العمارة والتشييد > التشييد

انهيار سد زيزون.. خفايا الكارثة

يقع سد زيزون -المصنف سدًا عالي الارتفاع- في منطقة سهل الغاب، على بعد 90 كم شمال غرب مدينة حماة، وقرابة 300 كم عن العاصمة دمشق، والذي انهار في 4 حزيران/ يونيو من عام 2002.

وتسببت المياه المتدفقة من بحيرة السد نتيجة انهياره، في إحداث أضرارٍ بشريةٍ وماديةٍ هائلةٍ وجسيمةٍ في المناطق المأهولة القريبة الواقعة خلف السد.

بدأت التشققات بالظهور في جسم السد الخلفي في الساعات الباكرة من صباح يوم الرابع من حزيران/ يونيو عام 2002. وفي تمام الساعة الثالثة ظهرًا، أدّت التسربات الناتجة إلى تشكل فتحة انهيار في جسم السد، وتطورّت تدريجيًا، مما أدّى إلى انهيار جزء كبير من جسم السد (بعرض 100 م وارتفاع 40 م). وفي ساعةٍ واحدةٍ فقط غمرَ 70 مليون متر مكعب من الماء التي كانت تشكل حجم تخزين بحيرة السد مساحةً تقدّر بـ 60 كيلومترًا مربّعًا.

صورة1. فتحة الانهيار في جسم السد

تضمّنت المناطق التي غمرتها المياه، لحسن الحظ أراضٍ زراعيةٍ قليلةِ الكثافة السكانيَّة، أمّا القرى التي نالت نصيبًا من الفيضان كانت: زيزون (1000 نسمة)، (Al-Imshiak 1344 نسمة)، جرجور (2366 نسمة)، وتل الواسط (1696 نسمة).

صورة 2. غمر فيضان السد العديد من القرى خلفه

الأضرار التي سببها الانهيار وفقًا للمعلومات الرسمية:

- أسفر انهيار السد عن 20 ضحية تقريبًا، وعدد من الإصابات.

- تفاوتت الأضرار التي أصابت المنازل حسب بُعدِ المنطقة عن السد، إذ دُمرَّت قرية زيزون –التي تقع خلف السد مباشرةً- بالكامل، بينما دُمرَّت المنازل الواقعة في القرى على بعد (2-3) كم جزئيًا، أمّا المناطق الأبعد فقد أصابتها بعض الأضرار، وأُحصِي عدد المنازل المدمرة كاملًا بـ 251 منزل، و121 منزل دُمِرَ جزئيًا، بالإضافة إلى أضرار في 200 منزل.

صورة 3. قبّة جامع قرية زيزون الذي تدّمر بالكامل

- فقدَ عديدٌ من الأفراد مصادر غذائهم ورزقهم وفرص عملهم.

- تأثرت البنية التّحتية في المنطقة أيضًا، وتضرر ما يقارب 60 كم من الطرق، على أنّ معظمها لم يخرج عن الخدمة، إضافةً إلى تضرر خطوط الشبكة الكهربائية وشبكة الاتصالات.

- وكان للمنشآت التَّعليمية والصحيَّة نصيب من الدمار، إذ دُمرّت مدرستين بالكامل، وتضررت ثلاث مدارس إضافةً إلى مركزٍ صحي.

- أكثر من 8000 هكتار من الأراضي الزراعيَّة، غُمرت بالكامل لأسبوعٍ على الأقل.

- ولا بدَّ لنا أن نتحدث عن الأضرار التي أصابت المنظومة المائية في المنطقة، بشيءٍ من التفصيل، نظرًا لأهميتها في فهم تصّور مشكلة الانهيار:

   - تضمُّ المنطقة خزانين مائيين كبيرين هما: بحيرة تخزين سد زيزون المنهار، وسد القسطون؛ إذ يُملأ كلّ من الخزانين في موسم الشتاء لاستخدام المياه المخزنة لأغراض الري في فصل الصيف، ويبلغ حجم بحيرتي التخزين لكلٍّ من سدي زيزون والقسطون:71مليون مترمكعب، و26 مليون متر مكعب على الترتيب، وهنا ينبغي الإشارة إلى نقطةٍ مهمةٍ تُبرز هول الكارثة بالنسبة لسد زيزون، تتمثّل في أنّ عرض فتحة الانهيار النهائي المقدّر بـ 100 متر، إلا أنّ التقديرات غير الرسمية تشير إلى رقم أكبر يعادل الـ 500 متر.

   - تتضمن المنظومة المائية أيضًا، الأقنية المزودة بنظم تحكم بالغزارة، والتي تعيد توجيه المياه إلى مجرى نهر العاصي، وهي لم تتعرض لضررٍ كبيرٍ نتيجة الانهيار.

   - يوجد أربع محطات ضخ، مستعملة في ضخ المياه من النهر إلى بحيرات السدود (الخزانين المائيين أعلاه)، وتأثرت بنسبٍ متفاوتة:

1. المحطة الأولى (تضررت بشدّة)، وتتضمن 6 مضخات تضخ الماء لبرجٍ عالٍ، يؤمن ضاغطًا كافيًا لجريان المياه عبر مجموعة من الأنابيب المضغوطة والأقنية المكشوفة إلى محطة الضخ الثانية.

2. المحطّة الثانية (3 مضخات)، تقع على بعد 1 كم تقريبًا من سد زيزون، وتضخ الماء إلى نقطة أبعد حيث تُوَجَه إلى محطتي الضخ الثالثة والرابعة، وغُمِرت هذه المضخة بالكامل وتضررت بشدة.

3. المحطة الثالثة (4 مضخات)، من بحيرة سد زيزون عن طريق أنبوب يمرُّ عبر السد وينتهي إلى برج تغذية، ودُمِرت هذه المحطة بالكامل.

4. المحطة الرابعة، تقوم بضخ الماء إلى بحيرة سد قسطون، وما تزال فعالة وظيفيًا.

   - أمّا بالنسبة لمنظومة الرّي التي تقوم بتوزيع المياه على الحقول المجاورة، فقد تضررت جزئيًا.

يمكن القول إنَّ الضرر الكبير الذي أصاب المنظومة المائية في هذه المنطقة، كان له عواقب وخيمة على الاقتصاد المحلي أساسيًا، لا سيَّما في ظل اعتماد السكان المحليين في حياتهم على السد وخزانه المائي.

وفي مقابلة مع الأستاذ الدكتور (عبد الرزاق الحسين)، وهو أحد الخبراء المُوكل إليهم النظر في أسباب انهيار السد، ذَكر الدكتور ثلاث فرضيات أساسية محتملة لانهيار السد الركامي، وعلى إحدى هذه الفرضيات يقع عاتق تفسير نتائج الانهيار التي رُصِدت واشتملت على شقوق عرضية في إحدى مقاطع السد، بالإضافة إلى شقوق طوليَّة ومائلة على قمة السد، وتحدّب السفح الهوائي الخلفي، وانجراف خندق التَّصريف خلف السد، وفيما يأتي الفرضيات مع تفسير احتمالية حدوثها من عدمه:

1. جريان المياه فوق قمة السد: قُدّمت هذه الفرضية من قبل الشركة الدارسة، مبررةً ذلك بردم قناة المفيض لتقاطعها مع طريق محلي، ولكن هذه الفرضية تنتفي إذا ما علمنا أنَّ السدود الترابية تنهار إذا حدث جريان للماء فوق قمتها؛ ولكن الفترة التي انهار السد فيها لم يتخللها أيّة هطولات مطرية أساسًا، إضافةً إلى أنّه رُصد أعلى منسوب وصلت إليه المياه في بحيرة التخزين في أثناء الانهيار، والذي لم يتعدَ 211.2 م في حين تقع قمة السد على منسوب 213 م، أي أعلى بمقدار 1.8 م من منسوب المياه.

2. جريان المياه (تسرّبه) عبر جسم السد أو قاعدته: أعادت الشركة الدارسة طرح هذه الفرضية، بعد استبعاد فرضيتها الأولى، ولكن هذا يحدث فقط في السدود الترابية غير المرصوصة جيدًا وغير المجهزة بفلاتر عكسية؛ إلا أنَّ السد من النوع الركامي ونواته الغضارية مجهزة بطبقتين انتقاليتين من الفلاتر، كلّ منها بسماكة 1.5 م، لو فرضنا جدلًا أنّ  ذرات تربة النواة قد جُرِفت، لن يحتفظ السد بماء بحيرته ولكنَّه لن ينهار، تلى ذلك طرح الشركة الدراسة لفرضية في هذا السياق، وهي أنّ التَّسرب حصل في الجزء العلوي من النواة الغضارية كونها غير لدنة، وبالتالي تعرضت لتشكل شقوق نتيجة الهبوطات التفاضلية؛ إلا أنَّ هذا ينتفي أيضًا نتيجة لطبيعة الوادي، ناهيك عن عدم ملاحظة شقوق عرضية على القمة باستثناء شق طولاني تابع لحدوث انزلاق إسطواني للسفح الخلفي، ولن تسمح فلاتر النواة بالجرف وكذلك سفوح السد المنفذة من الركام الصخري.

3. انزلاق السد: تتألف قاعدة السد من 6 طبقات هي على الترتيب: طبقة غضارية كتيمة بعمق 2.1 م، وطبقة بازلتية بعمق 2.3 م، وطبقة غضارية مخضّرة بعمق 2.3 م، وطبقة بازلتية مفتتة نفوذة بعمق 3.1 م، ثمَّ طبقتان من البازلت المتين بعمق 3.3 و3.5 م، وبَينت نتائج المعاينة والاستقصاء، أنّ الانزلاق حدث في الطبقة الغضارية الطرية ذات العمق 2.1 م، علمًا أنَّ حسابات استقرار السفح الخلفي للسد بينت أنّ السد مستقر على الانزلاق في حالتي الحمولات العادية والاستثنائية؛ لكن لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّه لم تُؤخذ مسألة تسرب المياه عبر طبقة البازلت المفتت ذات العمق 3.1 م بالحسبان؛ إذ لم تتمكن هذه المياه من الصعود نحو الأعلى لتُصرَّف عبر موشور صرف السد، نظرًا لوجود طبقتين فوقها، فتابعت طريقها لتنبع على بعد مئات الأمتار في قرية زيزون، ممَّا شكل ضغط رفع مائي كبير على السد، وتخفيض وزن السد إلى درجة لم يعد فيها هذا الوزن كافيًا، ما أدّى إلى انهيار السد.

صورة 4. مخطط ضغط المياه المتسربة على قاعدة السد بشكل شبه منحرف

أمَّا لماذا انهار السد بعد قرابة 6 سنوات من بدء استثماره؟ وكأن شيئًا لم يتغير في هذه الفترة، لكن الأمر يتعلق بضغط المياه المتسربة، فقد كانت المياه تتسرب حول سن النواة الكتيمة الموجود بصورة أساسية في البازلت النفوذ 3.1، وتخترق الحد الفاصل بين سن النواة والطبقة الغضارية 2.3 ذات السماكة المنخفضة، وتصل إلى قاعدة الموشور الصخري، ومنه إلى خلف السد. وقد نَبه المُنفذ إلى تشققات خندق سن النواة في حينه، وعندما جرى رصد هذه المياه المتسربة، ذكر خبراء الشركة الدراسة أنَّ كميتها ضمن الحدود المسموحة. وكانت تخرج إلى منطقة الركام الصخري العالي النفاذية فلا ضغط لها على الموشور الصخري، أمَّا ضغط المياه المتسربة فكان على قاعدة النواة بشكل مثلث، ودلت الحسابات أنَّ عامل الأمان لهذه الحالة يساوي الواحد، ولهذا لم ينزلق السد؛ ولكن مع مرور الزمن ونتيجة جرف التربة مع تيار المياه المتسربة، سُدَت هذه المنطقة لتتابع المياه المتسربة طريقها إلى ما بعد السد بمئات الأمتار.

صورة 5. خلال السنين الست الأولى التي لم ينهار السد خلالها، كان مخطط ضغط المياه المتسربة مثلثياً ويتناهى الضغط إلى الصفر عند خروج المياه المتسربة من المنطقة أسفل خلف النواة

إنّ هذه الفرضية الأخيرة تفسّر بوضوحٍ ظواهر الانهيار التي لوحظت لاحقًا، ومنها انحراف محور السد وتحدّب الوجه الخلفي للسد، والشقوق في قمة السد، إضافةً إلى شق الانزلاق الطولاني في القمة:

صورة 6. صورة انحراف السد بسهم وصل إلى 12 م

صورة 7. صورة تحدب السفح الخلفي للسد نتيجة الانزلاق

صورة 8. صورة الشقوق في قمة السد على كتف الوادي

صورة 9. صورة شق انزلاق في قمة السد

انهار سد زيزون نتيجة انزلاقه على طبقة الغضار الطرية والضعيفة 2.1، حيث زاوية الاحتكاك الداخلي لهذه الطبقة منخفضة، وشارك في عملية الانزلاق ضغط المياه المتسربة المرتفع في الطبقة 3.1 النفوذة على الطبقات الكتيمة في القاعدة، والذي خفض القوى المثبتة للسد، وهذه أمور أغفلتها الدراسة مع أمور أخرى منها سوء التصميم.

بعض الدروس المستفادة:

- إنَّ منشأة السد تعدُّ منشأة مدنية إستراتيجية، وعليه ينبغي إيلاء دراسته أهمية بالغة، والاهتمام بمن سيلقى على عاتقه إنجاز مرحلة الدراسة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ خطأ الدراسة الذي ارتكبته الشركة الدارسة والمتمثل في عدم كفاية دراسة التسرب في قاعدة المنشأة هو المسبب الرئيس لكارثة سد زيزون.

- إنّ مثل هذه الكوارث التي سببتها يد بشرية، تُنبه إلى ضرورة تطوير قطاع إدارة الكوارث في البلد، وإنَّ خطة طوارئ فعّالة من شأنها أن تُحدث فارقًا كبيرًا بين الاستجابة الناجحة والاستجابة غير الناجحة لكارثة معينة. ومثل هذه الخطة لا ينبغي أن تبقى حبيسة المناقشات النظرية؛ بل هي أولوية يجب تجربتها في الواقع العملي واختبارها، بما يكفل قوتها وموثوقيتها للتلبية العاجلة للمتطلبات التي تنشأ عن كارثة معينة، وهنا يقتضي التنويه إلى أن إنشاء ماجستير إدارة المخاطر والكوارث في الجمهوريَّة العربية السورية عام 2010، يعدُّ خطوة مهمة في هذا السياق.

بالطبع فإنَّ سد زيزون هو واحدٌ من السدود الكثيرة التي انهارت في مناطق متعددة من العالم، لأسباب متعددة مخلفةً أضرارًا على المستويات جميعها، ولكن يبقى الأهم بعد أعوام على حدوث الكارثة، أن نعي أهمية هذه المنشآت المائية التي تُعدَّ عصب الحياة والاقتصاد للمنطقة التي تنشأ فيها أولًا وثمَّ للبلد بأكمله.

المصادر:

UNITED NATIONS DISASTER ASSESSMENT AND COORDINATION (UNDAC) MISSION - 6 - 10 JUNE 2002

World Water Week in Stockholm - August 16–22، 2009 -Mitigating Urban Flood Disasters in Syria: A Case Study of the Massive Zeyzoun Dam Collapse- Dr. Hussain Saleh & Mr.Georges Allaert

مقابلة مع الدكتور عبد الرزاق الحسين، الأستاذ في كلية الهندسة المدنية جامعة دمشق