الكيمياء والصيدلة > كيمياء

تطوير بدائل آمنة لمركبات الفتالات المستخدمة مُلدّناتٍ للبلاستيك

يُعدُّ الـ (PVC) -أو المُطلق عليه علميًّا مسمى "البولي فينيل كلورايد" (Poly vinyl chloride)- أكثرَ المواد البلاستيكية استهلاكًا في أنحاء العالم، إذ وصل الاستهلاك العالمي من (PVC) إلى أكثر من أربعين طنًّا في عام 2016. لكنَّ الـ (PVC) بمفرده يتصف بأنَّه ذو بِنيةٍ هشّةٍ سهلة الكسر، ممَّا يجعله غير قابل للاستخدام بمفرده في صناعة المنتجات البلاستيكية وصياغتها. ومن أجل ذلك يضاف إلى (PVC) موادُّ تُعرف بالمُلدِّنات (plasticizers)، لتحسين مواصفاتها الصناعية، وزيادة مرونتها، ومدى تحملها للظروف الجوية القاسية.

في هذا السياق؛ تُعَدُّ الفتالات (phthalates) أكثر المركباتِ الملدنة استخدامًا، إذ وجدت الإحصائيات عام 2012 أنَّ 78% من حاجة السوق العالمية من الملدنات التي غُطّيَت بمركبات الفتالات، وذلك بإضافة الفتالات عادةً إلى الـ (PVC) عن طريق صهر المادتين معًا ومزجهمها، ومن خلال هذه العملية نحصل على المنتج النهائي دون تشكيل أي روابط كيميائية بين المركبين خلال عملية الصهر، ولكن تكمن المشكلة في الفتالات في أنَّها تتسرب من البلاستيك إلى الطَّعام والماء والبيئة، أضف إلى ذلك الأدلة المتزايدة؛ التي تشير إلى أنَّ التعرض للفتالات يمكن أن يؤدي إلى مجموعة متنوعة من المشكلات الصحية.

من أجل تفادي هذه المشكلة؛ طور باحثون بقيادة ريبيكا براسلو -أستاذة في الكيمياء والكيمياء الحيوية في جامعة كاليفورنيا سانتا كروز- مواد ملدنة جديدة؛ لتلدين خصائص الـ (PVC) وتحسينها.

أي أنَّ هذه الملدنات الجديدة لا يمكن أن تتسرب من المنتجات البلاستيكية، والسبب في ذلك ارتباطها كيميائيًا بجزيئات الـ PVC، مما يمنعها من التسرب إلى البيئة. وتقول براسلو ضمن هذا السياق: "على عكس الفتالات؛ من غير الممكن أن تتسرب موادنا الملدنة الجديدة".

وقد أنتج مختبر براسلو العديد من الملدنات غير القابلة للتسرب؛ متضمنًا ذلك اثنين أُطلق عليهما اسم "الضفدع" و"الشرغوف" بسبب شكل بنيتهما الكيميائية، وقد وَجد الفريق البحثي أنّ مركب "الشرغوف" مركبٌ واعدٌ على نحو خاص؛ لأنه أسهلُ إنتاجًا بكثير مقارنةً بمركب "الضفدع"، وهو الأكثر فعالية من باقي الملدّنات التي تُختَبر.

أضافت براسلو واصفةً ميزات مركب "الشرغوف": إنَّ خطواتِ صناعته أقل، ويستلزم إنتاجه عددًا أقل من المواد الكيمياوية، ومن اللافت أيضًا أنّه قابلٌ للاستخدام على المستوى الصناعي".

ومن  الأمور التي لابدّ من ذكرها: أنَّ الفتالات تستخدم ضمن مجموعةٍ واسعةٍ من المنتجات، ولكنَّ أكثر استخداماتها انتشارًا أن تكون مُلدّناتٍ للـ PVC. ويُعَدُّ الـ PVC ثالث أكثر المركبات شيوعًا في مجال الصناعة البلاستيكية بعد البولي بروبلين والبولي إيثيلين، إذ يستخدم على نطاق واسع في هذه الصناعة؛ لإنتاج مواد البناء، والأثاث، والملابس، وخراطيم الحدائق، وتغليف المواد الغذائية، ووحدات تخزين الدم، والأجهزة الطبية.

لكن لماذا نريد استبدال الفتالات؟

كان البحث عن بدائل لمركبات الفتالات مدفوعًا بالمخاطر الصحية المحتملة التي يمكن أن تسببها بعض هذه المركبات، إذ تُعَدُّ من المواد المسببة لاختلال عمل الغدد الصماء نظرًا لتدخلها في عمل النظام الهرموني في الجسم، مع أنَّ معظم الدراسات التي تبين تأثيراتها الضّارة قد أُجريت على حيوانات المختبر، لكن بعض الدراسات التي أجريت على البشر تؤكد وجود ارتباطٍ بين التّعرض للفتالات، وبين التأثيرات الضارة على الصحة الإنجابية، ومراحل النمو والتطور.

لا تزال الآليات والتراكيز والكميات التي تؤثر بها الفتالات سلبًا في صحة الإنسان مجهولةً، ويقلق العلماء من التأثيرات السلبية المحتملة لهذه المركبات في صحة الأطفال والرضع؛ لذلك حظر كلٌّ من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة استخدام مركبات الفتالات في صناعة ألعاب، ومنتجات رعاية الأطفال.

مع كل هذه المخاطر المحتملة لاستخدام الفتالات؛ فإن استخدامها لا يزال واسع الانتشار في العديد من المنتجات الأخرى؛ كـ: مستحضرات التجميل والعناية الصحية، وبسبب ما ذُكِر؛ أصبحت الفتالات منتشرة في أنحاء البيئة، ومعظم الناس لديهم كمياتٍ منها يمكن اكتشافها في دمائهم.

أخيرًا؛ تأملُ "براسلو وفريقها" أن تتبنى معامل إنتاج المواد البلاستيكية المواد الملدنة غير المتسربة، التي عملت هي وفريقها على تطويرها في مختبرهم. فهي ترى -من وجهة نظرها- أنّه من الصعوبة تحويل صناعة البلاستيك إلى صناعة آمنة كلياً، إلا أنَّ تحويلها لصناعة أكثر أمانًا يُعَدُّ أمرًا قابلًا للتحقُّق.

المصادر:

1-هنا

2-هنا