العمارة والتشييد > الترميم وإعادة التأهيل

الإجراءات الأولية لحماية الإرث الثقافي عقب الأزمات الجزء الأول

تسارع المجتمعات عند حدوث الأزمات والكوارث إلى حماية إرثها الثقافي وصيانته، لكنَّ المستجيبين الأوائل قد لا يكونون على علمٍ كافٍ بما هو مهم ثقافيًّا، ويفتقرون إلى التدريب اللازم غالبًا للتعامل مع المنشآت الأثرية.

ولهذا السبب تصدر منظمة "إيكروم" دليلًا يوضح الإجراءات الأولية التي يجب اتباعها في تلك الأوقات.

 

من هم إيكروم ICCROM؟

المركز الدولي لدراسة صيانة وترميم الممتلكات الثقافية (International Centre for the Study of the Preservation and Restoration of Cultural Property) ويُعَدُّ هذا المركز منظمةً حكوميةً دوليةً أُسِّست عام 1959 في روما في إيطاليا، بعد الموافقة على اقتراح الدورة التاسعة لمؤتمر اليونسكو العام الذي عُقِدَ عام 1956 في نيودلهي في الهند بإنشاء مركزٍ دوليٍّ لدراسة وتحسين طرق الترميم، ويبلغ عدد الدول الأعضاء فيها 135 عضوًا، وتهتم المنظَّمة بالمحافظة على كافة أشكال التراث الثقافي العالمي عن طريق التدريب والأبحاث وبرامج الدعم ونشر التوعية حول أهمية هذا التراث بما يضمن تطوير قطاع الترميم والحفظ.

لماذا نهتم بحماية الإرث الثقافي عند حصول أزمةٍ إنسانية؟

من الضروري حماية التراث الثقافي، لأنَّ هذا التراث يوفِّر إحساسًا بالهوية ويربط الناس مع بعضهم، ويعني بقاؤه قدرة السكان على تجاوز صدماتهم واستئناف حياتهم.

لنسترجع معًا سلوك الشعوب عقب الأزمات؛ في نيبال وبعد أقل من شهر من الزلازل المدمِّرة التي ضربت المنطقة عام 2015، عاد ميدان "دوربار" Durbar التاريخي في مدينة "كاتماندور" Kathmandu مكتظًّا بالمصلين بين أنقاض المعابد المتهدِّمة، متحدِّين الهزَّات الارتدادية وباحثين عن العزاء في استئناف حياتهم اليومية وممارسة الطقوس الدينية.

ميدان دوبار Durbar التاريخي في كاتماندور Kathmandu - نيبال

ماهي الإسعافات الأولية لحماية التراث الثقافي؟

هي الإجراءات الفورية التي تُتَّخذ لتحقيق الاستقرار والحد من المخاطر التي يتعرض لها التراث الثقافي في أثناء وبعد حالات الطوارئ، وقد يكون السبب المباشر لهذه الحالة الطارئة من صنع الإنسان أو خطرًا طبيعيًّا أو مزيجًا من الاثنين.

وتقسم إلى ثلاث خطوات:

الخطوة الأولى - تحليل الوضع:

قبل اتِّخاذ أي إجراء ميداني لحماية التراث الثقافي، يجب أخذ الوقت الكافي لتقييم الوضع وجمع المعلومات، ثمَّ تحليلها وتحديد الاحتياجات العاجلة والقدرات المتوفرة لتلبيتها.

وتساعد هذه الخطوة على تحديد موقع ومدة وحجم العملية، وقد يؤدِّي تنفيذها على نحوٍ خاطئ إلى تحديد الأولويات الخاطئة ثمَّ زيادة الأضرار.

ويؤدي هذه الخطوة الفرق والمؤسَّسات المعنية، وممثلون عن مؤسسات إدارة الطوارئ، وممثلون عن المجتمعات المحلية والمؤسسات التطوعية.

كنيسة متضرِّرة بفعل الزلزال الذي حدث في بوهول Bohol في الفيليبين عام 2013

ويشمل تحليل الوضع: جمع المعلومات وتحليلها ووضع خطة مبدئية.

1. جمع البيانات:

- تحديد المنطقة المتضرِّرة.

- تحديد نوع الأزمة التي سبَّبت هذا الضرر.

- حصر نقاط الضعف السياسية والاقتصادية التي قد تجعل التراث أكثر عرضةً للخطر ؛ كالطرقات السيئة التي قد تحد من إمكانية الاستجابة السريعة، كما حدث في مدينة حلب السورية التي تعرَّض 60% من أحيائها لخسائر جسيمة ودُمِّر 30% منها تدميرًا كاملًا، وأدَّت صعوبة الوصول إلى الموقع إلى عدم القدرة على تنفيذ إجراءات المساعدة الأولية بالسرعة المطلوبة لإنقاذ تراث حلب الثقافي.

أنقاض فندق كارلتون والمباني المحيطة به في حلب

- تحديد المرحلة الحالية للأزمة؛ هل نحن في مرحلة ما قبل الأزمة؟ أم في مرحلة اندلاع الأزمة؟ أم في مرحلة ما بعد الأزمة؟

- معرفة نوع التراث المتأثر وأهميته.

- الاطلاع على المعتقدات المحلية التي قد تؤثِّر في عملية الإسعافات الأولية (على سبيل المثال: عقب الزلزال الذي ضرب نيبال عام 2015، لم يُسمح للمهندسين الأجانب الذين لاينتمون إلى الديانة الهندوسية بالدخول إلى المعابد الهندوسية لتقييم الضرر).

- معرفة الجهة المالكة للموقع المتضرِّر؛ مؤسسة أو حكومة أو أشخاص.

- تحديد الجمعيات المحلية والتطوعية التي تستطيع تقديم المساعدة.

2. تحليل المعلومات التي جُمعت:

- تحديد المواقع الأثرية الأكثر أهمية.

- تحديد المواقع الأثرية المصابة بالضرر الأخطر.

- تقييم مدى الحاجة إلى خبراء في الموقع.

- تحضير أنواع المعدَّات اللازمة.

- تقرير الإجراءات الواجب اتخاذها للتواصل مع المؤسسات المختصَّة.

3. وضع الخطة المبدئية:

- تحديد الفترة الزمنية وتكلفة وحجم العمل الذي سيُنَفَّذ.

- تحديد مهمات ومسؤوليات كل من الأطراف المشاركة.

- الحصول على التصريحات القانونية.

- تحديد الموارد والمعدَّات اللازمة.

يؤدي التحليل الجيد للوضع إلى احتواء الضرر وتقليل المخاطر كما حدث في المتحف الوطني في كييف في أوكرانيا؛ إذ بعد اندلاع الاحتجاجات العامة في شباط عام 2014 حاصر المتظاهرون وشرطة مكافحة الشغب العديد من مؤسسات ومواقع التراث الثقافي، وبناءً على تحليل الأحداث التي في الخارج، أُخلي الطابق الأول من المتحف الوطني للفنون ونُقِلَت المعروضات اليدوية القيمة إلى مواقع آمنة قبل تحوُّل الاحتجاجات إلى أعمال شغب عنيفة وسرقات.

وبعد اندلاع الأزمة في سورية أيضًا على سبيل المثال، اتخذت المديرية العامة للآثار والمتاحف مجموعة من الإجراءت لحماية القطع الأثرية، وبدأت بعملية إغلاق المتاحف ونقل وإخفاء القطع الأثرية التي يمكن نقلها ومحاولة تأمين الحماية عن طريق أكياس الرمل والقواعد الإسمنتية لكل ما لا يمكن تحريكه، وقد كانت هذه الخطوة ضروريةً لمحاولة حماية أكبر قدر ممكن من هذه القطع الأثرية، فبعد أن عاين خبراء اليونسكو في العام 2016 متحف تدمر وجدوا أنَّ معظم التماثيل والتوابيت الحجرية التي حال وزنها دون نقلها من أجل حفظها في مكانٍ آمن قد تعرَّضت للتشويه والتحطيم.

الدمار الذي تعرَّض له متحف تدمر ومحتوياته الأثرية

الخطوة الثانية ما بعد الحدث - تقييم مخاطر وأضرار الموقع:

تهدف هذه الخطوة إلى تحديد المواقع التراثية الأهم ودرجة الأضرار التي لحقت بها عن طريق الفحص البصري الدقيق وتوثيق الخسائر وتحديد ما يمكن إنقاذه، وتأثير الكارثة في الأشخاص المعنيين وبنيتهم التحتية، لاستنتاج الإجراءات الأمنية والوقائية المطلوبة.

وتشمل هذه الخطوة التحضير وفحص الموقع لمعرفة إمكانية الوصول إليه، وتوثيق أضرار وآثار الكارثة، وتحديد الأخطار الأساسية والثانوية ونقاط الضعف، وتحليل البيانات وتوثيقها، وتحضير تقرير التقييم، وتطوير الخطة الإستراتيجية لاتخاذ الإجراءات ضمن الموقع.

-  التحضير:

عن طريق تشكيل فريق وجمع المعلومات عن وضع الموقع قبل الأزمة، وتحضير المعدَّات والتنسيق مع الجهات المعنية، وتعرُّف الهياكل الإنشائية الأساسية، وتحديد المناطق الآمنة التي يمكن العمل فيها.

- فحص الموقع:

فحص الموقع والمناطق المحيطة بالمنشأة لمعرفة إمكانية الوصول إليها، وتحديد الطرق التي يمكن استخدامها والمواقع التي يمكن العمل ضمنها.

- توثيق أضرار وآثار الكارثة على المنشأة التراثية:

تُحدَّد الأضرار على المخططات المعمارية للمبنى المتأثر، مع جمع الصور الفوتوغرافية وصور الأقمار الصناعية، ومعرفة أجزاء المبنى المتضرِّرة، والتحدُّث مع سكان المنطقة، وتسجيل الخسائر الاقتصادية.

- تحديد الأخطار الأساسية والثانوية ونقاط الضعف:

لا بُدَّ من التمييز بين الأخطار الأساسية والثانوية ونقاط الضعف، ويمكن توضيح الفرق عن طريق المثال الآتي:

عندما ضرب زلزال عام 2011 الساحل الشرقي الشمالي لـ"هونشو" Honshu أكبر جزر اليابان، تلاه تسوماني كبير وقوي غمر أجزاءًا كبيرةً من مدينة سينداي Sendai، وسبَّب الزلزال أضرارًا في السد أدَّت إلى فيضان النهر، وأسفر التسوماني عن تسرُّب النفط الذي أدَّى بدوره إلى اندلاع الحرائق.

يمكن القول أنَّ الزلزال في هذه الحالة هو الخطر المبدئي، وكل ماتلاه من فيضانات وحرائق أخطار ثانوية، أمَّا موقع اليابان الجغرافي المعرَّض للفيضانات والهزَّات الأرضية ووجود ناقلات النفط قريبًا من الساحل فهي نقاط الضعف.

اندلاع الحرائق بعد التسونامي الذي ضرب سينداي Sendai في ولاية مياجي - اليابان

- توثيق البيانات وتحليلها:

تُعَدُّ هذه المرحلة مهمةً للحفاظ على البيانات التي جُمعت من الموقع؛ إذ يؤمِّن توثيقها وتصنيفها وأرشفتها سهولة التحليل واستحضار هذه البيانات عند البدء بالعمل.

- تحضير تقرير التقييم:

تحضير تقرير اعتمادًا على المعلومات التي جُمِعت ورُصدت على أرض الواقع، ويتضمَّن تحديد أهمية المنشأة المتضرِّرة ونوع الكارثة، ووصف الضرر والخسائر وتقييم المخاطر، وتحديد الإجراءات الواجب اتخاذها في الموقع، والمصادر التي يمكن الاعتماد عليها لإجراء العمل.

- تطوير الخطة الإستراتيجية لاتخاذ الإجراءات ضمن الموقع:

تطوير الخطة المبدئية التي جُهِّزت في المرحلة الأولى (مرحلة تحيل الوضع) اعتمادًا على التقرير الخاص بتقييم المخاطر.

وتلي هذه المرحلة الخطوة الثالثة لتأمين المنشأة وتحقيق استقرارها والتي سنتعرَّف مراحلها في الجزء الثاني من مقالنا هذا.

المصادر:

1- هنا

2-هنا

3- هنا

4-هنا

5- هنا

6- هنا