التعليم واللغات > اللغويات

اللغة وعلم الوراثة - استكشاف الجينات اللغوية في جزيرة (روبنسون كروزو)

حدّد علماءٌ الجيناتِ التي قد تساعد على تفسير ارتفاع معدل اضطرابات اللغة بين سكان جزيرة نائية في المحيط الهادئ في دراسة جديدة شملت باحثين من قسم اللغات وعلم الوراثة.

درس فريق البحث الحمضَ النووي لسكان جزيرة (روبنسون كروزو) حيث تعاني نسبة عالية غير اعتيادية من الأطفال صعوبةً في تعلم الكلام، وكشف الفريق عن تغيُّرٍ نادر في الجينNFXL1  موجودٍ على نحو أكثر شيوعًا في سكان الجزر الذين لديهم صعوبات لغوية مما هو عليه في من تتطور لغتهم طبيعيًّا، وقد تكون التغيُّرات في هذا الجين أيضًا أحد أسباب الصعوبات اللغوية التي يواجهها الأطفال من أجزاء أخرى من العالم. وكانت الدراسة بقيادة البروفيسورة (بيا فيلانيوفا) من جامعة تشيلي، والدكتورة (ديان نيوبوري) من جامعة (أكسفورد)، والبروفيسور (سايمن فيشر) من قسم اللغة وعلم الوراثة في معهد (ماكس بلانك)، ونُشرت في مجلة PLOS Genetics في 17 آذار/مارس 2015.

تقع جزيرة (روبنسون كروزو) في جنوب المحيط الهادئ على بعد نحو 700 كم قبالة ساحل تشيلي، ويُعتقد أنها كانت مصدر إلهام لرواية (دانيال ديفو) الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه -وتحكي قصة المنبوذ الإسكتلندي (ألكسندر سيلكيرك) الذي عاش في القرن الثامن عشر، ونجا وحده على الجزيرة غير المأهولة مدة أربع سنوات قبل إنقاذه. وفي عام ٢٠٠٨، وصفت (فيلانيوفا) وزملاؤها كيف أن ثلثي الأطفال تقريبًا في الجزيرة يواجهون صعوبات في تعلم الكلام وفهم اللغة المنطوقة. ولا يعاني العديد من هؤلاء الأطفال مشكلاتٍ أخرى يمكن أن تفسِّر الصعوبات اللغوية التي يواجهونها، ولذلك يُوصفون بأنهم يعانون ضعفًا لغويًّا محددًا (Specific Language Impairment (SLI، وهو أشيع لدى أطفال الجزيرة بخمس مرات على الأقل مما هو عليه في التشيلي، ومعظم الأطفال المتضررين هم من الأحفاد المباشرين لشقيقين كانا من بين 64 مستوطنًا كانوا قد استعمروا الجزيرة في القرن التاسع عشر، مما يشير إلى أن صعوباتهم اللغوية قد تنبع من عوامل وراثية.

وقد حدد الباحثون في هذه الدراسة تسلسل الحمض النووي لجميع الجينات في خمسة من سكان الجزيرة المتأثرين بالضعف اللغوي المُحدد (SLI)، ومن ثمَّ من آلاف التغيُّرات الجينية التي كشف عنها هذا التحليل وضعوا قائمة مختصرة من تسعة تغيُّرات، وذلك عن طريق التركيز على التغيُّرات التي لم يُبلَّغ عنها من قبل ومن المرجح أن تضر بوظيفة الجينات. فحص الباحثون هذه التغيُّرات في 49 شخصًا من سكان الجزيرة المتأثرين بالضعف اللغوي المحدد و62 شخصًا ممن يمتلكون مهارات لغوية طبيعية، وكان هناك تغيُّر واحد فقط وهو في الجين NFXL1، إذ كان شائعًا بدرجة كبيرة عند المصابين بالضعف اللغوي المحدد، فقد وُجد هذا التغيُّر لدى قرابة 40% من هؤلاء الأفراد، وذلك مقارنة مع 10% فقط ممن لديهم مهارات لغوية طبيعية. وحقيقة أن 60% من سكان الجزيرة الذين يعانون الضعف اللغوي المحدد لم يكن لديهم هذا التغيُّر الجيني تُشير إلى أن الجينات الأخرى تساهم أيضًا في ارتفاع معدل الإصابة بضعف اللغة في الجزيرة، وقد حددت دراسة أخرى أجراها فريق البحث عدة مناطق إضافية من الجينوم (مَجْموعُ الجيناتِ في الكائِن) قد تحتوي على تغيُّرات جينية رئيسة.

قد يكون العامل الوراثي  NFXL1مجرد جزء واحد من اللغز في جزيرة (روبنسون كروزو)، ولكن أهميته لقدرات اللغة يمكن أن تكون أكبر من ذلك بكثير؛ فدراسة السكان المعزولين مثل سكان جزيرة (روبنسون كروزو) يمكن أن تعزِّز قدرتنا على العثور على الجينات المرتبطة بالمهارات اللغوية، لأن هؤلاء السكان لديهم كمية منخفضة من التباين الجيني، مما يُسهِّل العثور على التغيُّرات الجينية الجوهرية، والتغيُّر في الجين NFXL1 الذي لوحظ في سكان الجزيرة لا يوجد إلا في نسبة صغيرة من الناس الذين يعود أصل أسلافهم إلى أمريكا الوسطى والجنوبية، ولكن الناس من أجزاء أخرى من العالم قد يحملون تغيُّرات نادرة مختلفة في الجينات التي يمكن أن تؤثر في قدراتهم اللغوية، ومن المثير للاهتمام أن فريق البحث وجد العديد من التغيُّرات النادرة في الجين NFXL1 عند الأطفال البريطانيين المصابين بالضعف اللغوي المحدد، ولكن من المبكر جدًّا معرفة إذا ما كانت هذه التغيُّرات تساهم في الصعوبات اللغوية التي يعانيها هؤلاء الأطفال.

ولم يُدْرس الجين NFXL1 في المختبرات أبدًا، ولكن من المتوقع أنه يشفِّر بروتينًا يعمل على تنظيم جينات أخرى، وذلك على غرار الجين المعروف المتعلق باللغة FOXP2، وقد تُوفِّر معرفةُ المزيد من المعلومات عن NFXL1 والجيناتِ التي ينظمها أدلةً جديدةً عن العمليات في تطور الدماغ التي تدعم قدرتنا على تعلُّم اللغة.

المصدر:

هنا

هنا

هنا

 هنا