الهندسة والآليات > منوعات هندسية

الحوسبة الإدراكية (١)

الحوسبة الإدراكية (Cognitive Computing) هي فرع جديد في علوم الحاسوب، يشير على نحو واسع إلى محاولات محاكاة القدرات الوظيفية للدماغ البشري، وخصوصًا في المجالات التي تميّز بها الدماغ البشري ومنها:

وتعد المميزات السابقة الذكر بمثابة تحدٍّ صعبٍ في علوم الحاسوب، في حين تبقى سرعة معالجة البيانات البطيئة نسبيًا إحدى النواحي التي يفشل الدماغ البشري في التميز فيها.

من جهةٍ أخرى، نجد أن الطاقة التي يستهلكها الدماغ البشري في أثناء عمله تضعه موقع المتفوق على رقائق الحاسوب الحالية بمراحل كثيرة، إذ تحتاج محاكاة الدماغ البشري تمثيل 100 ترليون من المشابك العصبية، بالإضافة إلى تمثيل كل الخلايا العصبية التي تصل تلك المشابك العصبية بينها، الأمر الذي يتطلب 96 حاسوبًا خارقًا من نوع Blue Gene/Q، ولن نحصل حينها إلا على محاكاة أبطأ بـ 1500 مرة من عمل الدماغ البشري في الوقت الحقيقي! ويحتاج الحاسوب التخيلي القادر على تشغيل محاكاةٍ كهذه 12GW من الطاقة، في حين لا يتطلب الدماغ البشري أكثر من 20W. (٢)

فما سبب هذا الفرق الهائل في استهلاك الطاقة؟

يُعزى الموضوع إلى سببين رئيسيين؛ هما التكنولوجيا والتصميم.

يعمل الدماغ البشري على نحو مخالف لرقائق السيليكون التي تشكل عصب الحوسبة التقليدية، إذ يعتمد على مكونات بيوفيزيائية، وبيوكيميائية، وأخرى عصبية. وبينما تحاول تكنولوجيا النانو تغيير هذا العامل التكنولوجي استهدفت شركة IBM العامل الآخر؛ أي التصميم. (٢)

استلهمت IBM رقاقتها الجديدة المبنية على مبدأ الاشتباكات العصبية (Neurosynaptic chip-architecture) والمدعوة TrueNorth من الدماغ البشري بالتحديد، مقللة كلًّا من حجم الشريحة واستهلاكها للطاقة، بالإضافة إلى قدرات تلك الشريحة على معالجة البيانات (٢).

4096 نواة (core)، ومليون عصب، و256 مليون مشبكٍ عصبي على شريحة واحدة بحجم 28 نانومتر تحوي 5.4 مليار ترانزستور، وتستهلك أقل من 100mW من الطاقة. (٢)

صمِّمت الشريحة على نحو يتيح لها “فهم” بيئتها وأخذ السياق بالحسبان، ومن ثم اتخاذ القرارات لحظيًا بناء على المعطيات المختلفة، ويمكن لها أن تعالج المشكلات الإدراكية المعقدة مثل تمييز الأنماط ومعالجة المدخلات الحسيّة كما هو الحال في الدماغ البشري (١) (٣)

ويأتي السؤال هنا: هل ستكون هذه الشريحة مستقبل الذكاء الاصطناعي والشبكات العصبونية؟

على الرغم من النتائج المبهرة، تبقى هذه الشريحة شديدة التخصص، وتعلّق IBM على ذلك فتقول: “يمكن أن نعدَّ المعالجات التقليدية محاكاةً لنصف الدماغ الأيسر؛ فهي سريعة وتركز على حساب الأرقام، في حين تحاكي شريحة TrueNorth النصف الأيمن من الدماغ؛ أي إنها بطيئة وحسيّة وتميّز الأنماط.” (٢)

وتعمل الشركة حاليًا على بناء نظام يجمع 4096 رقاقةً من رقاقات TrueNorth لتشكيل ٤ بلايين عصب وترليون مشبك عصبي ضمن صندوق واحد (rack) يستهلك قرابة 4KW من الطاقة (٢). وتمتلك أنظمة كهذه الإمكانية لحل مجموعة كبيرة من المشكلات البحثية في الرؤية والحس المتعدد، والقدرة على إنتاج ثورة حوسبية يمكن أن تدخل تطبيقاتها في كل ما يحيط بنا؛ ابتداءً من الهواتف المحمولة الذكية، ومرورًا بأنظمة المرور والصحة والأعمال، وليس انتهاء بالسيارات الذاتية القيادة. وتعمل شركة IBM على أن تكون هذه الأنظمة جزءًا من مشروعها الأشهر IBM Watson الهادف لمساعدة البشر على اتخاذ قرارات أفضل.

تابعوا مقالنا القادم لنستكشف بتفصيل أكبر أثر الحوسبة الإدراكية وتطبيقات رقائق IBM القائمة على مبدأ الاشتباكات العصبية.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا