كتاب > روايات ومقالات

جودي آبوت وصاحب الظلِّ الطويل

وُلِدت الكاتبة جين ويبستر في الولايات المتحدة، مُنحدرةً من عائلة معروفة وعريقة؛ إذ كانت أمُّها ابنة أخت مارك توين ووالدها شريكٌ له في دار نشر، وهذا جعل الجو الذي نشأت فيه جوَّا أدبيًا بامتياز لتنمي موهبتها الكتابية.

وكان لسفرها الأثرُ الكبير في غنى كتاباتها، وكان لاهتمامها بدُوْر الأيتام الدور الأهم في ما نشرته أيضًا؛ فقد كتبت رواية (صاحب الظلِّ الطويل) من بنات أفكارها، واستلهمت رواية (عدوي اللدود) من فكرةِ رعايةِ الأطفال المعوزين تحت غطاء قصة الحب الآسرة.

تتألف رواية (صاحب الظلِّ الطويل) من جزأين: الأول بعنوان الأربعاء الكئيب؛ الذي يحكي عن يوم الأربعاء من كل شهر في ميتم جون غرير، وهناك يأتي الأوصياء لزيارة الميتم في جولتهم المُعتادة للاطمئنان على وضع الميتم وتقديم بعض الإحسان، وفي المقابل، يجب أن يكون الميتم في حالة لمعان؛ من نظافة الأسرَّة والأرضيات والثياب والأطفال أنفسهم.

وتقع معظم مسؤوليات هذا اليوم البغيض على (جيروشا آبوت) الأكبر عمرًا بين الأيتام، ولكن في أحد أيام الأربعاء الروتينية، يحدث شيءٌ يُغيِّر حياتها إلى الأبد، فقد دعتها مديرة الميتم السيدة ليبيث بعد انتهاء جولة الأوصياء المُعتادة، ورحيلهم في عرباتهم الجميلة إلى منازلهم الريفية الواسعة المنتشرة على الجبال على مرأى جيروشا من غرفتها، فتنزل على الدرج، لتُلقي إحدى العربات ضوءًا على آخر الأوصياء الراحلين، فيمتد ظله على الجدار كاملًا، وفي العادة تكون مثل هذه الدعوة من المديرة للتوبيخ أو العقاب؛ ولكن، ليس هذه المرة!  

فتخبرها السيدة ليبيث أنَّ أحد الأوصياء -الذي لا يرغب بكشف اسمه- سيرسلها إلى الكليَّة وسيدفع أقساط الدراسة بأكملها مع راتب شهري مقابل شرط وحيد؛ هو أن تُرسل جيروشا رسالة شهرية إلى هذا الوصي، مُوجهةً لاسم جون سميث، وتحكي له عن أمور دراستها، وأن تَعُد كتابة هذه الرسائل تدريبًا أيضًا لأن تصبح كاتبة بعد التخرج، وألا تتوقَّع الرد على رسائلها سوى من أمين مكتب السيد جون سميث في بعض الأمور.

وينتهي الجزء الأول ليبدأ الثاني باسم رسائل الآنسة جيروشا آبوت إلى السيد صاحب الظلِّ الطويل؛ فيتحوَّل أسلوب القصِّ من الرواية إلى عَرْض رسائل جيروشا كما هي.

تتميَّز رسائل جيروشا بالعفوية والأسلوب البسيط، ولكنَّها مُفعمة بالعمق والتفاصيل الصغيرة التي تغدو مهمةً عند كتابتها في الوقت نفسه.

وتتساءل جيروشا تارةً عن شكل وصيِّها وتتوقَّع طِباعه والأشياء المفضلة لديه لترسمه وترسم نفسها بملابسها الجديدة مثلًا أو في أثناء تدريبها مع فريق السلة بعد انضمامها له تارةً أخرى، وهكذا تخبره عن أدِّق التفاصيل بخصوص المواد التي تدرسها وغرفتها ورفيقتي السكن سالي مكبرايد اللطيفة وجوليا بندلتن التي تنحدر من عائلة عريقة.

وتغيِّر جيروشا اسمها إلى جودي، محاولةً التعري من ماضيها في الميتم والتخلص من ذكرياتها البائسة المتعلقة بثيابها المخططة التي تأتي معونةً للأيتام وتسبب الحرج الدائم لمشاعرهم، فنجدها تقارن حيوات بنات الكليَّة بحياتها السابقة ونسبهنَّ بنسبها الضائع وطفولتهنَّ بالأيام البائسة التي عاشتها، لتعتذر فورًا عن انتقادها للميتم، وتعود إلى التزام احترام الوصي وشكرِه لِمَا وهبها من مال وفرصة لإكمال دراستها.

ولمَّا كانت جودي لا تعرف والديها ولا أقرباء لديها، ولا رغبة لها بالعودة إلى الميتم حتى في العطل، نراها تقضي معظم وقتها في القراءة لتشكِّل الكتب والروايات جزءًا هامًّا من الرسائل.

تقول جودي في إحدى رسائلها: "ولأنَّ كتابًا واحدًا لا يكفي، فأنا اقرأ أربعة كتب دفعة واحدة، فالآن مثلًا؛ أقرأ قصائد تنسين وسوق الأضاليل وحكايات بسيطة لكلينغ و-لا تسخر مني- نساء صغيرات"، وتتحوَّل أفكار جودي إلى كلمات على ورق رسائلها؛ فهي الصبية التي تتعلم علم الأحياء وتنصح صاحب الظلِّ الطويل ألا يشرب الكحول لما تسبب من أذى لكبده، وهي الطفلة التي تعتذر عن كآبة رسالتها السابقة متحججة بالتهاب البلعوم الذي أصابها وتركها طريحة الفراش مدة يومين.

وفي أحد الأيام يزور الكليَّة رجل ذو شأن، جيرفس بندلتن عمُّ جوليا الصغير، فتقتحم جوليا غرفة جودي للتوسل إليها بالذهاب معه في جولة لعدم قدرتها على التغيُّب عن تسميع السابعة، فتتولى جودي الجولة لتختبر التنزه والتحدث وشرب الشاي مع رجل واصفةً إياه: "ولكن تبيَّن أنَّه رجل عذب ولطيف، إنَّه كائن بشري حقيقي، وليس بندلتن مطلقًا"، فتعود وتخبر صاحب الظلِّ الطويل بكل ما حدث معها.

وتصبح رسائل جودي شفافةً وكأنَّها تتحدث مع نفسها، وتأتي أول عطلة صيف فيرسلُها الوصي إلى مزرعة لوك ويلو، وهي المزرعة ذاتها التي قضى جيرفس بندلتن طفولتَه فيها تحت رعاية السيد والسيدة سمبل، فتمضي عطلتها في أجواء الطبيعة وبين الحيوانات وأمسيات القرى الدافئة.

وتتوالى السنين لنشهد تغيُّر نظرة جودي إلى الحياة، فتقول: "وبصراحة بدأتُ أشعر أنَّ العالم هو بيتي، وكأنَّني أنتمي إليه حقًّا، ولست أزحف على سطحه فحسب"، ونرى تطور شخصيتها أيضًا من يتيمة مُتقبِّلة للإحسان وشاكرة له إلى إنسانة قادرة على نيل منحة دراسية وتمويل نفسها وتقرير مصيرها بدءًا من إمضاء عطلتها مع عائلةِ مكبرايد إلى قبول دعوة جوليا للذهاب إلى نيويورك واكتشافها سر السعادة في قولها: "ليست المتع الكبيرة الهائلة هي التي تُهِم، بل صُنْع كثيرٍ منها من متع صغيرة، لقد اكتشفت السر الحقيقي للسعادة يا عزيزي، ويكمن هذا في أن تعيش اللحظة، وألا تتحسر على الماضي على الدوام أو تفكِّر في المستقبل، بل أن تحصل على أكبر قدر من هذه اللحظة"

وتحمل الأيام لجودي تجارب وأشخاص جدد ومتع لا تُحصى، وتنتهي الرسائل والرواية موضِّحةً مصير جودي وصاحب الظلِّ الطويل معًا.

ومن الجدير بالذكر أنَّ الرواية تحوَّلت إلى مسلسل رسوم كرتوني ياباني من إنتاج عام 1990، مكوَّن من 40 حلقة، وقد دُبلِج إلى اللغة العربية ليرافق طفولتنا.

معلومات الكتاب:

الكتاب: صاحب الظل الطويل، نُشر باللغة الإنكليزية تحت اسم أبي طويل الساقين.

الكاتب: جين ويبستر.

ترجمة: بثينة الإبراهيم.

عدد الصفحات: 233 صفحة.

تاريخ النشر: الطبعة الأولى 2018.

دار النشر: منشورات تكوين.