الكيمياء والصيدلة > علاجات صيدلانية جديدة

حقنة واحدة شهريًّا بدلًا من حبة يومية لكبح فيروس الـ HIV

في تسعينيات القرن الماضي ابتكر الباحثون مزائج من مضادات الفيروسات القهقرية ( antiretroviral drugs)، التي حوّلت الفيروس المُسبِّب لمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) ليصبح في حالة مزمنة من الخمول عوضًا عن كونه فيروسًا مميتًا، وتُعطى عبر تناول حبة يومية من المزيج الدوائي المطلوب، الأمر الذي حال دون وفاة كثيرٍ من المرضى، وهو الحل الذي اختير حينها لعدم توفُّر العلاج.

إلا أنَّ الاستخدام الروتيني اليومي لهذه الأدوية صعَّب على المرضى عملية الالتزام بنظام دوائي ثابت، مما أدى إلى حاجة مُلِحَّة لبديل شهري يُسهِّل الالتزام مدى الحياة. فالجرعة اليومية تمنع الفيروس من التضاعف ضمن خلايا المريض، ويُعرِّض عدم الالتزام بالجرعة اليومية كلًّا من المصاب وشريكه الجنسي للخطر.

وفي دراستين متطابقتين أُجريَتا على أكثر من ١٠٠٠ شخص من ١٦ دولة مختلفة؛ أكدت النتائج أنَّ الأدوية الجديدة المديدة المفعول (حقنة عضلية مرة واحدة شهريًّا) تكافئ في فعاليتها الحبوب اليومية المستخدمة لمنع تضاعف فيروس عوز المناعة المكتسب.

وتحتوي حقن مضادات الفيروسات القهقرية التي اختُبِرت في التجربتين على خليط من دوائَي الكابوتِغرافير (cabotegravir) والريلبيفيرين (rilpivirine ) بجرعة تعادل حقنة واحدة شهريًّا، ويمنع كِلا الدوائين تضاعف فيروس عوز المناعة المكتسب؛ ولكن كلٌّ بطريقته.

ويبقى الخليط الدوائي في أنسجة الجسم، ويرشح منها في عدة أسابيع، وقد طُوِّرت هذه التركيبة الدوائية بواسطة شركة أدوية (ViiV Healthcare) القائمة في لندن.

ويُعَدُّ هذا المزيجُ الدوائي الأولَ من نوعه للاستخدام الطويل الأمد لكبح فيروس الـ HIV، ويأمل الباحثون أن يكون سلاحًا فعالًا في تخطي أحد أصعب التحديات الحالية ضد الـ HIV؛ ألا وهو كيفية التأكد من ديمومة التزام المرضى بالأدوية المأخوذة بجرعة يومية لمنع تضاعف الفيروس في خلاياهم.

يضمن المزيج الدوائي المديدُ الفعالية نجاح تثبيط تضاعف الفيروس عند الغالبية العظمى من المرضى الذين وُصِفت مضادات الفيروسات القهقرية لهم (الخاضعين للمعالجة المعيارية للـ HIV)، ويأمل الباحثون باستخدام هذه الأدوية منعَ انتقال المرض نفسه مستقبلًا وليس تضاعفه فحسب.

في إحدى التجربتين قورنت مستويات الفيروس في الدم لدى ٥٥٦ مريض لم يسبق لهم استخدام مضادات الفيروسات القهقرية، وتناولَ المشاركون في التجربة إما الحقن الشهرية وإمّا الحبوب اليومية لمزيج من ثلاثة مضادات فيروسات قهقرية شائعة الاستخدام لكبح تضاعف الفيروس المطلوب -كابوتغرافير (cabotegravir)، وأباكافير(abacavir)، ولاميفودين (lamivudine)- مدة 11 شهرًا.

وفي التجربة الأخرى شارك 616 مريض ممن سبق لهم استخدام مضادات الفيروسات القهقرية

(المعالجة المعيارية بالحبوب اليومية المذكورة سابقًا) مدة ستة أشهر على الأقل قبل بدء التجربة.

في كلتا التجربتين لم تحافظ الحقن الشهرية على مستوى الفيروس كما الأدوية اليومية وحسب، بل أكَّد أكثر من 85% من المرضى تفضيلهم النظام العلاجي الشهري.

وعلى الرغم من الحديث في دراسة نُشِرت في مجلة nature في شهر آذار/ مارس من عام 2019 عن تعافي مريض من فيروس الإيدز عن طريق زرع الخلايا الجذعية (stem cell transplant)؛ فإنَّ العلماء يرَون أنه من السابق لأوانه القول إن الشخص المعروف باسم "مريض لندن" قد شُفي بالفعل، وهذه هي المرة الثانية فقط التي يحدث فيها إزالة آثار الفيروس كافةً من مريض. ويمكنكم معرفة تفاصيل الحالة الأولى من مقال سابق هنا

ويؤكد العلماء أنَّ زرعَ الخلايا الجذعية هي عملية معقدة وباهظة الثمن، فضلًا عن كونها مليئة بالمخاطر مقارنة بالأدوية المديدة المفعول.

إضافة إلى أن الهدف من عملية الزرع في المريضَين السابقَي الذكر كان علاج مرض السرطان في مراحله المتقدمة وليس علاجًا لفيروس الإيدز بحد ذاته.

ويجب علينا التنبيه إلى أنَّ الحقن قد صُمِّمت لتؤخذ مرة واحدة كل شهرين، وذلك بالاعتماد على ضبط تركيز الدوائَين في الحقنة بما يتناسب مع الحفاظ على كبح تضاعف الفيروس.

وحتى هذه اللحظة لا يزال البحث الدؤوب عن العلاج الأنسب لهذا المرض المستعصي قائمًا، ولا يزال العلماء يسعَون بجهد للسيطرة عليه بأفضل الوسائل والتي تُمكِّن المرضى من المداومة عليها بسهولة وانتظام.

المصادر:

هنا

هنا