الفنون البصرية > مدارس الفن

يُمكن أن يكونَ أكثرَ من مُجرّدِ خطٍّ ( الفن التجريدي )

الفن التجريدي (Abstract Art) أو ما يسمى الفن غير التمثيلي، يمكن أن يكون في الرسم أو النحت أو فن الغرافيك، وأبرز ما يميزه أن صورة الأشياء كما هي في الواقع لا تؤدي أيّ دور في الصورة النهائية للعمل الفني، فيتكوّن كل عمل من عدة عناصر، منها الشكل واللون والخط ودرجة اللون والملمس، استُخْدِمَت هذه العناصر التجريدية قبل القرن العشرين من قبل الفنانين لوصفٍ أو توضيحٍ أو إعادةِ إنتاجٍ لِعالمِ الطبيعة والحضارة الإنسانية ويهيمن العرض على الوظيفة التعبيرية.

ففي هذا النوع من الفنون يمكن أن يستند المظهر النهائي إلى كائن أو شكل أو منظر طبيعي موجود، فَيُبَسّط إلى مساحات أو إلى خطوط، أو حتى إلى أشكال هندسية أو علامات يحددها الفنان؛ تلك التي ليس لها مصدر على الإطلاق في الواقع المرئي. فبعض فناني هذا الفن لديهم مصطلحات مفضلة مثل الفن الملموس أو الفن غير الموضوعي.

*لوحة المرأة، الثانية، للفنان: وليام دي كونينغ (Willem de Kooning)

ويعود تاريخُ الفنِّ التجريدي إلى القرن التاسع عشر، الفترة التي تميزت بها مجموعة هائلة من الأعمال الفنية بواقعيتها وتفاصيلها الكثيرة، وكان عدد من الرسامين يدرسون آلية الإدراك والرؤية، وفي فترة الرومانسية طرحت أفكار تفيد بالابتعاد عن الواقعية الشديدة والتركيز بدلاً من ذلك على دور الخيال واللاوعي كونها عوامل إبداعية أساسية، فبدأ العديد من الرسامين بالتدريج في هذه الفترة بقبول الحرية الفكرية، وكما قال الرسام الفرنسي موريس دينيس (Maurice Denis) في عام 1890م: "يجب علينا أن نتذكر بأن الصورة قبل أن تكون حصاناً أو مشهدَ حربٍ أو لأشخاصٍ عراةٍ أو حكاية من نوع ما، فهي في الأساس سطحٌ مستوٍ مغطىً بألوان جُمعت في ترتيب معين".

*لوحة الطريق إلى كالفاري، للفنان: موريس دينيس (Maurice Denis)

أكدت كل الحركات الرئيسية في العقدين الأولين من القرن العشرين بما في ذلك التكعيبية والتعبيرية والمستقبلية والوحشية على الفجوة بين الفن والمظاهر الطبيعية الواقعية، ومع ذلك هناك فرق كبير بين الأعمال التي كان أصلها التجريد من المظاهر الواقعية، حتى لو كان إلى درجة عدم التعرف عليها، وبين الأعمال الفنية التي كانت من أشكال غير مستمدة من العالم المرئي.

أما خلال السنوات الأربع أو الخمس السابقة للحرب العالمية الأولى، فقد تبنّى فنانون مثل روبرت ديلوناي (Robert Delaunay) وواسيلي كاندينسكي (Wassily Kandinsky) وفلاديمير تاتلين (Vladimir Tatlin) وكازيمير ماليفيتش (Kazimir Malevich) الفنَّ التجريديَّ على نحوٍ كامل، ويعد كاندينسكي أوّل فنان حديث يرسم لوحاتٍ مجرَّدةً تماماً لا تحتوي أيّةَ أشياء يمكن التعرف إليها في الفترة ما بين 1910 ـ 1911م، ومن الجدير بالذكر أنه -خلال الحرب العالمية الأولى- أدى ظهور مجموعة دي ستيجل (de Stijl group) في هولندا ومجموعة دادا (Dada group ) في زيوريخ -وهي حركات فنية- إلى توسيع نطاق الفن التجريدي.

*على الأبيض، اثنان، للفنان: واسيلي كاندينسكي (Wassily Kandinsky)

إن الفن التجريدي عموماً لم يزدهر بين الحربين العالميتين الأولى والثانية بسبب السياسة المتبعة والحركات الفنية التي وضعت التركيز الأكبر على الصور مثل السريالية والواقعية، أما في فترة بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت مدرسة أمريكية نشطة من الرسم التجريدي تسمى "التعبيرية المجردة"، وكان لها تأثير واسع، ومنذ عام 1950م كان الفنُّ التجريديُّ قد انتشر على نطاق واسع في الرسم والنحت الأوروبي والأمريكي، ومن أهم رواد الفن التجريدي الحديث، بيت موندريان (Piet Mondria)، فقد كان رساماً ورائداً مهماً في تطوير الفن التجريدي الحديث وداعية كبيراً لحركة الفن التجريدي الهولندي. واستخدم موندريان مجموعات بسيطة من الخطوط المستقيمة، والزوايا القائمة، والألوان الأساسية، وكذلك الأسود والأبيض والرمادي، لذلك تمتلك أعماله نقاوة خاصة تجسد الاعتقاد الروحي للفنان في لوحة متناغمة.

*تكوين باللون الأبيض والأسود والأحمر، للفنان موندريان

ومازال هذا الفن آخذاً في الاتساع والانتشار بين الناس عامة كانوا أو مختصين حتى يومنا هذا، فبعض الناس ترى أنه من الواجب تعلم الفن الواقعي في الرسم مثلاً، قبل الوصول لمرحلة الفن التجريدي، والبعض يعارض هذا الكلام بوصفه فنّاً منفصلاً بحدِّ ذاته.

ما رأيك عزيزي القارئ، هل من الواجب إتقان الفن الواقعي قبل التجريدي؟

المصادر:

هنا

هنا

هنا