كتاب > روايات ومقالات

ثلاثة أجيال في مواجهة الفئران

"فئران أمي حصة" هي الرواية الثالثة للكاتب والروائي الكويتي الشاب "سعود السنعوسي"؛ الذي حصل على الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) عام 2013 عن روايته "ساق البامبو".

موضوعات الرواية

تطرح الرواية قضية الطائفية في دولة الكويت بين المذهبين الأساسيين من مذاهب الإسلام: السنيِّ والشيعيِّ، وتغوص الرواية في تاريخ العلاقة بين هذين المذهبين منذ عام 1985، والذي تأثر بالأحداث السياسية في الكويت وجوارها بدءًا  من الثورة الإسلامية في إيران (1979)، ثم غزو العراق للكويت (1990)، ووصولًا إلى الغزو الأمريكي للعراق (2003).

وتحكي الرواية قصة جيران في منطقة السُّرة في الكويت، وهم ثلاثة شبان؛ قضوا طفولتهم ومراهقتهم سويةً حتى كوَّنوا صداقةً عميقة الجذور.

ويُعرِّفنا السنعوسي عن طريق قصَّتهم إلى خصائص الثقافة الكويتية واصفًا البيت والعائلة والجيران والروابط التي تجمع الناس ببعضهم، فهذا البيت الكويتي يتضمَّن الحوش، والسدرة والنخلات الثلاث والدجاج، وعائلة صالح التي تسكن في منزل واحد مع أمِّه "حصة" وأخته "فوزية"، والجيران وأصحاب الدكاكين الصغيرة في الحي الذي يتميَّز بجمعه خليطًا من الجنسيات المختلفة: أبو سامي وزوجته الأميريكية، وأبو سامح بائع المثلجات الفلسطيني، وبائع الصرة اليمني، والإيراني حيدر البقَّال..إلخ.

وتتطرق الرواية بإسهاب إلى الحديث عن فترة الأشهر السبعة التي عانت فيها من كونها "المحافظة التاسعة عشر من محافظات العراق" أيضًا، فيصوِّر لنا الكاتب كيف قضت العائلة أيامها في الحرب، وكيف كان مصير الجيران، والذي اعتُقل والذي قُتل والذي أُقصي...

الفئران

تنقسم الرواية إلى أربعة أقسام أو "فئران" كما يسميها الكاتب؛ الفأر الأول: شرر، ثم الثاني: لظى، ثم الثالث: جمر، والرابع: رماد.

وتدور أحداثها في فترتين زمنيتين؛ في الأولى، تظهر أحداث يومٍ واحد من أيام الوقت المفترض في الرواية والذي لا يعرفه القارئ حتى آخر صفحة، والفترة الزمنية الأخرى، والتي تدور على لسان الراوي -أحد الأصدقاء الثلاثة- الذي يقص علينا رواية كتبها اسمها "إرث النار"، وتحكي الرواية عنه وعن أصدقائه منذ بداية تكوُّن وعيهم حتى أصبحوا في الأربعينيَّات، وتظهر في طيَّات قصتهم كلُّ التحولات والمتغيرات السياسية والاجتماعية في الكويت على مدى ثلاثين عام.

"..كلاهما لم يتفق يومًا على رؤية هلال رمضان وبدء الصيام في يوم واحد، كلاهما لم يهنئ الآخر أول يوم عيد؛ لأن لكليهما يوم عيد أول لا يوافق الآخر، كلاهما لم يتفق على موعد صلاة، على نسبة زكاة، على دفن موتاهم في مقبرة واحدة، كلاهما لم يتفق على شيء سوى تجنُّبنا اليوم، كلاهما يتفق -أول مرة- ضدَّ من بُحَّت حناجرهم ينادون بكلمة سواء!".

ويتطرق السنعوسي إلى فروقات دقيقة بين المذهبين: في الفكر والفقه وكثير من تفاصيل الحياة اليومية، ولكنَّ المفارقة تكمن في كيفية التعاطي مع تلك الاختلافات بين ثلاثة أجيال متتالية؛ فالجدتين "أمي حصة" وأمي زينب" كانتا رمزًا للتسامح؛ تتعايشان بحبٍّ مع اختلافاتهما، وتتخذان منها مادة للتندر والطرافة، أما ابنيهما "صالح" و"عباس"، فيتجلى الصراع الحقيقي بينهما واضحًا، ويتخذ أشكالًا متنوعة من النكايات والمشاحنات وصولًا إلى مقاطعة طعام الآخر، ولكنَّ الشهامة لم تختف وظلَّت المواقف الصعبة تجمعهما،  وأما الجيل الثالث المتمثِّل بالحفيدين "فهد" و"صادق" وأصدقائهما، فقد شهدوا حربًا مذهبية دامية، ورأوا بأمِّ العين أبناء وطنهم يتقاتلون كالأعداء، فكان التشدُّد يأخذ منحىً تصاعديًا إذًا بحسب الرواية.

أسئلة كثيرة تطرحها الرواية؛ عن تأثير التربية، كونها أول محطة في خلق الشرخ بين أفراد المذهبين، ثم يأتي الإعلام ومعه ثلَّة من رجال الدين المتطرفين؛ ليؤدوا الدور البارز في نكأ الاختلافات وتضخيمها، وتغذية العصبية المذهبية مسهمين معًا في تحويل الشرخ إلى تصدُّع مزمن ليس أسوأ نتائجه الإقتتال الدامي، فهل سلك أبناء السُّرة طريقَ أبناء جلدتهم، وهم الذين نشأوا ما بين تشدد الآباء وتسامح الجدَّات؟

"يطمئنني بأنَّ هناك كثير من الجماعات الدينية المعتدلة تؤيد أولاد فؤادة"، وأستعير لسان أيوب: "الغلبة للصوت المرتفع!".

لقد عرَّت "فئران أمي حصة" الواقع دونما تدوير للزوايا، بل كانت على العكس متميزةً في تسليط الضوء على تلك الزوايا، تلك التفاصيل التي لا ينتبه إليها أحد، ولا يعيرها الناظر السطحي أيَّة أهمية.

لقد أشارت بالبنان صراحةً ودونما خجل إلى العناصر الحقيقية التي تساهم في إذكاء نار الحرب الأهلية. 

"وعلى الرغم من أنَّك لم تشاهد فأرًا داخل البيت فحسب، فإنَّ أمَّك حصة تؤكد أنَّها كلما أزاحت مساند الأرائك كاشفةً عن فضلاتٍ بنيةٍ داكنة تُقارب حبات الرز حجمًا، تقول إنَّها الفئران، فليس ضروريًا أن تراها لكي تعرف أنَّها بيننا."

قد تكون الرواية صوَّرت المجتمع الكويتي خصوصًا، ولكنَّ هذه القضية بالذات تمتدُّ بلا شكٍّ إلى أقطار العالم العربي كافة، وهكذا، فجلُّ ما ورد في الرواية يمكن إسقاطه على المجتمعات العربية؛ ولكن، بنسبة تكثر أو تقلُّ  بحسب البلد والفترة الزمنية.

معلومات الكتاب:

اسم الكتاب: فئران أمي حصة.

الكاتب: سعود السنعوسي.

دار النشر :الدار العربية للعلوم ناشرون ومنشورات ضفاف.

تاريخ النشر: 2015.

عدد الصفحات: 437 صفحة.