علم النفس > الصحة النفسية

السرطان والصحة النفسية - الجزء الثاني

تناولنا في الجزء الأول من هذا المقال إمكانية تسبُّب الشدة النفسية بالإصابة بالسرطان؛ فقد اختلفت الأبحاث الحديثة بوجود هذه العلاقة أو عدم وجودها، وتناولنا أيضًا الآثار النفسية التي يتسبَّب بها مرض السرطان في المصاب به، إضافة إلى تأثيرات الاضطرابات النفسية في سير المرض التي كان أهمها وجود علاقة محتملة بين الاضطرابات النفسية وارتفاع خطر معاودة ظهور المرض وانخفاض معدل البقاء على قيد الحياة وزيادة قدرة الورم على النمو والانتشار، والانخراط في سلوكيات محفوفة بالمخاطر.

وكما ذكرنا في الجزء الأول؛ فإن بعض مراحل الإصابة بالسرطان التي تسبب الشدة النفسية (بحسب الشبكة الوطنية الشاملة للسرطان):

  • الاشتباه بأعراض الإصابة بالسرطان.

  • تشخيص السرطان.

  • انتظار العلاج.

  • تغيير العلاج أو نهايته.

  • الخروج من المستشفى.

  • النجاة من السرطان.

  • فشل العلاج.

  • عودة ظهور المرض أو تطوره.

  • وصول المرض إلى مرحلة متقدمة.

  • القرب من نهاية الحياة.

دعونا الآن نُفصِّل في مرحلة النجاة من السرطان..

يترك السرطان وعلاجُه -في بعض الأحيان- ندبات وتغيرات جسدية ونفسية يمكن أن تكون آثارها طويلة الأمد، فبعض الناجين من السرطان يعانون أعراضَ الاكتئاب والقلق واضطراب إجهاد ما بعد الصدمة post-traumatic stress disorder.

فما المشكلات النفسية والاجتماعية التي يتعرض لها الناجون من السرطان؟

1. الخوف من عودة ظهور السرطان: إذ أظهرت الإحصاءات أن تسعةً من كل 10 مرضى يخشون عودة ظهور السرطان لديهم من جديد على الرغم من أن هذا الخوف يميل إلى الاختفاء مع مرور الوقت، فإن بعض الأحداث (مثل متابعة الزيارات الطبية، والألم غير المبَرَّر، والمشاهد والروائح المرتبطة بالعلاج) يمكن أن تؤدي إلى نوبات من القلق والخوف تُماثل تلك التي عاناها المريض في أثناء فترة الإصابة والعلاج.

2. التعب: أحد الآثار الأكثر شيوعًا لعلاج السرطان هي نقص الطاقة المستمر أو الإرهاق العام. والمبدأ التوجيهي العام هو أن كل شهر من علاج السرطان سيستغرق شهرًا لاستعادة مستويات الطاقة السابقة. ولكن في بعض الحالات قد يستغرق الأمر وقتًا أطول.

3. متلازمة داموقليس Damocles syndrome: قد يصبح بعض الناجين من السرطان خائفين للغاية بشأن ما قد يصيبهم في المستقبل بحيث لم يعد بإمكانهم الاستمتاع بالحياة كما في السابق. وأيضًا قد يواجه البعض صعوبة في اتخاذ القرارات الرئيسة المتعلقة بالحياة كالزواج أو تغيير الوظيفة. وغالبًا ما يُشار إلى هذا الخوف الذي لُوحظ أول مرة لدى الناجين من سرطان الطفولة باسم "متلازمة داموكليس"؛ فوفقًا للأسطورة اليونانية لم يستطع داموكليس الاستمتاع بالولائم الممدودة أمامه بمجرد إدراكه وجود سيف معلَّق فوق رأسه قد يسقط عليه في أية لحظة.

4. قدَّرت الدراسات أن ما يصل إلى ثلث الناجين من السرطان قد يعانون أعراضَ اضطراب إجهاد ما بعد الصدمة post-traumatic stress disorder

5. التغيرات الإدراكية: قد تستمر المشكلات المتعلقة بالانتباه والتركيز والذاكرة -التي يُشار إليها أحيانًا باسم "المخ الكيميائي"- عدة أشهر بعد انتهاء العلاج الكيميائي. ويعد بعض المرضى أكثر عرضة من غيرهم لحدوث هذه المشكلة لأسباب وراثية ربما؛ فقد وجدت إحدى الدراسات أن المشكلات الإدراكية بعد العلاج كانت أكثر احتمالًا لدى المرضى الذين لديهم نسخة معينة من جين apolipoprotein المعروف باسم APOE4 (الذي يزيد أيضًا من خطر الإصابة بمرض ألزهايمر)، ومن المحتمل أيضًا أن تكون بعض الأدوية أكثر سمِّية لخلايا المخ من غيرها، أو أن مجموعة من العوامل المتعددة قد تسهم في حدوث هذه المشكلات.

6. الشعور بالذنب التالي للنجاة من السرطان: يعود ذلك إلى وفاة أحد المرضى الذين كان قد تعرف إليهم الناجي من السرطان في أثناء فترة العلاج أو في مجموعات الدعم النفسي للمرضى، وعلى الرغم من أن الناجي قد يكون ممتنًّا للبقاء على قيد الحياة، إلا أنه قد يشعر بالذنب لأنه نجا ولم يتمكن أصدقاؤه من ذلك.

تعتمد كيفية تأثير هذه التحديات -المفروضة على الناجين من السرطان- على مجموعة من العوامل متضمنة العمر والأداء النفسي العام ومهارات التأقلم والدعم الاجتماعي ونوع السرطان وشدَّته.

كيف يمكن للأشخاص الذين يعانون السرطان والناجين منه تعلُّم كيفية التعامل مع الشدات النفسية؟

يمكن أن يساعد الدعم العاطفي والاجتماعي المرضى على تعلم كيفية التغلب على الشدة النفسية. ويمكن أيضًا أن يقلل هذا الدعم من مستويات الاكتئاب والقلق والأعراض المرتبطة بالمرض والعلاج بين المرضى. تشمل مناهج الدعم النفسي والاجتماعي ما يأتي:

إن الإقرار بأن نسبة عالية من مرضى السرطان يعانون أعراضًا عاطفية (مثل القلق والمزاج العصبي والإحباط) أو أمراض نفسية (مثل الاكتئاب الشديد واضطراب إجهاد ما بعد الصدمة) مهم للغاية لمقدمي الرعاية السرطانية من أجل تقديم رعاية متكاملة وشاملة لمرضى السرطان؛ فقد أُثبِتَت -بالدليل العلمي- فوائد توفير الرعاية النفسية الاجتماعية لمرضى السرطان وعائلاتهم بوصفها جزءًا من الرعاية القياسية في الحد من الشدة النفسية والأمراض النفسية والاجتماعية المرتبطة بالسرطان وفي تعزيز نوعية حياة أفضل في أثناء العلاج وبعده، وفي النهاية زيادة فرصة البقاء على قيد الحياة. وعلى الرغم من تأييد الأبحاث أهمية تسليط الضوء على الصحة النفسية لمرضى السرطان؛ إلا أن المشكلات النفسية والاجتماعية لدى مرضى السرطان لا تلقى الاهتمام الواجب. فيميل مختصو العناية بالسرطان إلى الخلط بين الاكتئاب السريري (الشعور باليأس والعجز وانعدام القيمة أو الرغبة بالانتحار) أو اضطرابات القلق (تجنب العوامل المسببة للرهاب والهياج والقلق المستمر) مع الحزن الطبيعي، مع الاعتقاد الخاطئ بأنه "من الطبيعي أن يشعر المريض بالحزن أو القلق بسبب السرطان ". والنتيجة هي أن المشكلات النفسية التي يعانيها 30-40٪ من مرضى السرطان لم تشخَّص من قبل الأطباء ولم تُعالج.

بالإضافة إلى الحرص على تقديم الرعاية النفسية لمرضى السرطان، على المؤسسات النظر في سياق البيئة الأسرية والعوائق الديمغرافية الاجتماعية (كالأبوة الوحيدة، دخل الأسرة المتدني)، والتي قد تشكل خطرًا أكبر للاضطراب النفسي بين الأطفال الذين يعانون من المرض  وتزيد من التأثير السلبي على التكيف الأسري.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا