الرياضيات > الرياضيات

جَزَع الرياضيات

"حين بلوغي الصف الرابع كنت بارعة جدًّا في الرياضيات، أما جداول الضرب فكانت كالأحجيات بالنسبة إليّ، وكبرت وبدأت الصعوبات تواجهني، لم يدرِ أساتذتي كيف يمكنهم مساعدتي؛ فاكتفوا بوصفي (ذكية ملولة)، ذات الاثني عشر عامًا. ليسوا سعداء إطلاقًا؛ أذكر بوضوحٍ ساعات قضيتها على منضدة المطبخ، أصغي لوالدي شارحًا لي، أكفكف دموعي الحارة بعد المرة الخمسين من شرحه لي كيفية حساب نسب بسيطة، وما زلتُ حتى الآن أشعر برأسي تحتضنه عتمةُ ذراعي". (سامانثا كول Samantha Cole)- محررة مساعدة في مجلة Vice.

تعد الرياضيات -غالبًا- موضوعًا صعبًا، فليست كل الصعوبات إدراكية، إذ تعتري العديد من الأطفال والبالغين مشاعرُ القلق والتوتر أو عدم الراحة عندما يواجهون مسألة عصية الفهم أو الحل.

وقد كشف تقرير نشره مركز العلوم العصبية التعليمي بجامعة كامبريدج طبيعة هذه الحالة وحلها، التي اصطُلح على تسميتها بـ"جزَع* الرياضيات"، وقد وضع الأطباء تعريفًا له في بداية القرن العشرين بأنه: "شعور بالتوتر والقلق ينبع من التعامل مع الأرقام وحل المشكلات الرياضية في الحياة العادية والأوضاع الأكاديمية".

وقد أجريت دراسة بالغةُ الدقة على 1700 طالب وطالبة في المملكة المتحدة، فوُجد أنَّ الطلاب يعانون قلقًا من الرياضيات بنسبة تفوق أيّةَ مادة أخرى، ممّا يقود إلى نقص ثقتهم بأنفسهم أو انعدامها، ويبدو هذا الأمر واضحًا من حصولهم على درجات سلبية أو أقل من نظرائهم أو حتى أشقائهم نتيجةً لهذا القلق.

بحسب دينس زوشس Denes Szucs -واضع الدراسة- فقد وُجدت أسباب مشتركة للمرحلتين الأساسية والثانوية من الطلاب الذين أجريت معهم المقابلة تؤدي إلى القلق من الرياضيات على اختلاف مستوياته وأصوله ونذكر منها: الانتقال المرحلي، وازدياد الصعوبة والضغط، وتضاعف كم الواجبات المنزلية، والأهم من كل هذا؛ اختبارات التحصيل القياسية.

ومع أنَّ أداء هؤلاء الطلاب جيدٌ في الاختبارات فإن قلقهم من الرياضيات قد لا يلاحظه المعلمون وأولياء الأمور، الذين ينظرون إلى الأداء فقط ولا يلقون بالًا إلى التأثير النفسي في الطلاب، فهذا التأثير قد يقصيهم عن ممارسة مجالات علمية مهمة مثل العلوم والتكنولوجيا والهندسة أو الرياضيات نفسها، التي يمكن أن يحققوا فيها كثيرًا، بحسب ما ذكرت إيمي ديفاين Amy Devine؛ باحثة رئيسة في الدراسة.

الحلقة المفرغة

على المدى البعيد وبالتأكيد سيقدم الناس الذين يعانون جزع الرياضيات أداءً أقل بكثير من قدرتهم الحقيقية، مما يؤدي إلى بقائهم عالقين ضمن حلقة مفرغة: قلق من الرياضيات يقود إلى أداء دون المطلوب، والأداء السيئ يزيد من القلق، وتستمر الأمور على هذه الوتيرة.

وقد وضع الباحثون بعض التوصيات التي من شأنها الحد من هذه المشكلة، أولها: حاجة المعلمين إلى إدراك الجزَع الفردي وشدته لدى الطلاب، الذي قد ينعكس على الأداء، وثانيها: التصور النمطي بتفوق أحد الجنسين على الآخر، الذي يسهم في خلق فجوة في مستوياتِ أداء الرياضيات لدى الجنسين.

دور مهم

يؤدي المعلمون وأولياء الأمور والأشقاء والشقيقات وزملاء الصف دورًا محوريًّا في تشكيل جزع الرياضيات عند الطفل، دون قصد أو دراية. ومن ثم قد تكون معالجة المخاوف والمعتقدات تجاه الرياضيات لدى الأهل والمعلمين هي الخطوة الأولى لمساعدة طلابهم أو أطفالهم.

تنشأ حالة التوتر أو القلق هذه من عمر صغير وتنمو بنمو الطفل؛ بحسب الباحثين والمهتمين في هذا المجال، ومن ثم يجب التركيز وإجراء مزيد من الأبحاث عن كيفية اكتشافه ومعالجته على أفضل وجه قبل انتقاله من مجرد شعور يعتري الطفل إلى تأثير ملازم للأداء.

تقول سامانثا: "أنا لا ألوم أساتذتي لوقوفهم عاجزين تجاهي في الصف الرابع، أو والدي بسبب الانزعاج الذي شعرت به في ذلك اليوم على طاولة المطبخ، لكنني أتساءل ما الذي كان يمكن أن يحدث لو اعتُرف بقلق الرياضيات لديَّ وأنا طفلة؟ ربما كنت قد تجاوزته".

الهوامش:

*الجزَع: قلّة الصبر على ما يصيب الإنسان من ألم، فيبدو عليه الحزن والقلق.

المصادر:

1- هنا

2- هنا