الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

5 نظريات اقتصادية حازت جائزةَ "نوبل" يجب معرفتها

خمس نظريات اقتصادية حازت جائزة "نوبل" يجب معرفتها:

مُنحت جائزة (Sveriges Riksbank) في العلوم الاقتصادية -المعروفة بجائزة ألفريد نوبل- 44 مرة إلى 71 من الفائزين الذين بحثوا واختبروا العشرات من الأفكار الرائدة.

وفيما يأتي خمس نظريات اقتصادية حازت هذه الجائزة، والتي من المهم الاطلاع عليها؛ لِما كان لها من أثر كبير في مجالات حياتنا اليومية..

1- إدارة موارد البُركة المشتركة (Management of common pool resourses)

( إدارة المشاعات):

في عام 2009م، أصبحت إلينور أوستروم (Elinor Ostrom) -أستاذة العلوم السياسية في جامعة إنديانا- أولَ امرأة تحصل على الجائزة؛ إذ تلقَّتها "لتحليلها الحوكمة الاقتصادية وخصوصًا في المشاعات".

وأظهرت أوستروم (ostrom) في أبحاثها كيف تعمل المجموعات معًا لإدارة الموارد المشتركة مثل إمدادات المياه، والأسماك، وسرطانات البحر، والمراعي، من خلال حقوق الملكية الجماعية. وأظهرت أيضًا أنَّ نظرية غاريت هاردن (Garrett Hardin) الشائعة في علم البيئة -وهي "مأساة المشاعات"- ليست النتيجة الوحيدة الممكنة أو النتيجة الأكثر احتمالًا عندما يتشارك الناس في مورد ما.

إذ تقول نظرية هاردن (Hardin) أنَّ الموارد المشتركة يجب أن تكون مملوكة من قبل الحكومة أو مقسَّمة إلى أقسام للقطاع الخاص لمنع استنزاف هذه الموارد عن طريق الاستخدام المُفرط، وتقول أيضًا أنَّ كلَّ فرد مستخدِم سيحاول الحصول على أقصى فائدة شخصية على حساب المستخدِمين الآخرين لاحقًا.

ولكنَّ أوستروم (Ostrom) أوضحت أنَّه يمكن إدارة الموارد المشتركة بفاعلية على نحو جماعي، وبدون سيطرة حكومية أو خاصة ما دام أنَّ مَن يستخدمون المورد هم قريبون منه فعليًّا، ولهم علاقة بعضهم مع بعض، ولأنَّ الغرباء والوكالات الحكومية قد لا يفهمون الظروف المحلية، وعلاقتهم ضعيفة مع المجتمع؛ ممَّا ينتج عنه إدارة ضعيفة للمورد المشترك.

وبالمقارنة، فإنَّ المجتمع الداخلي الذي أُعطي الحقُّ بإدارة الموارد سيحكُم بنفسه لضمان أنَّ كلَّ المشاركين يتَّبعون قواعد المجتمع.

2-  الاقتصاد السلوكي (Behavioral Economics):

ذهبت جائزة عام 2002م في الاقتصاد إلى عالم النفس دانييل كانيمان (Daniel kahneman)؛ وذلك "لدمجه نظريات من علم النفس مع العلوم الاقتصادية؛ وخصوصًا فيما يتعلَّق بالحكم البشري وصنع القرارات في ظلِِّ عدم اليقين".

وأظهر كانيمان (kahneman) أنَّ الناس لا يتصرَّفون دائمًا بطريقة عقلانية كما تقول نظرية تعظيم المنفعة المتوقَّعة، ويُعَدُّ هذا المفهوم حاسمًا في مجال الدراسة المعروفة باسم "التمويل السلوكي".

وأجرى كانيمان (kahneman) أبحاثه بالمشاركة مع أموس تفرسكي (Amos Tversky)، ولكنَّه لم يتأهَّل للحصول على الجائزة؛ ذلك أنَّه توفي في عام 1996م، والجائزة لا تُمنح بعد وفاته.

وقد عرَّف كلٌّ من كانيمان (kahneman) وتفرسكي (Tversky) العديدَ من التحيُّزات المعرفية الشائعة التي تتسبَّب للناس في اتخاذ قرارات غير عقلانية بعيدة عن المنطق، ومن هذه التحيُّزات: الإرساء أو الإرتكاز (Anchoring)؛ والذي يُشير إلى إمكانية اتخاذ الأشخاص قرارات بناءً على معطيات غير منطقية، إضافة إلى مغالطة التخطيط (Planning fallacy)؛ والتي تُشير إلى عدم القدرة على تقدير حالة الخطر جيِّدًا، وكذلك وهم السيطرة (illusion of control)؛ والذي يُشير إلى مبالغة الأفراد في تقدير قدرتهم على التحكُّم في زمام الأمور.

وكان بحثهما الموسوم ب "نظرية الاحتمال: تحليل القرار في ظلِّ وجود الخطر" واحدًا من أكثر الأبحاث شهرةً في الاقتصاد، وأوضحت نظرية الاحتمال خاصتهما كيف يتَّخذ الأشخاص قراراتهم في حالة عدم التأكُّد، ومن ثمَّ كيف تؤثِّر التحيُّزات السلوكية في هذه القرارات، والتي عادةً ما تؤدِّي العواطف والمشاعر الأثرَ الكبير فيها؛ على سبيل المثال، لاحظت أبحاث "كانيمان وتفرسكي" أنَّ الأشخاص يبذلون -عادةً- مزيدًا من الجهد من أجل توفير بضعة دولارات في عملية شراء صغيرة أكثر من تلك التي يبذلونها لتوفير المبلغ نفسه في عملية شراء كبيرة.

3- عدم تماثل المعلومات (Asymmetric Information):

في عام 2001م، فاز كلٌّ من جورج أكرلوف (George A. Akerlof)، ومايكل سبينس (A. Michael Spence)، وجوزيف ستيغليتز (Joseph E. Stiglitz) بالجائزة؛ "لتحليلاتهم الأسواق المالية في ظلِّ عدم تماثل المعلومات".

وأظهر الثلاثي أنَّ النماذج الاقتصادية التي تستند إلى معلومات كاملة لدى طرفَي المعاملة المالية -البائع والمشتري- غالبًا ما تكون مضلِّلة؛ أي أنَّ أحد أطراف الصفقة غالبًا ما يمتلك معلومات أكثر من الطرف الآخر.

وأوضح أكرلوف (Akerlof) ذلك حين تحدَّث عن سوق السيارات المستعملة في مقاله "سوق الليمون: عدم اليقين بالجودة وآلية السوق" في مجلة أكرلوف (Akerlof) عام 1970م؛ إذ يُطلق الأمريكيون لفظ "الليمون" على السيارات الرديئة النوع، وفي هذا السوق -تحديدًا- قد يعلم البائع أكثر من المشتري عن جودة السيارات ويحتفظ بهذه المعلومات لنفسه؛ ما قد يخلق سوقًا مع عديدٍ من الخيارات الخاطئة.

أمَّا بحث سبينس (Spence)؛ فقد ركَّز على تبادل الإشارات (signaling) أو كيفية نقل المعلومات من الأشخاص الأكثر خبرة في السوق إلى الأشخاص الأقل خبرة؛ على سبيل المثال، أوضح كيف يمكن -للمتقدِّمين إلى وظيفة- استخدام التحصيل العلمي بوصفه إشارةً لأصحاب العمل عن إنتاجيتهم المحتملة، وكيف يمكن للشركات أن تشير إلى ربحيتها للمستثمرين عن طريق إصدار أرباح الأسهم.

أمَّا عن ستيغليتز (Stiglitz)؛ فقد أوضح كيف يمكن لشركات التأمين معرفة العملاء الذين يشكِّلون خطرًا أكبر عند تحمُّل نفقات عالية (يُطلق على هذه العملية "الفحص screening") عن طريق تقديم مجموعات مختلفة من العروض والأقساط.

4-  نظرية اللعبة (Game Theory):

منحت الأكاديمية جائزةّ عام 1994م لجون هارسني (John C. Harsanyi)، وجون ناش (John F. Nash)، ورينهارد سلتن (Reinhard Selten)؛ "لتحليلهم الرائد للتوازن في نظرية الألعاب غير التعاونية".

والألعاب غير التعاونية هي الألعاب التي يُجري فيها المشاركون اتفاقاتٍ غير ملزمة، ويبني كلُّ مشارك قراراته بناءً على توقُّع تصرُّف المشارك الآخر دون أن يعرف كيف سيتصرَّف فعليًّا.

وتُعَدُّ نظرية "الألعاب غير التعاونية" فرعًا من فروع "نظرية اللعبة"، وشرحها ناش بالتفصيل في رسالة الدكتوراه خاصته عام 1950م.

كانت إحدى أهم مساهمات ناش هي "توازن ناش (Nash Equilibrium)"؛ وهي طريقة للتنبُّؤ بنتائج الألعاب غير التعاونية وتعتمد على التوازن، وقد توسَّع بأبحاثه المبكرة فيها عن الألعاب ذات اللاعبين فقط، والمجموع الصفري (مجموع الأرباح في نهاية اللعبة صفر).

وتُستخدم تطبيقات هذه النظرية على نطاق واسع في الاقتصاد -كما هو الحال في تحليل احتكار القلَّة ونظرية التنظيم الصناعي- وقد ألهمت مجالات جديدة أخرى من الأبحاث والدراسات.

5- نظرية الخيار العام (Public Choice Theory):

حصل جيمس بوكانان (James M. Buchanan Jr) على الجائزة في عام 1986م؛ "لتطويره القواعد التعاقدية والدستورية لنظرية صنع القرار الاقتصادي والسياسي".

إنَّ مساهمات بوكانان (Buchanan) الرئيسية -في نظرية الاختيار العام- تجمع رؤى من العلوم السياسية والاقتصاد، لشرح كيف تتَّخذ الجهات الفاعلة في القطاع العام (مثل السياسيين والبيروقراطيين) القرارات.

وأوضح أنَّه على عكس الحكمة التقليدية التي تتصرَّف فيها الجهات الفاعلة في القطاع العام لصالح المصلحة العامة (كالموظَّفين الحكوميين)؛ فإنَّ السياسيين والبيروقراطيين يميلون إلى العمل من أجل مصلحتهم الذاتية، تمامًا مثل الجهات الفاعلة في القطاع الخاص (كالمستهلكين ورجال الأعمال).

على سبيل المثال، بدلًا من السماح بإنفاق العجز (وهو الإنفاق الذي يحدث كلَّما تجاوزت نفقات الحكومة إيراداتها في أثناء فترةٍ مالية؛ ممَّا يضخِّم رصيد ديون الحكومة) -والذي يحفِّز القادة السياسيين للمشاركة فيه؛ لأنَّ كلَّ برنامج تموِّله الحكومة يكسَب فيه السياسيين دعمًا من مجموعة من الناخبين- يمكن فرض قيود دستورية على الإنفاق الحكومي؛ ممَّا يعود بالنفع على عامة الناس عن طريق الحدِّ من العبء الضريبي.

ووضع بوكانان (Buchanan) نظريتَه -التي حازت الجائزة- في الكتاب الذي شارك في تأليفه مع جوردون تولوك (Gordon Tullock) في عام 1962م "حساب التفاضل والتكامل: أُسس منطقية للديمقراطية الدستورية".

ولا بُدَّ من ذكر أنموذج بلاك - سكولز(Black-scholes Theorem) إلى جانب هذه النظريات؛

إذ فاز كلٌّ من روبيرت ميرتون (Robert Merton)، ومايرون سكولز (Myron Scholes) بجائزة نوبل في الاقتصاد عام 1997م على أنموذج بلاك - سكولز؛ وهو أنموذج مهم وأساسي في النظرية المالية الحديثة، يمكن الاستفادة منه في حساب تسعير الخيارات المالية الأوروبية وخيارات الأسهم.

وعلى الرغم من أنَّ هذا الأنموذج قد يكون معقَّدًا قليلًا؛ ولكن يمكن للمستثمرين استخدام حاسبة الخيارات عبر الإنترنت للحصول على النتائج عن طريق إدخال سعر التنفيذ للخيار، وسعر السهم الحالي، ومدَّة صلاحية الخيار، والتقلُّب (التذبذب)، وسعر الفائدة الخالي من المخاطر.

وساهم فيشر بلاك (Fisher Black)  في النظرية أيضًا، لكنَّه لم يستطع الحصول على الجائزة لأنَّه توفِّي في عام 1995م.

وأخيرًا، لا بدَّ أنَّ كلَّ الفائزين بجائزة نوبل في الاقتصاد -حتى التذكارية منها- قد قدَّموا مساهمات ونظريات قيمة في هذا المجال تستحق الخوض فيها أيضًا، والتي يمكن التعرُّض لها في مقالات قادمة..

المصادر : 

1- هنا

/p>