الطب > مقالات طبية

ألزهايمر، ونافذة جديدة لكشفه

يقدم العلم لنا يومًا بعد يوم كثيرًا من التسهيلات والفرص التي تُساعد في تحسين نمط الحياة، وفي مقالنا هذا تقترح دراسة جديدة طريقة أسهل وأكثر عملية لتشخيص داء ألزهايمر، إذًا فلنبدأ معًا خطوة بخطوة ونتعرف إلى المرض، من حيث علاجه وتشخيصه بشيء من التفصيل.

هذا الداء (Alzheimer's Diseas) الذي أكثر أشكاله شيوعًا هو العَتَه (Dementia)؛ وهو اضطراب تنكُّسي عصبي يتصف بخلل سلوكي ومعرفي يُعيق أداء الوظيفة الاجتماعية والمِهنيّة بوضوح، وهو مرض غير قابل للعلاج مع فترة قبل سريرية طويلة وتَرَقٍّ مستمر.

-الآليّة المرضيّة:

كان "ألويس ألزهايمر" (Alois Alzheimer) هو أوّل من لفت النظر إلى أنَّ المرض -الذي أخذ اسمه لاحقًا- يملك أساسًا عصبيًّا مميَّزًا في آليّته الإمراضيّة، ومنذ ذلك الوقت أُضيف كثير إلى أفهامنا عن الآليات المرضية للآفات المرتبطة بهذه الحالة.

إذ وُجد أن الآفتين البدئيتين الأساسيتين المرتبطتين بحدوث داء ألزهايمر هما التشابكات اللُّيَيفية العصبية واللويحات الشيخية، وبتفصيل أكثر؛ يتكون التشابك اللُّييفي العصبي من تراكمات غير طبيعية من بروتينات تاو "tau" المفسفَرة بطريقة شاذّة ضمن السيتوبلاسما المحيطة بالنواة لعصبونات معينة، أما اللويحة الشيخية فتتكون من لُبّ مركزي من الأميلوئيد بيتا.

تتطوّر هذه اللويحات في الحُصَين -وهو بنية عميقة في الدماغ تساعد في ترميز الذكريات- وفي مناطق أخرى من القشرة المخية، تكون هذه المناطق معنيَّة بالتفكير واتخاذ القرارات، ويبقى أمر كون هذه اللويحات هي مسببة المرض بحد ذاتها أو كونها مُنتَجًا ثانويًّا له أمرًا غير معروف.

وبناء على ما سبق؛ تُعَدُّ الكمّيات غير الطبيعية من بروتين الأميلوئيد بيتا وبروتينات تاو مُشعِرات بيولوجية للداء، ويبدأ ترسب بروتينات الأميلوئيد في الدماغ قبل سنوات عديدة من ظهور أعراض المرض، ما يؤكد أهمية إيجاد وسيلة للكشف المبكر قبل البدء السريري للمرض. 

-الأعراض والعلامات:

تتدرّج مراحل المرض من المرحلة ما قبل السريرية إلى الشديدة؛ ففي المرحلة ما قبل السريرية قد يظهر المريض طبيعيًّا كُلّيًّا بالفحص السريري وفحص الحالة العقليّة مع احتمال تأثُّر مناطق محدَّدة من الدماغ كالحُصَين والقشرة الشمية الداخلية قبل عقود من ظهور أي أعراض أو علامات!

أما في الحالة الخفيفة من المرض فتظهر على المريض أعراض مثل فقدان الذاكرة وتشوّش في موقع الأماكن المألوفة، إضافة إلى تغيرات في الشخصية والمزاج وقلق متزايد.

ويزداد تدهور حال المريض مع تقدم الحالة؛ ففي الحالة المتوسِّطة من المرض يزداد فقدان الذاكرة سوءًا، ويعاني المريض خلطًا ذهنيًّا ومشكلات في التعرّف إلى الأصدقاء وأفراد العائلة، ويواجه صعوبات في اللغة ومشكلات في القراءة والكتابة والتعامل مع الأرقام، ويجد صعوبة في تنظيم الأفكار والتفكير المنطقي، إضافة إلى التململ والهِياج، وقد يميل إلى تكرار الوضعيات أو الحركات، فتُشاهَد ارتعاشات عضليّة متقطّعة، فضلًا عن الهلوسات والتوهُّمات والشكوك والتوهُّمات الاضطهاديّة (جنون الارتياب أو جنون العظمة Paranoia )، وقد تُلاحظ سرعة الانفعال وفقدان التحكم بالاندفاع، ويظهر هذا في السلوك؛ فقد يخلع المريض ملابسه في أوقات أو أماكن غير مناسبة أو يتلفظ بكلمات بذيئة.

وفي الحالات الشديدة من المرض؛ يصبح المريض غير قادر على تمييز أفراد العائلة أو الأشخاص الذين يحبهم، ولا يستطيع التواصل تواصلًا تفاعليًّا مع المحيط، ويعتمد هنا على الآخرين كُلّيًّا في الرعاية ويتبدَّد الإحساس بالذات تمامًا.

وعند الوصول إلى المرحلة النهائية؛ يبقى المريض  في سريره معظم الوقت أو كله، أمّا الموت في سياق الداء فينجم عن أمراض مرافقة أخرى، وكانت ذات الرئة الاستنشاقية سببًا متكررًا في حدوث ذلك. 

التشخيص:

إن تشخيص داء ألزهايمر وبدء معالجته قبل ظهور الأعراض هي المفتاح لتدبير هذا الداء كما ذكرنا، ذلك لأنه عند ظهور الأعراض يكون الوقت متأخرًا جدًّا -في الغالب- لأن تسبب العلاجات الحالية أي أثر فعال. 

وقد عُرِفَت مسبقًا طرائق عدة للتشخيص، نذكر منها:

الفحص السريري: التشخيص السريري للمرض يكون -غالبًا- في المرحلة الخفيفة للمرض، باستخدام القائمة السابقة من الأعراض والعلامات.

الدراسات الشعاعية: وهي مَهمة خاصة لاستثناء أسباب الانحدار الإدراكي ّ(المعرفيّ) المترقّي الكامنة القابلة للعلاج.

البزل القطني: /2/ أظهرت الأبحاث السابقة عن طريق هذا الاختبار ارتباطًا بين المستويات المنخفضة للأميلوئيد بيتا وبروتينات تاو tau الموجودة في السائل الدماغي الشوكي، وبين داء ألزهايمر ما قبل السريري، وذلك عندما تحدث تغيرات تشريحية مرضية متعلِّقة بالمرض في الدماغ، وقبل بدء ظهور الأعراض السريرية، ولكنَّ البزل القطني والاختبارات المجراة باهظة الثمن؛ إضافة إلى أن الخضوع لها لا يلائم عديدًا من المرضى، وفي الوقت الحاضر، تُعَدُّ القياسات الروتينية لبروتينات tau وأميلوئيد السائل الدماغي الشوكي غير مفضل إلا في ظروف الأبحاث.

مايستدعي البحث عن اختبار تشخيصيّ أنسب للكشف المبكِّر عن المرض، وجاءت الدراسة الجديدة التي أجراها الباحثون على 80 مريضًا موضوعين مسبقًا ضمن جدول لإجراء جراحة عينية، واستُخدم فيها عَيِّنَات من سائل العين لهؤلاء المرضى؛ إذ إن السائل المُستَخرج في هذه العمليات الجراحية يُطرَح طرحًا أنموذجيًّا، واختبر الباحثون في هذه الدراسة سائل العين لتحديد مستويات الأميلوئيد بيتا وبروتينات تاو، وربطوا هذه المستويات بنتائج اختبار إدراكي مرجعي، وتبيّنَ أن المستويات المنخفضة من هذه المُشعِرات البيولوجية ارتبطت ارتباطًا ملحوظًا مع نتائج إدراكية أخفض بين المرضى.

وهكذا؛ يمكن لهذه الموجودات أن تساعد في بناء اختبار مُتاح سهل المنال قليل الغزو لتحديد خطر حدوث داء ألزهايمر، خاصة لدى المرضى الذين يعانون مرضًا عينيًّا.

ولوحظ امتلاك بعض المشاركين في الدراسة -الذين لديهم مستويات منخفضة من المُشعِرات البيولوجية البروتينية في السائل العيني- علامات مسبقة لعته خفيف إلى متوسط استنادًا إلى النتائج الإدراكية (قيم الاختبار المعرفي) لديهم. وبهذا تعيد هذه النتائج تأكيد الدراسات السابقة التي تقترح أن المرضى الذين يعانون مرضً عينيًّا هم في خطر لتطوير داء ألزهايمر، وأنَّ إجراء استقصاءات أوسع لدى هؤلاء المرضى قد يوصل إلى نتائج يمكن تعميمها على مجموعات أكبر من الناس.

وتُعدُّ هذه الخطوة عظيمةً في اكتشاف دور العين الكامن في تشخيص داء ألزهايمر قبل السريري، ويبقى من المطلوب إجراء دراسات أبعد تقارن المُشعِرات الحيويّة البروتينية في العين مع اختبارات عصبية أكثر شموليّة وتفصيلًا.

-التدبير:

مع الأسف لا يوجد علاج للداء حتّى وقتِنا الحاضر، وتستطيع الأدوية أن تبطِّئ ترقّي عديد من الأعراض الكلاسيكية للمرض فقط؛ إذ إن كل الأدوية التي صدَّقتْ عليها هيئة الغذاء والدواء الأمريكية FDA لتدبير داء ألزهايمر هي علاجات عرضيّة تضبط النواقل العصبية؛ ولكنها لا تعالج السبب الكامن وراء المرض ولا توقف تدهوره.

وقد استُخدِمت الفئات الآتية من الأدوية النفسية لمعالجة الأعراض الثانوية للمرض وهي: مضادات الاكتئاب، وحالات القلق، والعوامل المضادة للباركنسونية، وحاصرات بيتا، والأدوية المضادّة للصرع، ومضادات الذُّهان.

المصادر:

1-هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا