علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

التعلق في الطفولة وانعكاسه في الحياة

تؤثر تجاربنا وتعلقاتنا السابقة التي حملناها معنا منذ صغرنا والمربّيُ الذي كان دومًا إلى جانبنا تأثيرًا كبيرًا في الشخص البالغ الذي نحن عليه اليوم، فكلُّ ما اختبرناه في صغرنا من تعلّقات وارتباطات رسم لنا دروب التواصل مع أنفسنا ومع الآخرين وخطَّ معالم الخبرة العاطفية وقدّم إلينا هدية العيش التي نحن فيها.

وعندما تكون تعلّقاتنا المبكرة آمنةً تعلّمنا الوصول إلى أفكار وسلوكيات هادئة ذي فعالية، في حين إذا كانت تعلّقاتنا المبكرة قاسيةً فسنواجه مشاعر غير منتظمة وصعوبات في علاقاتنا، كذلك قد تجعلنا هذه التعلقات القاسية أشخاصًا يقرعون أبواب القلق والاكتئاب.

وانطلاقًا من بين هذه الجمل السابقة أتت فكرة المقال الذي جال بين الدراسات ليكشفَ أنّ كثيرًا من الأفراد الذين افتقروا إلى رابط الأمان كانوا أكثر عرضةً للإصابة بالاضطرابات النفسية وخاصة اضطراب الشخصية، فالعلاقات والروابط المُبكّرة جديرةٌ بأن تكون مؤثرة طوال الحياة؛ إذ يؤدي تعرض أيّ شخص صغير أو كبير -أي بغض النظر عن مرحلته العمرية- لمشكلة (مادية أو معنوية) إلى تنشيط نظام يُعرَف بنظام التعلق، فيبدأ هذا الشخص يبحث عن قريب يجد فيه تجليًا للرابط الذي يحتاجه، وما إن يجده حتى يشكّل له ملاذًا آمنًا لكونه مصدر ثقة ومُقدِّم دعم وإغاثة.

أما فيما يخص تلك الابتسامة العفوية التي يطلقها الوالدان عند رؤية طفلهم المرة الأولى وتلك الحالة المُفاجِئة التي تغمرهما بالحب والفرح، فنرى شذرات من كلمة كبيرة هي التعلق.

إنّ هذا الرابط العجيب بين الطفل ووالديه يشكّل النموذج الأول لدى الطفل لبناء علاقاته فيما بعد، فيتكرّس لديه الشعور بالأمان وتقدير الذات بحسب تنظيم هذه العلاقة.

وتُعدّ السنة الأولى من عمر الطفل مُهمة جدًّا؛ إذ تحتوي أول علاقة تربطه بمحيطه ولا سيما بوالديه، وانطلاقًا من هذه العلاقة تنعكس مشاعر الأمان والثقة التي ينمو بها الطفل وتنمو به.

وعلى الرغم من أنّ معظم الأطفال قادرون على الارتباط سريعًا؛ لكنّ التّعلق (تشكيل الرابط المتين) بين الطفل والوالدين هو عملية وليس حدث؛ أيّ إنه يتطلب وقتًا ويكون غيرَ محصور بالدقائق التي تلي الولادة.

كذلك يكون لدى الأمهات والآباء مزيجٌ من المشاعر والتصوّرات عن طفلهم المستقبلي، فكثيرًا ما نسمع عن آباء لم يتقبلوا أطفالهم وعن أمهات واجهنَ صعوبات في تقبل أطفالهن نتيجة تأثير الهرمونات أو بسبب اكتئاب ما بعد الولادة، ولذلك؛ يجب أن نأخذ بعين النظر أنّ التّعلق (تشكيل روابط أسرية متينة) هو تجربة معقدة شخصية تستغرق بعض الوقت، فليس هناك صيغة سحرية تُسكَب على التعلق لتجعل منه قالبًا واحدًا.

وهي مثل أيّ تجربة تحتوي على مشاعر مُعرّضة للتغير تبعًا لأحداث الحياة، فكثيرٌ من الأطفال مالوا بتعلّقاتهم بعد البلوغ إلى الكتب الدينية باحثين عن الإله، أو إلى ذكرى شخص مُتوفَّى كان لوجوده أثرٌ في حياتهم، أو إلى الاهتمام بحيواناتهم الأليفة ليجدوا بذلك مصدرًا جديدًا للأمان.

وأخيرًا؛ دعونا ننظر إلى التّعلق بزاوية أكبر ونعطيه القدر الكافي من وعينا، فما تُغرسه الروابط بداخلنا من أمان وثقة ودعم نفسي يتحول بتجاربنا الحياتية إلى لوحة مرسومة بخطوط واضحة تُظهر إيجابيةَ المسير الذي كرّسته تلك الرابطة أو العلاقة القويمة.

فهيّا نبحث عن تعلّقاتنا ونجعلها سببًا يحثنا على التوجُّه قُدمًا.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا