التعليم واللغات > اللغويات

هل من الممكن أن تنتج القرود أصواتًا بشرية؟

كان الببغاء الشهير (أليكس) يَعرف أكثر من 100 كلمة، وتعلَّم (كوزيك) الفيل أن يتكلم اللغة الكورية قليلًا باستخدام طرف خرطومه مُقلدًا الطريقة التي يُصفر بها الناس باستخدام أصابعهم، لذلك من المحير أن يُصدر أقرب أبناء عمومتنا مُجرد همهمات وأصوات مختلفة.

على مدى عقود من الزمان أُلقي اللوم في عجز القرود عن إعادة إنتاج الصوت البشري على بنيتها التشريحية، ولكن تشير دراسة جديدة إلى أن قرود المَكاك -وغيرها من الرئيسيات- يمكن أن تتحدث بالفعل إذا كانت تمتلك فقط الشبكات العصبية الدماغية المطلوبة لذلك، ومن الممكن أن توفر هذه النتائجُ أدلة جديدة للمختصين في علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) والباحثين اللغويين الذين يتطلعون إلى تحديد متى تعلم البشر الكلام.

هذا يدل بالتأكيد على أن مجرى الصوت لدى قرد المكاك يمكن أن تُنتج أكثر بكثير مما كان مُفترضًا كما يقول (جون أسلانج) خبير اللغويات وعلم الأصوات في جامعة (فيكتوريا) في كندا. ويقول مؤلف الدراسة (وليام تيكومسيه شيرمان فيتش الثالث)، عالم الأحياء التطورية وعالم الإدراك في جامعة فيينا، إن السؤال عن سبب عدم قدرة القرود على الكلام يعود إلى (داروين)؛ فقد ظن (داروين) أن المجموعات الرئيسة غير البشرية لا يمكن أن تتحدث لأنها لا تملك عقولًا، ولكن بمرور الوقت يتبنى علماء الأنثروبولوجيا فكرة أن قنواتِ القرود الصوتيةَ كانت تعيقُهم؛ فقد افتقروا ببساطة إلى المرونة لإنتاج مجموعة واسعة من أحرف العلَّة (أو المتحركة) التي يتمتع بها الإنسان، وكما يقول (فيتش) فإنه إلى يومنا هذا تلك هي الإجابةُ التي تقدِّمها الكتب المدرسية.

ويظن (فيتش) ومؤلفٌ مشارك في الدراسة وهو (آصف غضنفر)، عالم الأعصاب في جامعة (برينستون)، بأن (داروين) كان مُحقًّا، لذلك درَّبوا (إميليانو)، وهو من قرود المكاك الطويلة الذيل، في مختبر (برينستون) الرئيس للجلوس على كرسي في أثناء تصوير فيديو له بالأشعة السينية وهو يأكل ويتثاءب ويلعق شفتيه ويصدر مجموعة متنوعة من الأصوات. جَمع الفريق عند تحليل لقطات الفيديو مجموعة من 99 تكوينًا مختلفًا لمجرى (إميليانو) الصوتي الذي يتدفق فيه امتداد الصوت بعد خروجه من الحنجرة، ثم يتدفق على اللسان ويخرج من الشفاه، ويقول (فيتش) إن الفريق بنى أنموذجًا لجميع الأشياء التي يمكن أن يفعلها جهاز النطق الخاص بالقرد.

استخدم الباحثون فيما بعد سلسلة من الأدوات اللغوية التي تقيسُ تكوينات الشفاه واللسان والحنجرة، ويمكن أن تُنتِج الترددات التي تتطابق مع أصوات أحرف العلَّة المختلفة. تحتوي بعض اللغات على أقل من خمسة أحرف متحركة وهو الرقم الأكثر شيوعًا، ولكنها ضرورية في الخطاب البشري. وعند حساب ما يسمى بمساحة الأحرف المتحركة عند قرد المكاك، اكتشف (فيتش) و(غضنفر) أنه يمكنه أيضًا نظريًّا على الأقل إنتاج خمسة أحرف علَّة مميزة؛ أي ما يعادل تقريبًا الأحرف A وE وI وO وU في اللغة الإنكليزية.

وأخيرًا أدخل الباحثون تكوينات مجرى الصوت الخاص بـ(إميليانو) في برنامج كمبيوتر يحاكي إنتاج حرف متحرك وساكن مع إعطاء إعدادات تشريحية مختلفة، واختاروا عبارة من شأنها أن تُظهر مجموعة كبيرة من الأحرف المتحركة (هل تتزوجيني؟) وأرسلوها عبر محاكاة مجرى القرد الصوتي. يبدو صوت القرد مقارنةً بصوت الإنسان رتيبًا وأجشًّا، لكن الكلمات واضحة ومفهومة (يمكنكم السماع بالدخول إلى المصدر).

وفقًا لما أورده الباحثون في مجلة Science Advances تشيرُ النتائج إلى أنه من الناحية التشريحية قرودُ المكاك مجهزة جيدًا لإنتاج خطاب بشري، ولأن بنيتها التشريحية الصوتية تشبه تقريبًا القرود ومعظم الثدييات الأخرى فإن هذه الحيوانات جاهزة للكلام.

خلص (فيتش) إلى أن القردة تفتقر إلى السيطرة العصبية على عضلات المجرى الصوتي لتكوينها على نحو صحيح من أجل النطق، ويضيف إنه لو كان يتحكم بهذه العضلات دماغٌ بشري، لتمكنت القردة من التحدث. ومع ذلك لا يزال هناك بعض الغموض الذي يلف قدرة الحيوانات الأخرى على إنتاج خطاب بدائي على الأقل.

يقول (فيتش) إنه في مرحلة ما على مدى ثمانية ملايين عام أو نحو ذلك منذ أن ابتعدنا عن الشمبانزي -وهو أقرب أقربائنا التطوريين الأحياء- اكتسبت العقول البشرية قدرة كبيرة للسيطرة على مجرى الصوت، ويضيف إن علماء الأنثروبولوجيا الذين يبحثون في سجل المستحاثات عن أدلةٍ على الوقت الذي تعلَّم فيه أسلافنا من البشر الكلام يهدرون وقتهم؛ لأن بنية جهاز النطق لدى جميع الأجداد تمكنهم من الكلام، وبدلًا من ذلك يجب التركيز على العوامل الوراثية مثل جين FOXP2 المعروف بأنه ضروري لتطور الكلام واللغة تطورًا سليمًا ولمعرفة متى اكتسب البشر القدرة على الكلام.

يقول (دان ديديو)، عالم النفس في معهد (ماكس بلانك) للغويات النفسية في (نيميخن) في هولندا، بأن نتائج الدراسة تفتح أبوابًا جديدة لدراسة اللغات الحديثة أيضًا، وهو يعتقد أن الاختلافات الطفيفة على مستوى السكان في بنية جهاز النطق يمكن أن تفسِّر سبب اختلاف اللغات في الخصائص اللفظية والصوتية، ويقول إنه حتى مجرى القرد الصوتي يمكنه دعم اللغة المنطوقة، لكن تفاصيله الدقيقة (أي بنيته التشريحية) قد تحدد نوع اللغة المنطوقة التي تخرج بالفعل، ويضيف إنه يفكر في إضافة مجرى صوتي خاص بالقرود إلى عمليات المحاكاة التي يجريها ليرى ما النتيجة التي سيتوصل إليها.

المصدر:

هنا

هنا