البحث العلمي والمنهجية العلمية > البحث العلمي

نُشرت في أيلول 2018 وسُحبت في شباط 2019؛ فما القصة؟!

في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر؛ نشرت مجموعةٌ من 27 باحثًا -بقيادة علماء في كلية بايلور للطب في تكساس- بحثًا في مجلة (Nature) يفيد بإيجاد تقنية جديدة تسمح للخلايا المناعية بعبور الحاجز الدموي الدماغي للاستقرار في الأورام الدماغية التي يصعب الوصول إليها.

إذ كشف كلٌّ من مختصِّ الأورام "نبيل أحمد" و"هبة سماحة" -الباحثة في مستشفى سرطان الأطفال في مصر والتي عملت في بايلور عدَّة سنوات- عن حلٍّ محتمل للمهمة الصعبة المتمثِّلة في إيصال الخلايا المناعية المستخدمة في العلاج المناعي إلى سرطانات الدماغ.

وادَّعى الباحثون أنَّهم نجحوا في علاج ورم أرومي دبقي -وهو شكل من أشكال سرطان الدماغ العدوانية- في الفئران؛ وذلك عن طريق هندسة خلايا تائية وتزويدها بنظام موجَّه يربطها بقوة مع جزيئات على سطح الأوعية الدموية، وبمستقبلات مستضد خيمري تمكِّنها من تحديد الخلايا السرطانية.

في البداية، قوبلت هذه النتائج باهتمام إيجابي، ونوقشت الدراسة في مقالة ذات صلة بـ(Nature News & Views)، وظهرت بوصفها أحد أبرز الأبحاث في مجلة مقترنة (Nature Immunology)، وتلقَّت تغطيةً إعلامية والعديد من الاستشهادات أيضًا.

وقالت سماحة في بيانٍ صحفي: "النتائج كانت مشجعة للغاية؛ لاحظنا أنَّ الخلايا التائية المزوَّدة بالنظام الموجَّه وبالمسقبلات الخيمرية قلَّصت إلى حدٍّ كبير الأورامَ في  الحيوانات المعالجة جميعها".

لكن ابتداءً من شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وبعد عدة أسابيع من نشر الورقة البحثية على الإنترنت؛ بدأت التعليقات عن التلاعب المحتمل بالصور في المقال تظهر على *(PubPeer)، وسرعان ما لفتت هذه المسألة انتباهَ العلماء على وسائل التواصل الاجتماعي.

ونشر غيتان بورغيو -عالم الوراثة في الجامعة الوطنية الأسترالية- تغريدةً فيما يخصُّ المخطوطة؛ أشار فيها إلى أنَّ مدى ازدواجية الصورة المزعومة في هذه الورقة "استثنائي للغاية".

ويقول: "إذا نظرت إلى تعليقات الباحثين في (pubpeer)؛ تجد شكاوى عن وجود تلاعب في كلِّ شكل بياني، فضلًا عن كون البيانات الخام لا تتطابق مع الأرقام الموجودة في الورقة".

وبعد مرور قرابة أسبوع على بدء ظهور التعليقات على (PubPeer)؛ أضافت (Nature) ملاحظةَ محرِّر إلى الدراسة لتنبيه القرَّاء لكون المجلة قد فتحت تحقيقًا في المخاوف التي أُثيرت عن البيانات المقدَّمة في الورقة.

وبعد الحصول على أكثر من 50 تعليقًا على موقع (PubPeer) سُحبَت المقالة في 20 شباط/فبراير.

ووفقًا لإشعار التراجع عن النشر؛ يسحب المؤلفون الورقة "نظرًا لوجود مشكلات في تقديم الأشكال والبيانات المرافقة لها". وقد وافق المؤلفون جميعهم على التراجع؛ باستثناء المؤلف الأول "هبة سماحة".

ووفقًا لدانا بنسون -مديرة الاتصالات في كلية بايلور للطب- فإنَّ لجنة النزاهة العلمية التابعة للمؤسسة تستعرض جميع مزاعم سوء السلوك العلمي، وتستغرق هذه التقييمات بعض الوقت، إضافةً إلى أنَّها سرية للغاية.

والآن ماذا؟

على الرغم من أنَّ سحب عمل علمي غالبًا ما يمثِّل فعًلا ذا أثر مزعج للكتَّاب؛ إلَّا أنَّ للبعض من هؤلاء بقية فخر تتمثَّل في كونهم هم أنفسهم من اكتشف العيوب فطلبوا سحب المقال العلمي؛ إمَّا لخطأ نزيه، وإمَّا لشكٍّ مبرَّر يتعلَّق باستحالة إعادة إنتاج نتائج البحث مثلًا.

أمَّا العوامل التي قد تؤثِّر في ارتفاع قابلية تعرُّض ورقة الباحث للسحب؛ فهي كثيرة منها بلد عمل الباحث، ووجود نظام ضبط ومراقبة عالي الجودة، وكذلك عمل الباحث في بيئة نقدية وخبرته بوصفها أمثلة..

ومع أنَّ عدد المقالات المسحوبة قد ارتفع مع الزمن؛ فربَّما يعكس ذلك ارتفاع عدد المنشورات العام، وارتفاع نوعية النقد والضبط والمراجعة الممارسة، أكثر من كونه يعبِّر كليًّا عن محاولات تزييف علمي.

يبقى لنا أن ننضمَّ إلى الكثيرين من المهتمِّين؛ لنقول أنَّ واجبنا جميعًا -أقرانًا علميين، وكذلك المحرِّرين والناشرين- أن نكون حرَّاس البوابات وحماتها؛ لحفظ العلم قويًّا نقيًّا مرنًا، وقابلًا للنقد، والمحاسبة، والمراجعة.

*(Pubpeer) هو موقع يتيح للنظراء مراجعة ومناقشة الأوراق البحثية بعد نشرها.

المصادر:

هنا;

هنا

هنا

هنا