علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

انطباعات أسرية تربوية تعكس سلوك أطفالنا

لن ندّعي المثالية في التعامل، إنما سنلقي شعاعًا من نور العقل على ظلمة مَهمة صُنِّفت من أصعب المَهمات وأكثرها تطلبًا لتقديم الإخلاص والوفاء؛ إنها تربية أطفالنا.

يبدأ الأطفال ينسجون شعورَهم بأنفسهم منذ مراحل طفولتهم بعد أن يروا صورتهم في عيون والديهم؛ إذ يمكن أن تمتص شخصيةُ الطفل نبرةَ صوت أحد والديه وأية إشارة من أجسادهما وأي تعبير يستخدمانه، لذلك؛ يجب على الوالدين أن يكونا قدوةً جيدةً في اتباع أسلوب التربية الذي يعتمد على التشجيع والإشادة الصادقة لقاءَ أي قول أو فعل إيجابي يصدر عن طفلهم، وذلك عن طريق اعتماد قاموس لغوي جديد يحتضن مفردات انتُقيت بعناية خاصة وإخباره دومًا أنّ محبته أكبر بكثير من سلوكه الخاطئ، إضافةً إلى الابتعاد عن أسلوب الكلام الحاد ذي الكلمات القاتلة التي تؤثر سلبًا في نفسية الطفل. علمًا أنّ السلوك الخاطئ للطفل لا يعني أبدًا التبشيرَ بمعركة أو غزو نخطط فيه لنيل الفوز والنصر.

وقد بات كثيرٌ من هذه الكلمات القاسية والحوادث المؤلمة بحق الطفل والطفولة مكرر في أُسرنا، حتى إنها لفتت انتباه الدراسات إليها وأُطلِق عليها مسمى "العنف المنزلي" ليصل عن طريقه الألم إلى قارئه، أو دُعيَت بمسمى أخف ألمًا "إساءة المعاملة" ليصف آثار التعنيف اللفظي والجسدي والعاطفي والجنسي في نفسية الطفل الناشئ ببيئة نخرتها أساليب المعاملة السيئة.

ولم يكتفِ العنف بالمواجهة بين فرد وآخر، بل تخطى حدود جدران منازل الأُسر ووصل إلى هواتفنا المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ بيّنت الدراسات أنه يشكّل الأطفال ثلاثة أرباع ضحايا العنف الأُسري وأن نصف هذه الأسر يتعرّض أطفالها للضرب الجسدي والاعتداء الجنسي.

إن التأثر بسلوك الوالدين يبدأ لدى الطفل في المراحل الجنينية. ولعل صفة العنف الإيجابية الوحيدة أنه لا يبقى حبيسًا في الأفراد الذين يتعرضون له، بل تظهر علاماته سريعًا؛ إذ يلازم القلقُ الأطفال الصغار في السن ويشكون آلامًا في البطن والتبولَ الليلي وتنتابهم نوبات غضب، في حين يبدي الأطفال الأكبر سنًّا تصرفات عدوانية وعصيان أية نصيحة ويتّخذون من العنف الحلَّ الوحيد لمشكلاتهم عاكسين بذلك سلوك والديهم.

أما فيما يخص الفتيات، فتظهر عليهن مظاهر الاكتئاب واضطرابات الأكل والرغبة في إيذاء أنفسهن، وتشترك مظاهر العنف عند الفتيان والفتيات في تردي المستوى الدراسي وقلة القدرة على التركيز.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنه على الرغم من أصابع الاتهام الموجَّهة دومًا نحو الرجال لتُحمِّلهم مسؤولية التعنيف؛ قد يظهر العنف من تصرفات الإناث أيضًا، فنحن لا نلقي اللوم على تصرفاتهن فحسب، بل نلومهن على عدم تغيير أسلوب العنف وسلوكه الذي اعتدنَه.

وعلى الرغم من أنه سيحمل الذكور العنفَ متخذين الوالد قدوة وستتوقع الفتيات العنف والظلم الاجتماعي؛ لكن لكل قاعدةٍ شواذ، فقد رفض كثيرٌ من الأبناء السير على خُطا والديهم وكانوا عقبة أمام استمرار العنف ومعاملة أطفالهم السيئة.

إذًا؛ عندما نغضب دعونا نتوقف لحظة ونفكر كيف نودُّ أن يتصرف أطفالنا؟! ودعونا نضع قانونًا أُسريًّا ثابتًا نلتزم به نحن وأطفالُنا.

وانطلاقًا من النظرة الإيجابية إلى الروتين الأُسري؛ أُجريت دراسات على مدى ٥٠ عامًا أعدَّت الروتين والطقوس العائلية المتّبعة أمرًا مهمًّا لصحة الرابط الأُسري واستمراريته بوصفه قانونًا تنظيميًّا يضمن ثبات الأسرة عند انتقالها من مرحلة ما إلى مرحلة أخرى أو عند تعرُّضها لضغوط اجتماعية.

وقد اعترفت كثيرٌ من الأُسر بسيادة الروتين على حياتها؛ إذ يرتبط هذا القانون التنظيمي بالرضا الزوجي والحفاظ على خصوصية حياة الأطفال المراهقين ودعم الرابط بين أفراد الأسرة.

ووضحت هذه الدراسات أيضًا مدى تأثير الروتين المُتَّبع في صحة الأطفال، فيكون نوم الأطفال أكثر استقرارًا مقارنة بأطفال اعتادوا روتينًا أقل تنظيمًا.

وتشكّل هذه العادات التي تطبّقها أفراد الأسرة كل يوم دعمًا معنويًّا حتى لو تخلل الطلاق وحدتها، فعلى الرغم من الاختلافات وضيق الوقت لترتيب وجبة عائلية؛ لكن يقول مؤلفو هذه الدراسات: "إن الطبيعة المتكررة لوقت الوجبة العائلية تسمح للعائلة بالبقاء على تواصل فيما بينها، فعشرون دقيقة نمضيها مع أفراد أسرتنا كفيلةٌ ببقاء خيوط التواصل والمحبة".

وفي النهاية؛ تعالوا معًا نعِدُ أطفالنا متوجهين إليهم ومخاطبين إياهم: "اطمئنوا، سنحمل مسؤولية تربيتكم بإخلاص وسنغلّف العنف بنظرة المحبة وسندخل الروتين إلى حياتكم من باب التنظيم لا من باب الملل، آملين أن يحفل مستقبلنا بخصب خيالكم ونجاح أعمالكم".

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا