الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

شركات الخدمات الاحترافية وآلية عملها

شركات الخدمات الاحترافية:

توجد شركات الخدمات الاحترافية في العديد من الصناعات والمهن المختلفة؛ إذ تشمل المحاماة، والتسويق، والهندسة، والمحاسبة، والتدقيق، والعديد من المهن الأخرى، ويمكن التعبير عنها بأنَّها أيَّة شركة أو منظَّمة تقدِّم خدمات تخصُّصية للعملاء، يعتمد جوهرها على معرفة الشركة أو المنظَّمة وخبرتها، مقدِّمةً الخدمة في هذا التخصُّص أو المجال.

وفي كتابه "إدارة الخدمات الاحترافية" يقارن -ديفيد مايستر- شركات الخدمات الاحترافية بمتجر حرفي في العصور الوسطى، فيقول: "الحال اليوم كما هو في العصور الوسطى؛ هناك المتدرِّبون (المبتدؤون أو الموظفون الجدد)، والمهاريون (المديرون من المستوى المتوسط أو المهنيون ذوو الخبرة)، والحرفيون المتمرِّسون (الإدارات العليا وكبار الشركاء)".

ويُطلق البعض على هذه المستويات الثلاثة اسم "المطاحن"، و"العقول"، و"الباحثون" على التوالي.

وتستخدم معظم شركات الخدمات الاحترافية نظامًا معيَّنًا لتعظيم ربحيَّتها؛ فمثلًا يحصل الموظف المبتدئ على راتب منخفض نسبيًّا يقبل به لرغبته في العمل إلى جانب كبار الإداريين لاكتساب معارفهم القيِّمة.

وعندما يستأجر العملاء الشركةَ لتقديم الخدمة، فإنَّهم يفعلون ذلك بسبب مصداقية الشركة وسمعتها؛ لكن في الحقيقة لا يحصل العملاء بالضرورة على الخبرة المباشرة لكبار المديرين؛ ذلك أنَّ الموظفين ذوي الأجور المنخفضة هم غالبًا من يؤدِّي معظم العمل العملي، ثمَّ يلتقي العملاء مع كبار المديرين ذوي الأجور العالية -فترةً محدودة- والذين يشرفون على الجودة ويقدِّمون المشورة.

تتيح هذه الآلية للشركة فرضَ رسوم عالية على العملاء والإبقاء على هامش ربح مرتفع، وتُعَدُّ طريقة العمل هذه أنموذجية لدى شركات الخدمات الاحترافية، وخاصة الكبيرة منها.

التحدِّيات المرتبطة بتقديم المنتجات غير الملموسة:

على عكس الأنواع الأخرى من المؤسسات؛ تبيع شركات الخدمات المهنية الاحترافية المعرفةَ والخبرة وليس المنتجات المادية الملموسة؛ ومن ثمَّ فإنَّ هذه الشركات لها احتياجات مختلفة، وتواجه تحديات مختلفة.

على سبيل المثال، في المعامل الصناعية بمجرَّد تصميم المنتج؛ يمكن إنتاج عدد لا محدود منه على مدار 24 ساعة في اليوم باستخدام الآلات التي يراقبها العمال ذوو الأجور المنخفضة، وتكون مَهمة مديري التصنيع التأكُّد من جودة المنتج ومدى مطابقته المعايير، ومتابعة إنتاجية العمال.

ولكن؛ كيف يمكن مقارنة هذا مع شركة خدمات محاسبية؟!

في الوقت الذي لا يزال يتعيَّن فيه على المديرين التأكيد على الجودة والإنتاجية؛ إلا أنَّهم لا يستطيعون وضع معايير واضحة لخدماتهم أو إنتاج كميات كبيرة منها؛ إذ تأتي ربحية هذه الشركات من قيمة الوقت المتَّفق عليه مع العميل لتقديم الخدمة، مع الأخذ بالحسبان أنَّ لدى العملاء احتياجات مختلفة ومطالب متنوِّعة؛ ومن ثمَّ إذا لم يجتمع أعضاء الفريق مع العملاء ويضعوا رؤية للمشروع المقدَّم، فلن يكسبوا أموالًا للشركة.

فإذا كنت مديرًا لشركة تقدِّم خدمات احترافية؛ فسيكون من الصعب عليك الموازنة بين الإنتاجية العالية والطبيعة الشخصية للخدمات؛ إذ إنَّ إحدى مهامك الأساسية هي الحفاظ على رأس المال البشري الخاص بك (أي إبقاء موظفيك متحمِّسين ومُنتجين)، فكما تبذل معامل التصنيع كثيرًا من الجهد في صيانة الآلات والمستودعات الخاصة بها؛ يتعيَّن على شركات الخدمات الاحترافية بذلَ الكثير من الجهد في تدريب موظفيها وإبقائهم متحفِّزين، والتأكُّد من بقاء الأكثر موهبة منهم معها؛ لأنَّه بدون خبراء محترفين وسمعة قوية ستفشل الشركة.

دوافع الموظفين:

في الماضي كان هدف معظم الموظفين المبتدئين أن يصبح شريكًا في الشركة؛ ممَّا خلق بيئةً تنافسية أدَّت بدورها إلى عمل عالي الجودة، ومع مرور الوقت رُقَّيَ المميَّزون منهم في حين غادر البقية أو استسلموا.

لكن في هذه الأيام، ليست الشراكة هي المكافأة النهائية دائمًا؛ ففي كثير من الأحيان، تجعل كلٌّ من -ساعات العمل الطويلة، وأعباء العمل الثقيلة، والتعامل مع العملاء المتطلِّبين- الموظفين الأصغر سنًّا يتساءلون ما إذا كانت الشراكة تستحقُّ كلَّ هذا العناء في محاولة منهم لإيجاد توازن بين العمل والحياة.

إضافة إلى أنَّه بات يتوفَّر للعديد من المهنيين الشباب كثيرٌ من الخيارات؛ إذ لم يعد تغيير الشركات -بحثًا عن فرص أفضل- عملًا غير أخلاقي.

ونظرًا لتحدِّي الدافع هذا؛ يتعيَّن على شركات الخدمات الاحترافية إنشاء طرائق لجذب أفضل الموظفين وألمعهم والحفاظ عليهم، وبعد ذلك تحفيزهم وتطويرهم؛ لأنَّه إن لم يكن لدى هؤلاء الموظفين دوافع كاملة للعمل بإنتاجية وجودة عالية؛ فإنَّ الشركة ستصبح في وضع غير تنافسي قريبًا.

جدولة الأعمال والفوترة:

تحقِّق شركات الخدمات الاحترافية أرباحَها عندما تُصدِر فواتير للعملاء مقابل ساعات العمل المستغرقة في تقديم الخدمة؛ لذلك غالبًا ما تُسنَد الأعمال الجديدة إلى الموظَّف الذي لا يعمل حاليًّا ساعات قابلة للفوترة.

وعلى الرغم من أنَّ هذه الآلية تزيد من الإيرادات على المدى القصير؛ لكنَّها قد تؤدِّي -في كثير من الأحيان- إلى انخفاض جودة الخدمات المقدَّمة للعملاء.

على سبيل المثال، تخيَّل أنَّ مكتب محاماة لديه موظف يتمتَّع بمهارات خاصة في قضايا الاحتيال الضريبي؛ فإذا حصلت الشركة على قضية احتيال ضريبي جديدة، وكان هذا الموظف مشاركًا في قضية أخرى؛ فستكون هناك احتمالات كبيرة بتخصيص الحالة الجديدة لموظَّف غير مشغول؛ لأنَّه من المهم للغاية الحفاظ على إنتاجية الجميع وفوترة وقتهم للعملاء.

ولكن إذا لم تُجدوِل الأشخاص بالطريقة الصحيحة؛ فقد يكون لذلك تأثير سلبي في رضا العملاء.

وفي الختام، يحمل المستقبل مزيدًا من التحديات لشركات الخدمات الاحترافية؛ نظرًا لتأثير المتقاعدين من كبار السن، والعدد المتزايد من المهنيين الشباب الذين يفضِّلون التوازن بين العمل والحياة؛ الأمر الذي يحتِّم على الشركات التنافس أكثر للحفاظ على أفضل موظَّفيها وتطوير إستراتيجيات لجذب المواهب الرئيسية وتحفيزها والاحتفاظ بها.

المصادر : 

1- هنا