الطب > مقالات طبية

بيلة الهوموسيستين عندما تقول مورثاتنا كلمتها - الجزء الأول

تُشكِّل اللحوم والبقوليات والمأكولات البحرية كالأسماك وغيرها مصدرًا غنيًّا بالبروتين يستفيد منه الجسم في عملياته ووظائفه الحيوية المختلفة؛ وذلك بواسطة تفكيكه جزيئات البروتين هذه إلى مجموعة من المركبات العضوية تدعى "الأحماض الأمينية Amino Acids" التي تُعدُّ وحدات البناء building units الرئيسة للبروتين.

عند حدوث فشل في استقلاب أحد الحموض الأمينية الذي يسمى "الميثيونين methionine" ينتج عنه تراكم غير طبيعي لهذا الحمض ولمادة كيميائية أخرى تدعى الهوموسيستين في المجرى الدموي وخروجها مع البول؛ فيُسبِّب ذلك مشكلات صحية خطيرة في حال تُرِك المريض دون علاج.

ما أسبابه؟ وما علاقة الطفرات الوراثيّة بالمرض؟

تُعدُّ بيلة الهوموسيستين من الاضطرابات الوراثية النادرة المنتقلة من الأبوَين بصفة جسدية متنحية autosomal recessive، فلا بُدَّ للجنين من أن يتلقى نسختين من المورثة الطافرة المسبِّبة للمرض؛ إحداها من الأم والأخرى من الأب حتى تظهر عليه الأعراض سريريًّا. في حين يكون الجنين المتلقي نسخةً واحدة من الطفرة الوراثيّة من أحد الأبوين حاملًا للمرض فقط دون أن تظهر عليه الأعراض.

ما الطفرات الوراثية المعنية بالمرض؟ وما آليتها الإمراضية؟

الطفرة الوراثية هي تبدُّل في واحد أو أكثر من الأسس النكليوتيدية المكونة للمادة الوراثية، وبذلك حدوث خطأ في الشيفرة الوراثية؛ مما قد يؤدي إلى تشكُّل منتجات بروتينية غير طبيعية.

أقرَّ العلماء بوجود عدَّة طفرات قد تُشكِّل الأساس الجيني لبيلة الهوموسيستين، أَذيَعُها سيطًا الطفرة الحاصلة في جين CBS المسؤول عن تشفير أحد أنزيمات الجسم المهمة والمسمى cystathionine beta-synthase وهو الذي اشتُقَّ اسمُ الجين منه. تتلخَّص مَهمة هذا الأنزيم في تحويل جزيء الهوموسيستين إلى جزيء آخرَ يسمى cystathionine، ونتيجةً للخلل الواقع في جين CBS سيتعطل عمل الأنزيم، وبهذا سيتراكم الهوموسيستين إضافة إلى منتجات ثانوية أخرى في الدم، وسيخرج بعضها مع البول المطروح.

يُضاف إلى ذلك طفرةٌ أخرى مسؤولة عن الإصابة، تحدث في جين MTHFR الذي يقع على الصبغي الأول لدى الإنسان، يرمّز هذا الجين أنزيم يدعى methylenetetrahydrofolate reductase؛ اختصارًا MTHFR وهو الذي يُحفِّز تفاعل تحويل جزيء يُدعى 5,10-methylenetetrahydrofolate إلى جزيء آخر يدعى 5-methyltetrahydrofolate. يحدث هذا التفاعل السابق بتواسط حمض الفوليك (أو فيتامين B9)، ويُعدُّ جزءًا من عملية ذات عدة خطوات تهدف إلى تحويل الهوموسيستين إلى الحمض الأميني الميثيونين الذي يدخل في تركيب عدد من البروتينات البنائية في الجسم، وحدوث أي اضطراب في هذا الأنزيم يخلُّ في التوازن لصالح الهوموسيستين الذي يتراكم في الدم؛ مما يؤدي إلى عدد من التظاهرات كتخثُّر الدم غير الطبيعي، وتأخر في النمو والتطور، ومشكلات إدراكية عديدة.

كيف يتظاهر هذا الخلل؟ وكيف يمكن تشخيصه؟ وهل يوجد خطة علاجية معينة؟

كل هذا سنستعرضه تفصيلًا في جزء ثانٍ للمقال سيتناول الجانب السريري للمرض.

انتظرونا.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا

6- هنا

7- هنا