التاريخ وعلم الآثار > شخصيات من سورية

رائدات الهندسة في سورية ... نساء من بلدي

في احتفال كبير جرى في جامعة دِمشـق في9-7 1953 و حضره رئيس الجمهورية آنذاك برفقة وزير المعارف ورئيس الجامعة السوريّة لتخريج دفعة جديدة من المهندسين. كان هنالك ما يجعل من ذلك الاحتفال السنوي لتسليم شهادات التخرّج، حدثاً متميّزاً .

الأمر المتميّز لم يكن إلّا إطلالة كُل مِن "سميرة سلحدار" و "ثبيتة كيّالي" مع سبعة عشر آخرين في رداء التخرّج، لِتكونا أوّل مهندستين في سوريّا .

البداية كانت مع ثبيتة كيالي(مواليد حلب 1931) والّتي كانت الفتاة الأولى والوحيدة في كلّية الهندسة، الأمر على غرابته (كونها الأنثى الوحيدة في الكلّية آنذاك) لم يكن ليثنيها عن متابعةِ دراستها في الكلّية التي انتسبت إليها عام 1947 .

أجبرها المرض عن التوقف لمدة عامين عن الدراسة لكنّها عادت وثابرت بتصميم على التخرّج من الكلّية .

في ذلك الوقت دخلت فتاة أخرى إلى كلية الهندسة تُدعى سميرة سلحدار (مواليد حلب 1929) والّتي انتسبت إلى الكلية بعد زميلتها ثبيتة بعام وتخرّجتا في آن معاً بسبب توقف الأخيرة لأسباب صحيّة وكان ذلك في العام 1953في احتفال كبير في جامعة دِمشق .

لم تكن الشهادة هدفاً بحدّ ذاته، ولا رخصةً لإحدى الوظائف وإنّما باباً يفتحُ طريقاً للبحث والاستكشاف، فكانت نهاية التعليم الجامعي مجرد بداية للمهندستين سميرة وثبيتة .

بعد تخرج السيدة ثبيتة كيّالي من كلية الهندسة-جامعة دِمشق. عملت في مكتب هندسي، لِتتعاقد لاحقاً مع بلدية حلب وتشغل رئاسة عدّة مصالح .

استقالت عام 1964 وافتتحت مكتباً هندسياً خاصاً بِها، كما كان لها عِدّة نشاطات في المجال الهندسي و النقابي و شغلت عدة مناصب مهمّة ( عضوه في نقابة المهندسين و مراقبة لخزانة التقاعد ، مؤسّسة و رئيسة المجلس الإداري لجمعية كفالة الطفولة لرعاية الأطفال اللقطاء عام 1961، نائبة الرئيس الثاني لجمعية الهلال الأحمر، رئيسة لجنة النشاط النسائي في الإتحاد القومي زمن الوحدة مع مصر و كذلك أمينة سر الاتّحاد القومي ) لتكون بذلك أول امرأة تشغل كل تلك المناصب المهمة.

قامت ببناء عدّة أبنية خاصة وتنفيذ تعهدات حكومية في حلب، وكانت وكيلة لشركة اوتيس الأميركية للمصاعد، ورُحِّب بها في مؤتمر المهندسين العرب في مصر 1953 كأول مهندسة عربية تحضر المؤتمر.

ولعها في الهندسة انتقل إلى أبنائِها فلمع اسم كل مِن رلى الرفاعي، ورانيا الرفاعي في الهندسة المدنية .

أما عن المهندسة السيّدة سميرة سلحدار فبعد تخرّجها من كلية الهندسة-جامعة حلب، التحقت بِبلدية حلب، فكانت أول امرأة موظّفة تدخل البلدية، واستمرت بعملها حتى عام 1988 وشغلت مديرة الدِّراسات الفنّية. هي الأخرى لديها من الأبناء ثلاثة . مهندسين (عمارة والكترون ) و طبيبة .

بعد سنوات من تخرّج سمية سلحدار و ثبيته كيّالي، تنضم فتاة آخرى لرائدات الهندسة السوريّات .

هذه المرّة كانت سيدة دمشقية الهوى سوريّة الانتماء لتكون المهندسة المعماريّة الأولى ...إنها فلك الأبرش (مواليد 1936) وهي أول مهندسة معمارية على مستوى مدينة دِمشق .

تمَّ تكريمها بعد تخرّجها بسنوات عام 1974، في حفل لِتكريم النساء الرائدات في ميادين الهندسة والطب والمحاماة على مستوى سوريّا .

تتحدّث السّيدة المهندسة فلك الأبرش عن فلك الشابة الّتي دخلت في البداية كلّية العلوم لتتركها لاحقاً بعد أن عَلِمَت بافتتاح قسم العمارة في كلّية الفنون الجميلة .

تقول في لقاء صحفي جَرَى معها، واصفةً تلك المرحلة الدراسية : "كنا في ساعات النهار نداوم في مبنى "التّكية السليمانية" وليلاً في "مدرسة التطبيقات المسلكية"، بدأت الدوام لسنة دراسية كاملة وكان ذلك أيام الوحدة مع مصر في عام /1958/، وعندما انتهى العام الدراسي طلبت مِن عميد الكلّية نقل أوراقي من كلية العلوم ليسجّلني في كلّية الفنون، حينها بدأت رحلتي مع العمارة . الأمر لم يكن يسيراً على الإطلاق في زمن لم يكن هناك للحاسوب وجود بعد ولا أي من التقنيّات الحديثة الموجودة اليوم .

كان عددنا بقسم العمارة 22 طالباً، وصل منهم 12 لتقديم مشروع التخرّج، نجح مِنهم سبعة فقط وكنتُ أنا الفتاة الوحيدة؛ حيث كنّا في البداية ثلاث فتيات لكنهنّ لم يكمِلن وكنت الوحيدة التي قدّمت مشروع التخرج .

عن مشروع تخرّجها تقول : " كان مشروع تخرّجي هو(حِضانة للأطفال) عملت على هذا المشروع وسهرت الّليالي وبحثت كثيراً عن مكان لأقيم فيه مشروعي وقد استطعت أن أجد بأحد المخطّطات لمدينة دمشق مكاناً خُصِّص لمدرسة –وهو يقع اليوم في أحد المناطق القريبة من حي "برزة"- فطلبت أن أقيم مشروعي عليه وتم ذلك فعلاً"

مشروع عملها الأول بعد التخرّج كان هو "مياه دريكيش" عام 1956 ولكنه بقي حِبراً على ورق لعدم وجود إمكانيات مادية حينها .

لتعمل لاحقاً بتخطيط المدن (وضعت مخطّطات لأماكن كثيرة كمنطقتي "يلدا" و"ببيلا" في ريف دِمشق) عام 1970 .

بقيت المهندسة فلك الأبرش في عملها حتى عام 2000 لتكون كما قيل فيها يوماً " جسر يمرّ عليه الآخرون" .

المصادر :

*كتاب حلب في مئة عام ، الجزء الثالث –للباحث محمد فؤاد عينتابي والمهندسة نجوى عثمان/ إصدار 1993

* لقاء صحفي بعنوان "نمـــــوذج امـــــــرأة، فلك الأبرش" جريدة الثورة بتاريخ 2011-3-8 .