منوعات علمية > ما بين العلم والخيال

Frankenstein’s Creature مخلوق فرانكنشتاين

قال فيكتور فرانكنشتاين Victor Frankenstein عند انتهائه من إنشاء مخلوقه الوحشي وبثِّ الحياة فيه: "انظر؛ إنه يتحرك، إنه حي، إنه حي، إنه يتحرك، إنه حي" (مُقتبسة من رواية ماري شيلي Mary Shelley).

نُشرت رواية ماري أول مرة عام 1818م لتكون واحدة من أوائل قصص الخيال العلمي، وسُمِّيت الرواية بروميثيوس الحديثة The Modern Prometheus أو فرانكنشتاين Frankenstein كما هو مُتعارف عليه.

وتحكي أحداث الرواية عن طبيب يُدعى فيكتور فرانكنشتاين؛ وهو الذي نجح في خلق الحياة داخل جسد وحشٍ صنعه من معدَّات غير حيوية دون ذكر أية تفاصيل عن تجربته؛ خوفاً من أن يُحاول أحدٌ ما تجريب عمله الشنيع.

رحلة ماري شيلي وكتابها "فرانكنشتاين"

في شهر أيار (مايو) عام 1816م؛ سافرت ماري وزوجها الشاعر بيرسي شيلي Percy Shelly وابنهما الصغير مع صديقتهم المقرَّبة كلير كليرمونت Claire Clairmont إلى سويسرا ليقضوا الصيف في منزل الشاعر الرومانسي الغريب الأطوار لورد بايرون Lord Byron المُطلِّ على بحيرة جنيف.

كان الطقسُ سيئاً للغاية لِسوء حظهم حتى سُمِّي ذلك العام عاماً بلا صيف؛ فاضطرت المجموعة المكوث في المنزل معظم الوقت، وكانوا في الأُمسيات يتحدَّثون عن أحدث التطورات العلمية التي حدثت مؤخراً، إضافة إلى قراءة قصص الأشباح الألمانية القديمة بهدف التسلية والترفيه. فاقترح بايرون رهناً لمن يستطيعُ كتابة أفضل قصة مُرتبطة بالأشباح؛ فكتب قصة عن مصاصين الدماء. أما ماري؛ فقد كانت مُتأثرة جداً بالتطورات العلمية، وحينئذٍ لم يكن التطور العلمي يرتبط بدراسة جسيمات بوزون هيغز أو الوصول إلى المريخ...، فأكثر ما كان يشغل تفكيرهم هو كيفية إعادة الحياة إلى الشخص الميت والكلفانية Galvanism (وهي مصطلح أشار إليه الفيزيائي الإيطالي لويجي جالفاني Luigi Galvani، وتعني الكهرباء الحيوانية)؛ ففي عام 1790م وفي أثناء تجاربه على أرجل الضفدع؛ لمس مُصادفةً إحدى ساقَي الضفدع بالمشرط فسبَّب تدفقاً للتيار في ساقه؛ مما أدَّى إلى رعشة في جسده وكأنه على قيد الحياة.

ساعد ذلك خيال ميري على كتابة روايتها "فرانكنشتاين" ولكن بطريقة كلاسيكية؛ فراودها كابوس في تلك الرحلة عن جثة أُعيدت إلى الحياة. أمَّا فكرة إحياء الموتى فقد كانت تشغل الجميع آنذاك، وعلى رأسهم ابن أخ الفيزيائي الإيطالي لويجي السابق ذكره؛ فقد حاول  Giovanni Aldini بثَّ الحياة في جثث المجرمين، وجرَّب حينها عام 1803م خمس عشرة تجربة. ومن المحتمل أن تكون ميري اعتمدت على مبدأ الكلفانية، ولكي تبدو الرواية أكثر رومانسية افترضت في إمكانية تجميع أعضاء غير حية وجمعها معاً لتكوين المخلوق ثم إنعاش الحياة داخل جسده.

نُشِرت رواية فرانكنشتاين أو بروميثيوس الحديثة عام 1818م في لندن باسمٍ مجهولٍ، وظهر اسم ماري على الرواية أول مرة عام 1831م في طبعتها الأحدث المُتأثرة بشدة بالثقافة القوطية والرومانسية التي انتشرت في القرن التاسع عشر.

(الصورة توضح وحش فرانكنشتاين من طبعة 1831م)

اختلفت إصدارات الرواية في توصيف مخلوق فرانكنشتاين؛ فوُصِف المخلوق في الرواية الأصلية بكونه ذكياً وحساساً ثم أصابه الإحباط لوحدته، وبدأ بإظهار العنف إلى أن تحول إلى قاتلٍ شرير، وتُبرِّر الروايةُ أفعاله على أنَّها انتقام من خالقه فرانكنشتاين الذي رفض خلق صديقٍ مشابهٍ له لمرافقته.

فرانكنشتاين من قصة قصيرة إلى سلسلة أفلام لا متناهية

أنشأت شركة أديسون نسخةَ فيلم فرانكنشتاين الأولى في بدايات عام 1910م، وعلى غرار معظم الصور المتحركة؛ فقد كان الفيلم قصيراً جداً وركَّز منتجو الأفلام على مشهد إنعاش فرانكنشتاين للمخلوق الوحش، وأصبح من أوائل أفلام الرعب الناجحة في ذلك الوقت.

وفي عام 1931م؛ أصدرت أستوديوهات يونيفيرسال Universal Studios فيلمَ فرانكنشتاين (الرجل الذي صنع وحشاً The Man Who Made a Monster) من بطولة بوريس كارلوف Boris Karloff الذي جسَّد دور الوحش، وكولين كلايف Colin Clive بدور الدكتور فرانكنشتاين. وبحلول عام 1935م؛ أُنتِج فيلم مماثل له بعنوان عروسة فرانكنشتاين Bride of Frankenstein الذي عدَّه كثيرون من أفضل أفلام الرعب الكلاسيكية العالمية.

وبدأت سلسلة هامر فرانكنشتاين The Hammer Frankenstein Series عام 1957م وامتدَّت إلى عام 1974م، وحمل الفيلم الأول عنوان لعنة فرانكنشتاين The Curse of Frankenstein الذي حقَّق نجاحاً مالياً كبيراً لأستوديوهات هامر؛ إذ تميَّز بتصميمٍ رائعٍ لإخفاء كلفة الفيلم المنخفضة، وبأداء قوي للمُمثِّلين كريستوفر لي Christopher Lee وبيتر كوشينغ Peter Cushing، إضافة إلى التصوير السينمائي المُلون وإظهار كثيرٍ من العنف فيه؛ فأدَّى إلى إنتاج ستة أفلام أخرى.

وتُعدُّ النسخةُ الحديثةُ الأكثر شعبية من سلسلة هامر هي فرانكنشتاين الشاب Young Frankenstein التي أُنتِجت عام 1974م، وكان الفيلم مُشابِهاً للفيلم الأول الذي أنتجته يونيفيرسال مُستخدماً التصوير السينمائي الأبيض والأسود.

ظهرت عدَّة أفلام سينمائية في السنوات الماضية تتضمن قصة فرانكنشتاين مثل فيلم أنا فرانكشتاين I'm Frankenstein عام 2014م، وفيلم فيكتور فرانكنشتاين Victor Frankenstein عام 2015م، وعدد من المسلسلات التلفزيونية مثل مسلسل الوحوش وبيني المُروِّعة The Monsters and Penny Dreadful؛ فقد ألهمت رواية ماري منتجي الأفلام والمسلسلات التلفزيونية كثيراً، ويظن البعض أنَّ هذا الوحش الوحيد سيظل مُسيطراً على عالم الخيال والرعب إلى الأبد.

تسمية الرواية بروميثيوس الحديثة

يعود الفضل في إبراز تنوير البشرية ومعرفتها في الأساطير اليونانية القديمة إلى بروميثيوس الذي سرق النار من آلهة جبل أوليمبوس Olympus للتمرد على الآلهة الذين أرادوا الحفاظ على قوة النار لأنفسهم، فعاقبوا بروميثيوس بقسوة؛ وذلك بتقييده بصخرة وإرسال نسر إليه لتناول كبده -الذي يتجدَّد وينمو تلقائياً- كل ليلة؛ ليكون عقابه الأبدي درساً للجميع.

ربما تأثرت ماري بهذه الأسطورة؛ فقد كتب زوجها شيلي قصيدةً بعنوان بروميثيوس غير المقيد Prometheus Unbound في الفترة التي نشرت فيها ماري كتابها، فقد شبهت ماري بطل روايتها فرانكنشتاين ببروميثيوس الذي افتُتِن بقوة النار وتمردَّ على الآلهة للحصول عليه، ولكن تلك القوة سببت له عذاباً أبدياً.

لا يزال تأثير رواية ماري مُستمراً إلى يومنا هذا، ولكن اتبع استخدامُه في الأفلام سلسلة أفلام الرعب غالباً، ولا يُمكننا تجاهل جانب الخيال العلمي فيه. وعلى الرغم من كتابة الرواية في زمنٍ لم تكن فيه التكنولوجيا متطورة علمياً كما هو الحال الآن؛ ولكن أصبح خلق وحش فرانكنشتاين ممكناً -الروبوت مثلاً- ولكن بطرائق علمية مختلفة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا