد إلى قول مختصٍّ باللغة الإسبانية بأنَّ هذه اللغة ستصبح اللغة الأولى عالميًا بحلول عام 2020).

- عندما يكون مجال خبرة الشخص علمًا زائفًا مثل التنجيم و"علم" الطاقة و"علم" الأرقام...إلخ؛ إذ لا توجد أيةُ قيمة لهذه المعرفة مهما تكللت بالشهادات لأنها وهم كاذب.

مثال: (استشارة شخص محبط من عدم حصوله على فرصة عمل للأستاذ فلان المشهور والخبير في "علم" طاقة المكان وتصديقه بأن سببَ الحد من فرصه هو دخوله من الباب الخلفي للمنزل).

- حين تكون السلطة مجهولةً وغير محددة يستحال التحقق من مصداقية الادعاء لأن الجهة غير محددة بالاسم أو المصادر التي تستند إليها هذه الجهات مجهولة.

مثال: (ادعاء شخص ترخيصَ جامعاتٍ عالميّةٍ لشهاداتٍ بالعلم الزائف "دون تحديد اسم أيةِ جامعة")

وأخيرًا مهما كان شأن هذه السّلطة أو المرجعية فهي ليست معيارًا للمصداقية ورأيها لا يشكّل معرفةً أساسية بل هي معرفة بالوساطة، وإذا اضطررنا الاحتكام إلى السلطة؛ فيجب عرض البيّنة التي تستند إليها.

المصادر:

1- مصطفى، عادل. المغالطات المنطقية (فصول في المنطق غير الصوري)، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1، 2007. ص85 إلى ص92

2- شوبنهاور، آرثر. فن أن تكون دائمًا على صواب، ترجمة: رضوان العصبة، دار الأمان، الرباط، ط1، 2014. ص71 إلى ص73

3- واربرتون، نايجل. التفكير من الألف إلى الياء، ترجمة: هالة عباس وأسامة عباس، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت، ط1، 2018. ص180 + ص181