الغذاء والتغذية > التغذية والأمراض

الموز والداء السكري بين المحاذير الشعبية والحقائق العلمية!

ينتمي الموز إلى الجنس النباتي (Musa)، ويعد بطعمه اللذيذ وقوامه اللين وقيمته الغذائية العالية أحد أكثر المحاصيل الغذائية أهميةً للعديد من الشعوب حول العالم، ويتوفر بأحجام مختلفة، وبألوان تتدرج بين الأخضر والأصفر، وقد تناولنا فوائده العامة في مقالٍ سابق www.syr-res.com/article/7014.html

وعلى الرغم من شعبيته الكبيرة ومنافعه المعروفة، يبقى الموز واحدًا من الأغذية المثيرة للجدل لدى مرضى السكري ويعود ذلك أساسًا إلى مذاقه الحلو، فهل بُنيَت تلك المخاوف على أسس علمية صحيحة؟ وهل تنطبق على جميع أنواع الموز، أم أنَّ هنالك استثناءات خاصة بمرضى السكري؟

لنتعرّف الجواب علينا أن نستكشف مكونات الموز ونتعرَّف علاقتها مع الداء السكري:

عمومًا يحتوي الموز على كميةٍ جيدةٍ من الكربوهيدرات التي يختلف نوعها حسب درجة النضج، كذلك الأمر فيما يخص الألياف، وهما المكونان الأكثر تأثيرًا في إمكانية استهلاك الموز من قبل مرضى السكري.

فيما عدا ذلك، يُعرف عن الموز غناه بالعناصر المعدنية والفيتامينات وأهمها البوتاسيوم والفيتامين C والفيتامين B6، وتوفر موزة متوسطة واحدة قرابة 12% و17% و20-33% من تلك المغذيات الصغرى على التوالي. كذلك يحتوي على مضادات الأكسدة هنا والمواد الكيميائية النباتية Phytonutrients هنا التي ترتبط بتحسين المزاج وخفض الأمراض القلبية أيضًا.

وفيما يأتي نستعرض معًا أهم خصائص المكونات المؤثرة في مرضى السكري:

1- الكربوهيدرات:

تحتوي موزة واحدة متوسطة الحجم على قرابة 100 كالوري، معظمها من الكربوهيدرات، وتكون الكربوهيدرات في الموز الأخضر على شكلين؛ هما النشاء المقاوِم Resistant starch والبكتين Pectin اللذان يشكلان نسبة 70 - 80% من الوزن الجاف. ويسهم البروتوبكتين (وهو الشكل الطليعي غير الذواب لمركب البكتين) في منح الموز الأخضر شكله وتركيبه البنيوي. ومع مرور الزمن، تتحول النشويات والكربوهيدرات المعقدة هذه تدريجيًا إلى سكريات ومركبات أبسط؛ أهمها السكروز والغلوكوز والفركتوز، والبكتين. ويترافق ذلك بدخول الثمرة في طور النضج ويتبدَّل لونها إلى الأصفر، وهو ما يفسّر كونها حلوة المذاق في هذه المرحلة.

2 - الألياف:

تصل نسبة الألياف في الثمرة الواحدة إلى 3.1 غ، ونظرًا لقدرة النشاء المقاوم الموجود في الموز الأخضر على مقاومة عمليات الهضم في الأمعاء؛ فإنه يصنَّف مع الألياف غير الذوابة Insoluble fibre والقابلة للتخمر Fermentable، إذ يعبر الأمعاء الدقيقة إلى الغليظة ويتخمّر هناك بفعل البكتيريا النافعة التي تقطن جهازنا الهضمي، فتتشكل أحماض دهنية قصيرة السلسلة؛ مثل البيوتيرات Butyrate، ذات التأثير الإيجابي في الصحة المعوية.

من جهةٍ أخرى، يحتوي الموز على ألياف ذوابةٍ Soluble fiber تتمثل على نحو أساسي بالبكتين الذواب الذي تزداد نسبته تدريجيًا عند مع زيادة درجة نضج الموز، ويعدُّ ذلك طبعًا المسؤول الرئيس عن طراوة الموز كلما زادت فترة تخزينه.

وعمومًا يبدو من التفاصيل السابقة أنَّ محتوى الموز من السكريات مرتفع نسبيًا؛ لكن هل يستوجب ذلك ضرورة استبعاده نهائيًا من الحمية الغذائية لمرضى السكري؟ وماذا عن المؤشر الغلايسيمي؟

يُستخدَم المؤشر الغلايسيمي (glycemic index (GI مؤشرًا لقياس سرعة الأغذية في رفع مستوى سكر الدم بعد تناول الطعام، ويُقاس بالمدى بين 0 و100. ويمكن لمرضى السكري استخدام المؤشر الغلايسيمي لمعرفة تأثير غذاء ما في نسبة غلوكوز الدم لديهم، وتعدُّ الأغذية ذات المؤشر الغلايسيمي الأقل من 55 آمنة لمرضى السكري بكميات مدروسة.

ويختلف المؤشر الغلايسيمي للموز حسب درجة نضجه، إذ تكون قيمته 30 تقريبًا في الثمار الخضراء القاسية، وترتفع إلى قيمة تتراوح بين 42 و58 في الثمار الناضجة الطرية.

ويدل ذلك على أن الموز ليس بالضرورة غذاءً محظورًا على مرضى السكري، بل على العكس، يساعد استهلاكه في فترة ارتفاع محتواه من الألياف؛ أي قبل تقدمه في النضج، على تقليل الشهية وإطالة الشعور بالشبع، مما يجنب المريض زيادة الوزن، كذلك تحول هذه الألياف دون ارتفاع مستويات سكر الدم لدى المريض على نحو مفاجئ، وذلك بسبب انخفاض المؤشر الغلايسيمي كما ذُكر أعلاه.

من جهةٍ أخرى، تعمل الألياف على تغذية البكتيريا المفيدة (البروبيوتيك) في الأمعاء وتُشجِّعها على النمو وتحسين صحة الجهاز الهضمي والوقاية من سرطان القولون، كذلك يسهم كل من البكتين والنشاء المقاوم الموجودَين في الموز الأخضر في التحكم بنسبة السكر في الدم بعد الوجبات.

خطوات آمنة لاستهلاك الموز من قِبل مرضى السكري:

1 - اختيار الموز غير الناضج (الأخضر): فهو يحتوي على النشويات الصعبة الهضم ويفتقر إلى السكريات البسيطة.

2 - حساب الحصص النشوية في كل وجبة: من الضروري اتباع هذه الخطوة عند تخطيط حمية مرضى السكري، إذ تحتوي موزة واحدة متوسطة الحجم على 30 غ تقريبًا من النشويات، وهي كميةٌ تلائم وجبةً خفيفةً، أما عند إرفاقها بمصدرٍ نشويٍّ آخر؛ مثل التوست أو الخبز، فلا بدَّ من أخذ جميع تلك النسب  بالحسبان وموازنة الكمية المتناولة لتجنب تجاوز الحدود المسموح بها.

3 - الجمع مع العناصر الغذائية الأخرى: يسهم تناول الموز مع مصدر للبروتينات؛ مثل اللبن الرائب، أو مصدرٍ للدهون الصحية؛ مثل زبدة الفستق أو حفنة من المكسرات، في ضبط سكر الدم، فضلًا عن كون ذلك المزيج اختيارًا مميزًا لوجبة متوازنة وصحية.

4 - اختيار ثمرة صغيرة الحجم: يمكن التحكُّم بكمية السكر المتناولة عن طريق اختيار الثمار الأصغر حجمًا، إذ تحتوي موزة صغيرة بطول 16 سم (قرابة 6-7 إنشات) على 23 غ من الكربوهيدرات، بينما تبلغ كميته في الموزة الكبيرة 35 غ.  

هل توجد للموز آثارٌ جانبية؟

قد يسبب الموز بعض الآثار الجانبية المزعجة لبعض الأشخاص؛ مثل الانتفاخ والغازات والإمساك، إضافةً إلى بعض الأعراض التحسسية لدى الأشخاص الذين يعانون حساسية المطاط Latex، إذ يحتوي الموز -وخصوصًا الأخضر- على بروتينات مثيرةٍ للحساسية مشابهةٍ لتلك الموجودة في المطاط، وتُعرَف هذه الحالة بمتلازمة Latex-fruit.

أخيرًا، نوجه خطابنا إلى مرضى السكري الذين يجب أن يحرصوا على امتلاك الوعي الكافي تجاه صحتهم، وليعلموا أن من حقهم الاستمتاع بالأغذية التي يفضلون ومشاركتها مع مَن يحبون، لكنْ باتباع بضع خطوات بسيطةٍ تضمن لهم تحقيق الفائدة والتوازن. وليتذكروا دائمًا أن معظم ما يسمعونه قد لا يكون صحيحًا، لذا فإن من واجبنا وواجبهم تحرِّي الإشاعات ودحضها بالحقائق العلمية المثبتة!

المصادر:

هنا

هنا

هنا