الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

بين اقتصادٍ متحرر وآخر مغلق، من أثبت جدارته؟

حاولت بعض الدول في عصر العولمة التوجه نحو التكامل الاقتصادي عن طريق تحرير التجارة والقطاع المالي؛ إذ آمنت تلك الدول أن بإمكان الاقتصاد المنفتح أن يحسن ثروتها أكثر من الاقتصاد المغلق. وعرفت فترة التسعينيات من القرن الماضي أزماتٍ هزَّت الأنظمة المالية وأنظمة الصرف، وغالبًا ما كانت هذه الأزمات نتيجة التحرير المالي في دولٍ لم تكن جاهزةً له بعد؛ كأزمة الدول الآسيوية في تسعينيات القرن الماضي. من جهةٍ أخرى حققت الكثير من الدول تقدمًا اقتصاديًا مبهرًا بعد اتباع التحرير المالي، ويُعدُّ الاقتصاد التركي أكبر الأمثلة على ذلك.

ولذلك يُعدُّ التحرير المالي من أكثر السياسات المخيفة وغير المفهومة إلى يومنا هذا، ويظهر هذا جليًا في الدول التي اتبعت هذه السياسة؛ إذ تباينت نتائج تطبيقها.

لكن ما هو التحرير المالي؟

هو حالة كسر القمع المالي المطبق في دولةٍ ما، ويتضمن إزالة القيود عن المحافظ البنكية والقطاع الخارجي، وتغيير هيكل ملكيات البنوك، وزيادة المنافسة. ويشير التحرير المالي إلى التدابير التي تستهدف تخفيف الرقابة التنظيمية على الهياكل المؤسساتيَّة والأدوات وأنشطة الوكلاء في مختلف شرائح القطاع المالي أو تفكيكها، ويمكن لهذه التدابير أن تكون داخلية أو خارجية، بمعنى آخر؛ التحرير المالي هو إعطاء البنوك والمؤسسات المالية استقلالها التام وحرية إدارة أنشطتها المالية والتوجه نحو اعتماد الأدوات غير المباشرة للسياسة النقدية.

ويعدُّ التمييز بين مفهوم الانفتاح المالي والتحرير المالي أمرًا ضروريًا؛ إذ يعبِّر الانفتاح عن التحقق الفعلي لحركة رؤوس الأموال عبر الحدود دون قيود، وتمكُّن الشركات المحلية من الوصول إلى الأسواق المحلية والعالمية، وتمكين المستثمرين من الاستثمار في أي مكان؛ أي تحقق النتائج المتوقعة من إزالة القيود. في حين يعدُّ التحرير المالي الأداة المستخدمة في اتجاه الانفتاح المالي، أمَا الغاية من الانفتاح المالي هي التكامل المالي الذي يعبر عن العملية التي تجعل الأنظمة المالية بين الدول أكثر اندماجًا مع الأنظمة المالية في بقية أنحاء العالم، ويُقال عن الدول التي تطبِّق التحرير المالي بغرض الوصول إلى الانفتاح أنَّها تسعى إلى تحقيق التكامل المالي؛ فهو الهدف النهائي لما سبق، وعلى الرغم من عَدِّ التحرير أداةً للانفتاح المالي وبلوغ التكامل المالي؛ لكنه ليست أداة الكافية.

ويرى مؤيدو التحرير المالي أنه سوف يكون حافزاً لزيادة الادخار على نحوٍ طبيعي، وسيتيح تخصيص الائتمان على نحوٍ أكثر كفاءة وتوجيهَ الموارد نحو القطاعات الأكثر إنتاجيةً، ثم إنه يحسِّن البيئة المالية للشركات ويزيد إمكانية الحوكمة، ولا شكَّ أن المنافسة سوف تزداد خاصةً بالنسبة للبنوك والمؤسسات المحلية لأنها ستتعرض لمنافسة البنوك الأجنبية؛ الأمر الذي سيزيد من مستويات المعرفة والتكنولوجيا ويقلل تكاليف المعاملات.

ويؤمن التحرير من منظور المستثمر تحقيق القاعدة الاستثمارية الشهيرة التي تفيد بعدم وضع البيض في سلة واحدة، فهو ويسمح بالتنويع من جهة العائد والخطر إلى أبعد الحدود.

وفي صدد التشجيع على سياسات التحرير المالي، ناقش Stanley Fischer نائب مدير صندوق النقد الدولي في سياق سياسات التحرير المالي قائلًا: "تسهِّلُ حرية حركة رأس المال إيجاد توزيع عالمي أكثر كفاءة للمدخرات، واستخدام الموارد في قنوات أكثر إنتاجية، ومن ثمَّ زيادة النمو الاقتصادي والرفاهية".

وعلى الرغم من كل الإيجابيات التي عُرضت، فإن للتحرير المالي سلبيات أدت في أحيانٍ كثيرةٍ إلى فشل سياسة التحرير المالي، فهو يزيد المنافسة من منظور المعارضين للتحرير، لكن هذا يؤدي إلى الهشاشة المالية نتيجة النقص في الأرباح؛ فيزيد احتمال الخسارة للوسطاء الماليين، ثم إن هذه السياسة ستؤدي دورًا في جعل البنوك أكثر عرضة للاضطراب المالي نتيجة زيادة الرغبة في التوجه إلى المخاطر من أجل رفع هامش الربحية تحت ضغوط هبوط أسعار الفائدة.

ويعدُّ مؤشرChinn & Ito من أشهر مؤشرات التحرير المالي، وقد بُنيَ هذا المؤشر ليضم 105 دول على مدى الفترة الواقعة بين عامَي 1970 و1997، وحُدِّث مؤخرًا حتى العام 2014 وأصبح متوفرًا لـ 181 دولة عن طريق الموقع الخاص بالمؤشر.

يُظهر الشكل مؤشر chinn and ito لدول المؤشر في عام 2015، ويُلاحظُ فيه أنَّ أكثر الدول تحررًا هي دول أمريكا الشمالية وبعض الدول الأوروبية والآسيوية بالإضافة إلى مصر، وتحل استراليا ودول الخليج العربي والعراق في أواسط درجة التحرر المالي، وتنخفض درجة التحرير لكلٍّ من إيران وتركيا وبعض دول أمريكا الجنوبية، في حين تكون في أدنى درجاتها في معظم دول أفريقيا بالإضافة إلى سورية ودول آسيوية أخرى.

أخيرًا يمكن القول أن التحرير المالي هو الأداة التي قد تعزز تنمية القطاع المالي في ظل ظروف معينة، وعن طريق ذلك يمكن تحفيز معدل النمو النسبي للقطاعات التي تعتمد على التمويل الخارجي، ومن المهم التمييز بين الآثار المختلفة لهذه السياسة في كلٍّ من الدول النامية والناشئة والمتقدمة، ويمكن القول عمومًا أنَّ التحرير المالي سياسةٌ إيجابية تحمل في طياتها العديد من الفوائد على النمو الاقتصادي، شريطة تطبيقها وفق ما يتلاءم مع الظروف الخاصة بكل بيئة والمعطيات المتوفرة في الاقتصاد.

المصادر:

-  Eichengreen, Barry (2001). Capital Account Liberalization: What Do the Cross-Country Studies Tell Us? University of California, Berkeley
·  - Ghosh, Jayati(2005). The Economic and Social Effects of Financial Liberalization: A Primer for Developing Countries. USA: UNITED NATIONS. DESA Working Paper No. 4
·  - Le,Hong-Giang(2000).Financial openness and financial integration.Australian National University
·         Park, yung; Bae, kee(2002). Financial Liberalization and Economic Integration in East Asia. PECC Finance Forum Conference
·    - Schmukler, Sergio (2004). Benefits and Risks of Financial Globalization: Challenges for Developing Countries. World Bank: Development Research Group