الفنون البصرية > عالم السينما والتلفاز

تقنية إيقاف الحركة stop motion العالم السحري الضائع

بدايات ظهور الـ stop motion:

سبق فنُّ التحريك بالصور المتعاقبة* stop motion اختراعََ السينما بنصف قرن، فقد تطوَّر من تجارب فِرق الفانوس السحري magic-lantern الجوَّالة التي كانت شكلًا شائعًا من أشكال وسائل الترفيه، فاكتشفت تجارب هذه الفرق مبدأَ الانطباع البصري أو استمرار الرؤية، فإذا أُظْهِرت الرسومات بتتالٍ سريع فستراها العينُ البشرية حركةً متواصلة.

وتطبيقًا لهذا المبدأ؛ اخترع البلجيكي جوزيف بلاتو Joseph Plateau عام 1832 phenakistoscope؛ وهو عبارة عن أسطوانة من الورق المُقوَّى تدور فتصنعُ وهمَ الحركةِ عند النظر إليها من خلال مرآة عاكسة، ويعدُّ أولَ اختراعٍ يُحقِّق نجاحًا تجاريًّا في هذا المجال، ومن هذا المبدأ انبثقت تقنية التحريك بالصور المتعاقبة stop motion.

بدايات الـ stop motion في السينما:

بين عامَي 1897-1898؛ أُصدر فيلم (سيرك هامبتي دامبتي The Humpty Dumpty Circus) الذي يُرجّح أنه أول فيلم صُنِعَ باستخدام هذه التقنية، ومن المعتقد أن مُخْرِجَي العمل (جاي ستيوارت بلاكتون J. Stewart Blackton، وألبيرت أي سميث Albert E. Smith) استخدما دمى فتياتهما لِيَتخيلا حركاتِ البهلوانيين والحيوانات، ولكن للأسف خسرنا هذا الفيلم للتاريخ وليس من المعروف إن نَجَا أيُّ من المواد التي استُخدمت فيه.

واستمرت هذه التقنية في التطور؛ ففي عام 1902 استخدمها الساحر جورج ميليه George Méliès الذي ترك مهنته (السحر) وانتقل إلى إخراج الأفلام لإضفاء مؤثرات مذهلة في فيلمه القصير (رحلة إلى القمر A Trip to the Moon).

عام 1930؛ أخذ المصور البولندي ولاديزلاو ستارويكز Wladyslaw Starewicz تقنية الـ stop motion إلى منحى جديد مع قصته المحركة بالكامل (حكاية الثعلب The Tale of the Fox)، وكانت دمى هذا الفيلم مجموعةَ ثعالب وجرذان وقطط وحشرات مصنوعة من الأسلاك والشمع. وكان ابتكارُ مُحرِّك الدمى جورج بالـ George Pal دمىً متعددة الرؤوس الخشبية -التي تختلف تعابيرها وإمكانية التبديل بينها للتعبير عما تريد الشخصية- تحولًا وتطورًا مهمًّا في هذا المجال.

دور الـ stop motion في الخدع السينمائية:

في الأيام التي سبقت اختراعَ تقنية الـ CGI (الصور المعالجة ببرامج الكومبيوتر) وتقنيات المؤثرات الرقمية التي تُستَخدَمُ حاليًّا في السينما، واعتمد صنَّاع الأفلام على تقنيات تقليدية أخرى لنقل سحر الخيال إلى الواقع، وكانت تقنية الـ stop motion هي العصا السحرية التي استُخدمت لتحقيق هذا الهدف.

العالم الضائع (1925)

كان ويليس أوبراين Willis O’Brien أولَ من وجه الأنظار نحوها عبر فيلمه (العالم الضائع The Lost World 1925). وعلى الرغم من أنه هو من قدم للعالم إمكانية استخدام تقنية الـ stop motion في الأفلام الحية كونها مؤثرات بصرية؛ إلا أنّ فيلم (كينغ كونغ King Kong 1933) هو الذي جعل استخدام هذه التقنية شائعًا.

كانت خمسينيات القرن الماضي فترةَ ازدهار لهذه التقنية؛ فقد توسعت هذه الصناعة مُقدِّمَةً العديدَ من فرص العمل، ووسَّعت بدورها الاتجاهات الجديدة الممكنة، إلا أنها لم تبلغ قمة مجدها إلا في السبعينيات حين أصبحت إحدى الوسائل والتقنيات الرئيسة للدلالات الفنية والتأثيرات لأيِّ شيء تقريبًا.

واستُخدمت هذه التقنية في أفلام روائية مثل (حروب النجم Star Wars):

The Empire Strikes Back: الإمبراطورية، وذابح التنين the Dragonslayer، والشرطي الآلي RoboCop، إضافةً إلى العديد من الإعلانات لعلامات تجارية كبرى وفيديوهات موسيقية لقناة MTV.

وبدا لبعض الوقت أن تقنية الـ stop motion جعلت الخط الفاصل بين الخيال والواقع ضبابيًّا وغير مرئي عند المشاهدين، لدرجة أن الجمهور لم يستطع تمييز التأثيرات البصرية كأنها حقيقة وواقع.

ولكن -كما هو الحال مع أي نوع من التكنولوجيا- لم تلبث أن ظهرت تقنية أخرى لتحلَّ محلَّها؛ فبدأت شعبية الـ stop motion في مجال المؤثرات البصرية بالتراجع على الرغم من إصدارها عددًا من الأفلام الناجحة مثل (هروب الدجاج Chicken Run 2000) و(الكابوس الذي سبق عيد الميلاد the Nightmare Before Christmas 1993)، وهذا لم يمنع انهيارها أمام التقنيات الأحدث خاصة بعد صدور فيلم (كينغ كونغ King  Kong 2005) وفيلم (قصة لعبة Toy Story 1995) اللذين استخدما تقنية الـ CGI.

فيلم كورالاين:

تقنية الـ stop motion في وقتنا الحاضر:

على الرغم من أن هذه التقنية لم تعد مستخدمة في الخدع السينمائية ولم يعد يُعتمد عليها تقنية أساسية للخدع السينمائية كما في السابق، إلا أنها حافظت على مكانتها بوصفها نوعًا من الفنون الممارسة، كأنها قررت السير في طريق خاص؛ طريق يُقدِّره المخرجون والمشاهدون على حدٍّ سواء أكثر من السينما التقليدية نتيجة الجهد الهائل الذي يبذله العاملون في هذا المجال لإصدار فيلم، كفيلمَي (السيد ثعلب الرائع Fantastic Mr. Fox) و(كورالاين Coraline) اللذين أُثْنِيَ عليهما لأسلوب طرحهما القصة وقوتهما الفنية.

ويعد المخرج الأمريكي تيم بيرتون Tim Burton أحدَ أشهر الأسماء في مجال الـ stop motion بعد أن قدم لنا أفلامًا مثل (Corpse Bride) و(Frankenweenie) و(Vector).

* تقنية "التحريك بالصور المتعاقبة stop motion"، أو كما تُعرف بتقنية "إيقاف الحركة": هي تقنية تصوير سينمائي تُوقَف فيها آلة التصوير ويبدأ تشغيلها على نحوٍ متكرر مع تحريك الأشياء في هذه العملية لتعطي انطباعًا بالحركة عند تسلسل الصور الناتجة عن ذلك التحريك، فتبدو كأنها تتحرك لكثرة الصور المتعاقبة جراء تلك التقنية.