الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

تبريد كوكب الأرض؛ كيف؟ ولماذا؟

تخيل أنك تحمل أنبوباً زجاجياً صغيراً مطلياً بمسحوق أبيض هو كربونات الكالسيوم، وهو مركب واسع الاستخدام يوجد في معظم المواد بَدءاً بالورق والأسمنت إلى معجون الأسنان وعجينة الحلوى. ضع قرصاً منه في الماء وسوف تحصل على مضادٍّ للحموضة مهدئٍ للمعدة.

السؤال المطروح هو: هل يمكن أن يستفاد الجنس البشري من هذه المادة في مواجهة الاحتباس الحراري الناجم عن تلوث الغازات الدفيئة؟

مبدأ العملية

إن مبدأ العملية بسيط ويتلخص بـرشِّ مجموعة من الجزيئات في طبقة الستراتوسفير؛ مما قد يؤدي إلى تبريد الكوكب عن طريق عكس بعض أشعة الشمس. قد تبدو هذه الفكرة حديثة؛ إلا أنها مُستمدَّة من ظاهرةٍ طبيعيةٍ حدثت بالفعل عندما انفجر بركان "بيناتوبو" في الفلبين عام 1991 وأدى إلى ضخ ما يقدَّر بنحو 20 مليون طن من ثاني أكسيد الكبريت في طبقة الستراتوسفير، وأنتج هذا الثوران طبقةََ ضباب برَّدت الكوكب بنحو 0.5 درجة مئوية مدة 18 شهراً تقريباً، بعدها عاد متوسط درجة حرارة الكوكب إلى ما كان عليه قبل اختراع المحرك البخاري!

وكما أسلفنا؛ فإن فكرة خفض درجة حرارة الأرض بواسطة وسائل اصطناعية مماثلة تعود إلى عدة عقود؛ إذ تندرج ضمن فئة أوسع من العمليات المقترحة لتبريد الكوكب وهي التي تُعرف باسم "الهندسة الجيولوجية"، وقد أثارت هذه العمليات كثيراً من الجدل والمخاوف حيالها، لذا فقد اقتصر تطبيقها على النماذج الحاسوبية فقط. ترتبط إحدى المخاوف المرتبطة بالهندسة الجيولوجية بالتغييرات التي قد تطرأ على الأرض بنتيجة حجب أشعة الشمس؛ الأمر الذي سينعكس على بعض المناطق ويؤدي إلى حرمان العديد من المحاصيل التي تعتمد على أشعة الشمس على نحو رئيس أو تغيير الهطولات المطرية.

ولكن مع استمرار ارتفاع الانبعاثات وثبات توقعات المناخ السيئة؛ حازت أبحاث الهندسة الجيولوجية المزيدَ من الاهتمام بين العلماء وصانعي السياسات وعلماء البيئة؛ وذلك لتوصُّل العديد من الباحثين إلى استنتاجٍ مفاده أن الطريقة الوحيدة لمنع آثار الاحتباس الحراري الحادة ستكون إما بامتصاص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون من الجو وإما بتبريد الكوكب اصطناعياً، وربما كلاهما معاً.

مراحل العملية

إذا سارت الأمور على النحو المخطط، فإن فريق جامعة هارفارد سيكون الأول عالمياً لينقل تطبيقات الهندسة الجيولوجية الشمسية من المختبر إلى طبقة الستراتوسفير ضمنَ مشروع يسمى "تجربة الاضطراب الخاضع للرقابة في طبقة الستراتوسفير (SCoPEx)": المرحلة الأولى منه هي تجربة بتمويل 3 مليون دولار تشمل رحلتين لمنطاد قابل للتوجيه في النصف الأول من عام 2019 فوق المنطقة الشمالية الغربية من الولايات المتحدة الأمريكية، وبمجرد أن يصل المنطاد إلى المكان المطلوب سيطلق جسيمات صغيرة من كربونات الكالسيوم يبلغ كل منها قرابة 100 غرام؛ وهي كمية مماثلة لما تحويه علب مستحضرات مضادات الحموضة التجارية، بعد ذلك سيعمل المنطاد على مراقبة انتشار تلك الجسيمات.

إن الاختبار بحدِّ ذاته متواضع للغاية، وعلى الرغم من ذلك فإن التجربة ستكون أول تجربة ضمن مجال الهندسة الجيولوجية الشمسية؛ ولذلك فإنها تخضع لتدقيق شديد، بعضه يأتي من منظماتٍ بيئية انطلاقاً من كون هذه الجهود تشكل تشتيتاً خطيراً عن تطبيق الحلِّ الدائم والوحيد للتغير المناخي الذي هو تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة. وعلى بيئة هذا الاهتمام؛ فإن الفريق يتحرك ببطء ويعمل على إعداد رقابة واضحة للتجربة، في شكل لجنة استشارية خارجية لمراجعة المشروع.

يعد الستراتوسفير خياراً مثالياً لمحاولة جعل الغلاف الجوي أكثر عكساً لأشعة الشمس حيث يمكن أن تنتشر الجزيئات الصغيرة فيه وتبقى في علوٍّ مناسب مدة عامين أو أكثر، وإذا وُزِّعت بطريقةٍ مناسبةٍ في نصفَي الكرة الأرضية؛ فيمكنها أن تُشكِّل غطاءً مستقراً يحمي الكوكب كله.

ركزت معظم أبحاث الهندسة الجيولوجية الشمسية -حتى الآن- على ثاني أكسيد الكبريت؛ وهي المادة نفسها التي انبثقت من بركان بيناتوبو، لكن قد لا يكون هذا المركب الخيارَ الأفضل، فإضافة إلى تبريد الكوكب هو يؤثر في طبقة الأوزون التي تحمي الكوكب من الأشعة فوق البنفسجية الضارة، ويكون هذا التأثير بتسريع استهلاك مركبات الفريونات (الكلوروفلوروكربون) للطبقة، وكذلك يسخن ضباب الكبريتات بوجود الشمس فيؤثر في حركة الرطوبة والتيارات الهوائية على سطح الأرض؛ لذلك ستركز التجارب الأولية لفريق SCoPEx على مركب كربونات الكالسيوم الذي يُتوقَّع أن يمتصَّ حرارةً أقل من الكبريتات، لكن تأثيرها في طبقة الأوزون سيكون أقلَّ شدةً.

لم يواجه الفريق بعدُ أيةَ احتجاجات عامة أو أية معارضة مباشرة، ويتوقَّع الفريق أن يكون التحدي الأهم نابعاً من مخاوف الوكالات العلمية الممولة نظراً إلى كون الاستثمار في المشاريع المماثلة سيؤدي إلى احتجاجِ داعمي البيئة؛ لذلك يعمل الفريق على تشكيل لجنة خارجية لتقييم عمل معدات مشروع SCoPEx قبل البَدء به، وستعمل اللجنة -وهي قيد التشكيل حالياً- على مراجعة عمل المشروع وتقديم النتائج إلى عميد كلية الهندسة ونائب رئيس مجلس البحث العلمي في جامعة هارفارد.

يواجه المشروع تحديات فنية أيضاً؛ إذ يجب أن تُرشَّ الجسيمات بحجم صحيح وأن يكون قطرها قرابة 0.5 ميكرومتر كي تتشتت وتعكس ضوء الشمس جيداً، ويجب على البالون أن يكون قادراً على أن يعكس مجراه.

وقد زُوِّدت معدات SCoPEx بمعدات خفيفة الوزن يمكنها قياس حجم الجسيمات المبتعثة وعددها وجهاز ليزر لمراقبة الجسيمات وأدوات أخرى لتحديد رطوبة طبقة الستراتوسفير ومحتواها من الأوزون.

هناك كثير من الأسئلة المطروحة فيما يخصُّ هذا المشروع؛ إذ يقترح بعض الباحثين أن الهندسة الجيولوجية الشمسية يمكنها أن تغير معدلات هطول الأمطار، وأن تزيد من جفاف بعض المناطق، في حين يحذر البعض من أن احتمال الحصول على الفوائد المتوقَّعة للمحاصيل والناجمة عن حمايتها من أشعة الشمس قد لا يكون كبيراً؛ فقد أشارت دراسة نشرت في شهر آب (أغسطس) الماضي إلى انخفاض كميات محاصيل الذرة والصويا والأرز والقمح في المكسيك بعد ثوران اثنين من البراكين (بركان بيناتوبو Pinatubo) عام 1991، وبركان (إل شيكون El Chichón) عام 1982.

تبقى هذه المشاريع وغيرها موضع الدراسة لتفتح أبواباً جديدة نحو حل أكبر المشكلات التي تواجه كوكب الأرض.

المصدر: 

هنا

هنا