التعليم واللغات > اللغويات

اللغويات الاجتماعية..منهجٌ جديدٌ لفهم اللغة في تفاعلها مع المجتمع

اللغة هي إحدى أبرز مميزات السلوك الاجتماعي، فبنقل المعلومات عن طريقها نرسل رسائل اجتماعية مهمة عن هويتنا ومن أين أتينا ومع من نتواصل، وعندما ندرك كيف من المحتمل أن نحكم -إلى حدٍّ كبيرٍ- على شخص بناءً على أصله أو شخصيته أو نياته المرتكزة ببساطة إلى لغة هذا الشخص أو لهجته أو حتى في اختيار كلمة واحدة، فغالبًا ما يكون الأمر صادمًا. ونظرًا إلى دور اللغة الاجتماعي، فإنه من المنطقي أن يكون هناك فرع من اللغة يركز على دور اللغة في المجتمع، لذا فقد أصبحت اللغويات الاجتماعية حقل دراسةٍ ذا أهمية وشعبية متزايدتين؛ إذ توسِّعُ ثقافاتٌ محددة حول العالم قاعدتَها الخاصة بالتواصل بين المجموعات وتكتسب العلاقاتُ الشخصية أهميةً متزايدة.

الفكرة الأساسية وراء اللغويات الاجتماعية بسيطةٌ تمامًا، فاللغة تمثل أبعادًا رئيسة من السلوك الاجتماعي والتفاعل الإنساني. الفكرة بسيطة ولكن طرائق اللغة في عكس السلوك يمكن أن تكون غالبًا معقدة ومبهمة، وبالإضافة إلى ذلك تؤثر العلاقة بين اللغة والمجتمع في نطاق واسع من اللقاءات بدءًا من العلاقات الدولية المتوسعة وانتهاءً بالعلاقات الشخصية المحددة بدقة. على سبيل المثال من المحتمل أن يبحث اللغويون الاجتماعيون في المواقف السلوكية اللغوية بين مجموعات سكانية كبيرة على نطاق دولة ما، مثل تلك المواقف التي يتخذها البعض في الولايات المتحدة مطالبين بتنفيذ مقترح تشريعي لتعديل الدستور من أجل جعل اللغة الإنكليزية لغةً رسميةً في الولايات المتحدة، وعلى نحو مشابه لذلك من المحتمل أن ندرس حالة اللغتين الإنكليزية والفرنسية في كندا أو حالة اللغات العامية (لغات مناطق أو أقاليم داخل دولةٍ ما) والوطنية في الدول النامية من العالم بصفتها رموزًا لعلاقات اجتماعية أساسية بين الثقافات والجنسيات، وبالنظر إلى اللغة بوصفها مؤسسةً اجتماعيةً غالبًا ما يستخدم اللغويون الاجتماعيون تقنيات اجتماعية متضمنة بيانات من استبانات وبيانات إحصائية موجزة بالإضافة إلى معلومات مستقاة من الملاحظة المباشرة.

وهناك جانب آخر من الاهتمام باللغة والمجتمع يختلف اختلافًا طفيفًا ويركز أكثر على تأثير أنواع محددة من المواقف أو الحالات الاجتماعية في بنية اللغة، فمثلًا تركز دراسات التواصل اللغوي على الأصل والتكوين اللغوي للغات pidgin (وهي لغات مبسطة تُستخدم غالبًا في التجارة بين متحدثي عدة لغات) ولغات creole (وهي لغات تشكلت من اتصال لغتين أو أكثر من لغات pidgin المتوارثة عبر الأجيال)، وتَظهر هذه التنويعات اللغوية المميزة عندما يحتاج متحدثون لا يفهمون بعضهم بعضًا إلى لغة مشتركة من أجل التواصل، ويوجد في جميع أنحاء العالم الكثير من المواقف التاريخية الاجتماعية التي نتجت من حالات اللغة المتخصصة هذه في الكاريبي وإفريقيا وجنوبي أمريكا وآسيا وجزر المحيط الهادئ، وعند دراسة حالات اتصال اللغة فمن الممكن دراسة ليس فقط تفاصيل محددة بل أيضًا التفاصيل اللغوية والاجتماعية التي تُظهر كيف يستخدم ثنائيو اللغة كلَّ لغةٍ وكيف ينتقلون بينهما.

يركز منهجٌ لغوي اجتماعي آخرُ على حالات اللغة واستخداماتها بوصفها نشاطًا في حدِّ ذاتها، وتخبرنا دراسةٌ للغة -في سياقها الخاص- قليلًا جدًّا عن كيفية تنظيم علاقاتنا الاجتماعية ضمن مجتمع محدد، فعندما نخاطب شخصًا ما بـقولنا "سيد" أو "سيدة" أو باسمه أو باسمها الأول، فليس الموضوع هنا مجرد اختيارٍ بسيطٍ للمفردات؛ إنما يرتبط الأمر بعلاقة المتكلم والمخاطَب ومكانتهم الاجتماعية، وعلى نحو مشابه فإن استخدام بدائل عدة لجملة واحدة مثل: "أعطني الملح"، "هلَّا تعطيني الملح رجاء؟"، "أظن أن الطعام يحتمل إضافة قليل من الملح"، ليس متعلقًا ببنية جملة بسيطة، بل يتضمن الخيار قيمًا ثقافية وقواعد تتعلق بالسلوك والاختلاف والمكانة.

عندما نتعامل مع اللغة بوصفها نشاطًا اجتماعيًّا، فمن الممكن التركيز على اكتشاف الأنماط المحددة أو القواعد الاجتماعية من أجل إجراء المحادثة والكلام، فعلى سبيل المثال يمكننا وصف قواعد بدء محادثة ما أو إنهائها، أو كيف نأخذ الدور في محادثة ما، أو كيف نخبر قصة أو مزحة، من الممكن أيضًا اختبارُ كيفية استعمال الناس للغتهم استنادًا إلى خلفياتهم الثقافية وأهدافهم من التفاعل. ربما يُجري اللغويون الاجتماعيون دراسة عن طريق طرح أسئلة مثل "كيف تختلف المحادثات مختلطة الجنس عن المحادثات أحادية الجنس؟" أو "كيف تبيِّن علاقاتُ القوة المتباينة نفسَها في أشكال اللغة؟" أو "كيف يُعلِّم مقدمو الرعاية الأطفالَ طرائق استعمال اللغة؟" أو "كيف يحدث تغيُّر اللغة وينتشر في المجتمعات؟" ومن أجل الإجابة عن هذه الأسئلة المتعلقة باللغة بوصفها نشاطًا اجتماعيًّا يستخدم اللغويون الاجتماعيون غالبًا الطرائق الإثنوغرافية ethnographic methods (طرائق خاصَّة بوصف الأجناس والأعراق البشرية) التي يحاولون عن طريقها فهم قيمِ مجتمع ما وآرائِه من أجل تفسير سلوك أعضائه ومواقفهم.

وميَّز اتجاهان تطوُّرَ اللغويات الاجتماعية في العقود الماضية: أولًا: تزامن ظهور تخصصات محددة ضمن هذا المجال مع ظهور قضايا سياسية واجتماعية أوسع نطاقًا؛ وبذلك يتوافق التركيز على موضوعات مثل اللغة والقومية، واللغة والعرقية، واللغة والجنس مع ظهور قضايا ذات صلة بتلك الموضوعات في المجتمع كله. ثانيًا، أصبح المختصون الذين يدرسون دورَ اللغة والمجتمع مهتمين أكثر فأكثر بتطبيق نتائج دراساتهم على المشاكل السياسية والتعليمية والاجتماعية المنتشرة التي ربما أدت إلى ظهورها أساسًا بصفتها موضوعات اجتماعية لغوية، وبذلك تقدم اللغويات الاجتماعية فرصةً مميزةً من أجل جمع النظرية والتطبيق معًا في دراسة اللغة.

المصدر:

هنا

Wardhaugh, Ronald. 1992. An introduction to sociolinguistics. Cambridge, MA: Blackwell.

Trudgill, Peter. 1995. Sociolinguistics: An introduction to language and society. London: Penguin Books.