الفيزياء والفلك > علم الفلك

تحت العدسة ..أول جزيء بعد الانفجار العظيم

اكتشف العلماء -في حدثٍ مفاجئ واستثنائيّ- الجزيئات التي توقعّوا دائمًا أنها أول جزيئاتٍ تشكَّلت في الكون، وذلك داخل سديمٍ يبعد قرابة 3000 آلاف سنة ضوئية عنا، في عمليّةٍ أشبه بمحاولة النظر إلى التاريخ المنقوش على قطعة معدنية موجودة في لوس أنجلوس من ولاية نيويورك، أو في مقاييسنا كمن ينظر إلى رقم الصفحة في كتابٍ في جنوب الهند من تلة صغيرة في دمشق، وسنزوِّدكم في هذا المقال بالتفاصيل.

بدأ العلماء دون أدنى شك بالعمل في المخابر المغلقة قبل النظر إلى الفضاء المفتوح، فالجزيء (+HeH) هو أقوى الأحماض الموجودة على الأرض وعلى الرغم من الدور الصغير الذي يؤديه في كوننا الحالي، لكن العلماء كانوا متيقنين -في عام 1925 عندما شكَّله "ت.ر هوغنس" و"أنجيس لون" في معملهما- أنه من أُولى المُركَّبات (إذا لم يكن أولها على الإطلاق) التي انبثقت من رحم الانفجار العظيم! وقد اكتشفوا عن طريق إطلاقهما لبروتونات معلومة الطاقة مسبقًا على خليط متخلخل من الهيدروجين والهيليوم أنَّ الأيون (+He2) كان يُرسِل بروتونًا إلى الجزيئات التي يرتبط معها، ومن ضمنها الهيليوم.

وبعد انتظار دام 100 ألف عام ليبرد الكون وتتهيأ الظروف المناسبة، تشكَّل الأيون من تلاحم أكثر العناصر وفرة في الكون الحديث الولادة؛ وهي الهيدروجين والهيليوم. وعندما برد الكون أكثر بدأت ذرات الهيدروجين المعزولة لوحدها بالتقرب إلى أيونات هيدريد الهيليوم وشردتها لتخلق منهما اللبنة الأساسية لبزوغ نجوم هذا الكون، وهو الهيدروجين (H2) كما نعرفه، مما يجعل أيون هيدريد الهيليوم أساسًا لا يمكن إنكاره في كيمياء بداية الكون.

لكن غيابه في الفضاء منذ 13 مليار عام أرق العلماء وجعلهم يحتارون في دراساتهم وأرصادهم؛ إذ لا بُدَّ من وجوده في مكانٍ تتوافر فيه ظروف مشابهة للانفجار العظيم، وخَلَصُوا في عام 1970 إلى أن سديم نجمٍ منهار هو المكان الأمثل للبحث.

فكان السديم (NGC7027) -وهو سديمُ نجمٍ مُشابهٍ للشمس-، على بُعْد 3000 سنة ضوئية هو ضالَّتهم بعد كل هذه السنين، ولم نكن نحلم بالنظر إليه مباشرة لولا تطور التكنولوجيا ومشروع تلسكوب (SOFIA) الجويّ المُبهر؛ وهو مرصد يطير في طبقة الستراتوسفير الجويّة على عُلُوِّ 13761 مترٍ عن سطح الأرض مُحمَّلًا على طائرة (بوينغ) ومُجهَّزًا بالتقنية الملائمة للكشف عن أيّة أثرٍ للأيون الصغير في السديم ذاته دون أيّ مجالٍ للخطأ .

فالأمر في النهاية ليس كالبحث عن إبرةٍ في كومة قش فحسب، بل هو أشبه بخلق إبرة مشابهة في معمل ودراسة خواصها ثم صُنْع مغناطيسٍ يجذب الإبرة ذاتها ولا غيرها على بُعد 3000 آلاف سنة ضوئية.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا