اللغة العربية وآدابها > شمس القصيد

لا يُسليكَ كاليأس

تُعدُّ المقدّمة الطللية من "أكثر المقدمات انتشارًا" في مطالع قصائد الجاهليين، ولا فرق بين شعراء البادية وشعراء المدينة في أصول هذه المقدمة وعناصرها، إذ غدت تقليدًا شعريًّا تُستهلُّ بها معظم القصائد، فيصعب التمييز بين ما هو حقيقي منها وما هو متخيَّل، لكنّها تنبع من واقع ارتحال الجاهليين بحثًا عن أسباب العيش؛ إذ كان تنقُّلهم مستمرًّا يتركون وراءهم آثار ديارهم، وقد عُرِف ما برز وشخَصَ من هذه الآثار بالطلل، وما كان لاصقًا منها بالأرض فعُرِف بالرَّسم.

ويصوّر الشاعر فيها عمومًا وقوفَه على آثار ديار محبوبته، يناجيها ويسائلها مستعيدًا ذكرياته فيها وهو يواجه حاضرًا مُحزِنًا يشتدُّ فيه شوقه إلى ما مضى.

وهنا صوّر الحارث بن حلِّزة اليشكري أطلال ديار المحبوبة التي تكاد تمَّحي حتى تسللَ اليأس إلى قلبه -كما يصف في البيت- فانقطع رجاؤه وأمله في عودة الحياة إلى الديار التي تعلَّق قلبه بمَن كان فيها، وهو يرى أنْ لا سبيلَ إلى نسيانِ حُرقة الفقد وجلاءِ لوعة الحزن أفضلُ من اليأس وترك الأمل.

ويوضح الأنباري (ت: 328هـ) معنى البيت بقوله: "أي لا تسلو ممَّا في قلبك منها [يقصد الديار] حتى تيأس منها، فإذا يئستَ منها ذهب ما في قلبك". والسلوُّ: النسيان وانكشاف الهم.

فهل يستطيع اليأسُ من استعادة ما مضى أن يُنسيَ الإنسان لوعة الحب والشوق حقًّا؟    

المصادر:

[1] ابن حلِّزة، الحارث. (1991). الديوان. جمعه وحققه وشرحه يعقوب، اميل بديع. (ط. 2). بيروت: دار الكتاب العربي. ص.10. ص49.

(ونجد بيت الشاعر في ديوانه: "ويئستُ ممَّا كان يَشعَفُني"، والشَّعف: أن يقع الشيء في القلبِ فلا يذهب).

[2] سقال، ديزيره. (1995). العرب في العصر الجاهلي. (ط. 1). بيروت: دار الصداقة العربية. ص 146.

[3] الضبي، المفضل. المفضليات. (د. ت) شرح وتحقيق شاكر، أحمد وهارون، عبد السلام. (ط. 6). القاهرة: دار المعارف. ص 133.

[4] الضبي، المفضل. (1920). ديوان المفضليَّات بشرح القاسم بن محمد الأنباري. تحقيق لايل، كارلوس يعقوب. (د. ط) بيروت: مطبعة الآباء اليسوعيين. ص 264.  

[5] عطوان، حسين. (د. ت). مقدمة القصيدة العربية في الشعر الجاهلي. (د. ط). القاهرة: دائرة المعارف. ص 116.

[6] ابن منظور، محمد بن مكرم. (د. ت). لسان العرب. (ط. 2). بيروت: دار صادر.