الرياضيات > الرياضيات

لعبة الورق التي صنعت القنبلة النووية قصة ابتكار طريقة "مونت كارلو للمحاكاة"

1) خلفية تاريخية

في أثناء البحث عن السلاح غير التقليدي، برزت نظرية "ألبرت أينشتاين" فى تحويل المادة إلى طاقة عن طريق المعادلة E=mc2. (الطاقة  = الكتلة بالكيلو جرام x مربع سرعة الضوء) كانت المعادلة السابقة مجرد نظرية ولا يوجد تطبيق عملي لها أو حتى معرفة عن كيفية الاستفادة منها. فقررت الولايات المتحدة جمع أكثر العقول العلمية نبوغًا من مهندسين ورياضيين وفيزيائيين لتصميم أول قنبلة نووية. قاد هذه النخبة العالم اللامع "روبرت أوبنهايمر- Robert Oppenheimer"، وكان مقر عملها في معمل لوس ألاموس الوطني، وأطلق على المشروع "مشروع مانهاتن".

2) المشكلة

قسم "أوبنهايمر" الفريق العلمي إلى عدة فرق صغيرة. كل منها يضطلع بحل مشكلة تنفيذية/تصميمية، بهدف الوصول إلى شكل عملي للقنبلة. ومن ضمن هذه المشكلات، كيفية حساب مقدار الكتلة اللازمة لبدء الانفجار النووي؛ وهو ما يسمى بالكتلة الحرجة. وكانت تكمن الصعوبة في التمثيل الرياضي لهذه الكتلة؛ إذ إن التمثيل الرياضي للكتلة الحرجة عبارة عن تكامل معقد للغاية، ولا يمكن حله يدويًّا من أجل الوصول إلى صيغة نهائية. وبدون الصيغة النهائية لا يمكن معرفة الكتلة الحرجة اللازمة. ومع هذه المشكلة الأساسية كان المشروع كله مهددًا بالفشل. 

3) الاكتشاف

أُسندت المشكلة السابقة إلى عالم الفيزياء "ستانيسلو أولام – Stanislaw Ulam". والذي حاول العثور على حل لها بالطريقة الرياضية المعروفة، ولكن كل المحاولات باءت بالفشل. وفي مرة أصيب "أولام" بنزلة برد شديدة ألزمته الفراش ومنعته عن العمل. تناسيًا للمرض ووسيلة لقتل وقت الفراغ لعب بالورق لعبة Solitaire؛ فتنامى إلى ذهنه السؤال الآتي: هل يمكن حساب الاحتمالية الإحصائية للفوز باللعبة؟ هنا اكتشف "أولام" أنه في غنى عن إيجاد الصيغة النهائية للكتلة الحرجة؛ إذ يمكنه التعويض آلاف المرات (في المعادلة تحت علامة التكامل) بأرقام تنتمي الحدود الدنيا والعليا إلى التكامل، ثم إيجاد متوسط هذه القيم ليحسب قيمة التكامل بهامش خطأ ضئيل للغاية. وعلى الفور أخبر "أولام" زميله "جون فون نيومان – John Von Neumann" باكتشافه، فبرمج "نيومان" حاسبًا آليًّا (كان قد صممه سابقًا) لتأدية هذه العمليات بسرعة كبيرة. وقد أدى هذا الاكتشاف المذهل إلى خروج القنبلة النووية للنور.  

4) سبب التسمية

كان لدى "أولام" عم مدمن على لعب القمار؛ فقرر "نيومان" تسمية هذه الطريقة الرياضية على اسم أشهر مكان للعب القمار فى العالم ألا وهو "مونت كارلو". 

5) التطبيقات العلمية

بغض النظر عن التطبيق الذي أدى إلى ابتكار سلاح مرعب وقاتل؛ فإن طريقة "مونت كارلو" تُستخدم حاليًّا في العديد من التطبيقات، منها التأكد من صحة الصيغ النهائية الناتجة عن التكاملات. ولكي نستخدم طريقة "مونت كارلو" نفترض أن لدينا تكاملًا محددًا (تكامل على صيغة رياضية ولدينا حدود أدنى وحد أقصى للتكامل). ثم نبدأ تطبيق طريقة "مونت كارلو" بالخطوات الآتية: 

أولًا: التعويض المباشر في الصيغة الرياضية باستخدام أرقام عشوائية تقع بين الحد الأدنى والحد الأقصى للتكامل.

مثال:

لو كانت حدود التكامل من صفر وحتى خمسة تُعوض بأرقام عشوائية من صفر وحتى خمسة.

ثانيًا: تؤدي عملية التعويض السابقة إلى عدد كبير من المرات (1000 مرة وحتى 10,000 مرة). وبهذا يكون لدينا قائمة طويلة تمثل نواتج التعويض في الصيغة الرياضية بقيم تنتمي لحدود التكامل.

ثالثًا: أخذ ناتج كل عملية تعويض وإيجاد المتوسط مع قيمة/قيم التعويض السابقة لها. مثال: (إيجاد متوسط ناتج التعويض المرة الأولى والثانية مع بعض. وفي خطوة أخرى إيجاد ناتج التعويض المرة الأولى والثانية والثالثة وهكذا تباعًا). وبهذا ينشأ لدينا قائمة طويلة من متوسطات التعويض.

رابعًا: إذا اُحتسب المتوسط الإجمالي للسلسلة الناشئة من الخطوة الثالثة، تكون هذه هي قيمة التكامل. وبهذا نكون حصلنا على قيمة التكامل المحدد النهائية بمجرد التعويض المباشر ودون الحاجة إلى إيجاد صيغة نهائية للتكامل.

ويمكننا أن نحسب الصيغة النهائية للتكامل (إذا كان ممكنًا) والتعويض فيها لإيجاد القيمة النهائية للتكامل. وإذا كان هامش الخطأ بين القيمة الناتجة عن الصيغة النهائية وتلك الناتجة عن (مونت كارلو) دل ذلك على صحة الصيغة النهائية للتكامل.  

المصدر:

Nicolas Metropolis, “The beginning the of Monte Carlo Method”, Los Alamos Science Special, pp. 125-130, 1987.