التعليم واللغات > اللغويات

تطوّر اللغة الإنكليزية وعلاقته بالتطوُّر البيولوجي

ينظر بعض اللغويين إلى اللغة على أنها كائن حي؛ فهي تنمو وتتغير وفي كل مرة يتعلمها الطفل تتكاثرُ من تلقاء نفسها.

يذهب الآن فريقٌ من الباحثين إلى تشبيه تغيُّر اللغة بالتطوُّر البيولوجي؛ بحجة أن العواملَ الرئيسة في التطور البيولوجي -مثل الانتقاء الطبيعي والانسياق الجيني- لها أوجهُ تشابهٍ مع كيفية تغيُّر اللغات مع مرور الوقت، واتضح أن التغيُّرات العشوائية المعروفة باسم (الانسياق) في علم الأحياء ربما أدت دورًا كبيرًا في تطور اللغة الإنكليزية.

لقد أقرَّ مؤرخو اللغة الإنكليزية منذ فترة طويلة أن العوامل الاجتماعية والإدراكية تشكل اللغة مع مرور الوقت، فعلى سبيل المثال تختفي تدريجيًّا في اللغات تصاريفُ الأفعال غير المنتظمة أو أشكال الكلمات الأخرى التي يصعب تذكُّرها، وتُستخدم بعض الكلمات أو طرائق اللفظ لأنها ترتبط بأشخاص يتمتعون بالمكانة والقوة، ينطبق ذلك مثلًا على الوافدين الجدد إلى دولة أو مجتمع ما حين يتحدثون باللهجة المحلية من أجل الاندماج؛ إذ تستند هذه الضغوط على اللغة إلى عوامل ملموسة على غرار الضغوط البيولوجية الخاصة بالانتقاء الطبيعي.

لكن هذا التفسير لم يُرضِ عالم الأحياء التطوري في جامعة بنسلفانيا (جوشوا بلوتكين)، فقد كان في حيرة مما هو غير معتاد مثل ازدياد تفضيل كلمة clarity على مرادفتها clearness (وكلتاهما تعني "الوضوح")؛ إذ يجب أن تكونclearness  أكثر شيوعًا وفقًا للنظرية اللغوية المعيارية لأن إضافة "-ness" هي قاعدة سهلة التذكر لاشتقاق اسم من صفة. لكن ليس هذا ما حدث في اللغة الإنكليزية؛ إذ يرى (بلوتكين) إن هذه الظاهرة تتعارض مع فكرة أن اللغة تتجه نحو المزيد من الانتظام، ولذلك قرر أن يشمر عن ساعديه ويطبق بعض النظريات من علم الأحياء التطوري بمساعدة عالم أحياء تطوري آخر وعالمَي لغة من جامعة بنسلفانيا.

حلل فريق العلماء ثلاث قواعد بيانات من اللغة الإنكليزية المستخدمة عبر التاريخ تحتوي على أكثر من 400 مليون كلمة وتشمل الفترة ما بين العام 1100 م والقرن الحادي والعشرين، واستخدم الباحثون طرائق إحصائية من علم الوراثة السُّكانية لتحليل ثلاثة تغيُّرات معروفة في اللغة الإنكليزية:

1- كيف اتخذت الأفعال في الإنكليزية الأمريكية في صيغة الماضي النهاية "-ed"  (كما هو الحال في تصريف "spilt" الذي أصبح "spilled").

2- كيف أصبحت كلمة "do" فعلًا مساعدًا في اللغة الإنكليزية الحديثة (كما في جملةDid you sing? التي تعني "هل غنّيت؟").

3- كيف انتقلت الجمل المنفية في اللغة الإنكليزية القديمة إلى اللغة الإنكليزية الحديثة.

وجدوا أنّ الاختيار كان هو السبب المحتمل وراء كيفية تغيُّر بنية الجملة المنفية مع مرور الوقت، مثل كيف تحولت الجملة الإنكليزية القديمة Ic ne secge إلىI say not  (وتعني "أنا لا أقول") في المراحل الأولى من الإنكليزية الحديثة. ولكن التغيُّرين الآخرين كانا على الأرجح نتيجة للانسياق العشوائي، لأنه بدلًا من وجود معدل تغيُّر متساوٍ، فإن تواتر الأشكال البديلة تغيَّر على نحو متقطع، وظهر ذلك على شكل تقلبات واضحة في مجموعة البيانات، وعندما يتعلق الأمر بالأفعال وجدوا أن تأثير الانسياق كان أقوى عندما كان الفعل أقل تواترًا، فهناك فقط ستة تغيُّرات في الأفعال بصيغة الماضي في مجموعة البيانات (مثل تحُّولlighted  إلى lit) رُجِّح حدوثها إلى أسباب هادفة مثل سهولة التعلم والاستخدام.

يقول (إريز ليبرمان أيدن)، عالم الوراثة في كلية (بايلور) للطب وعالم الكمبيوتر في جامعة (رايس) في (هيوستن) في ولاية تكساس، إن هذا البحث مثير للغاية وقد طَبق أيضًا طرائق كمية على مجموعات البيانات اللغوية الضخمة؛ إذ يحتاج أي أنموذج متطور مُعقد من التغيُّر التطوري إلى التعامل مع توازن الاختيار والانسياق، وهذا الأنموذج معقد لأنه يحاول بدقة تحليل هذه المبادئ التي تؤدي إلى التغيير.

لكن يرى باحثون آخرون أن دور العشوائية في اللغة واضح حدسيًّا؛ إذ تقول (أندريا كالود)، وهي عالمة لغويات في جامعة (وايكاتو) في (هاميلتون) في نيوزيلندا، إنه سيكون لكل متحدث على وجه الأرض متغيرات لغوية محددة، ويكون هذا الاختلاف أحيانًا مدفوعًا بالاختيار، لكن في أوقات أخرى نود أن ننتقي من خياراتنا الخاصة من المخزون اللغوي المتاح لنا.

يأمل (بلوتكين) أن يجد اللغويون فكرة الانسياق واختباراته الإحصائية مفيدة، لأنها تتيح للباحثين دراسة أنماط التغيُّر وتوقيته في لغة واحدة بدلًا من مقارنة اللغات، ويضيف: "لا نقول إن الانسياق الجيني النقي هو الشيء الوحيد الذي يحدث، بل إن الانسياق الجيني ما يكون مؤثرًا ويجب ألا نستثنيه".

المصدر: 

هنا

هنا